قلوب العذارى

حنان لاشين

الحب بِناء كالهرَم، يَرقى عليه الحبيبان درجةً درجةً، ويتَشاركان في البناء، كما أنه لا يقع فجأة هكذا كزلزال أو طوفان فتغرَق فيه دون سابق إنذار، وما يوصف أنه حب مِن أول نظرة ما هو إلا افتِتان وإعجاب شديد، لكنه ليس الحب الحقيقي.

  • التصنيفات: قضايا الشباب - العلاقة بين الجنسين -

يقول أديبنا العظيم مُصطفى لطفي المنفلوطي رحمه الله: "يجب ألا يَنفتح قلب الفتاة لأحد من الناس قبل أن يَنفتِح لزَوجها؛ لتَستطيع أن تعيش معه سعيدةً لا يُنغِّصها ذِكرُ الماضي، ولا تختلط في مُخيلتها الصور والألوان".

وكيف لا يَنفتِح قلبُ الفَتاة؟!
وهل لها سُلطان على قلبها، أو هي تَملك أن تضغط على زرٍّ لتُوقف فجأة أي حب يَطرق بابها؟! 
الحب ليس بمُنكَر في الدِّين، ولا بمَحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجلَّ، أليس كذلك؟!

ولكن لنتوقَّف هنا لحظة!
الحب بِناء كالهرَم، يَرقى عليه الحبيبان درجةً درجةً، ويتَشاركان في البناء، كما أنه لا يقع فجأة هكذا كزلزال أو طوفان فتغرَق فيه دون سابق إنذار، وما يوصف أنه حب مِن أول نظرة ما هو إلا افتِتان وإعجاب شديد، لكنه ليس الحب الحقيقي.

الحب له طريق لا بدَّ مِن السَّير فيها، وسُلَّم لا بدَّ مِن صعوده، إطلاق للبصَر لتتمعَّن وترى هذا المحبوب وتتحقَّق مِن تفاصيله، اختِلاط بلا سببٍ واضِح، وكثرة كلام، ومُزاح لا حاجَة له لتألفه، الوجود يوميًّا مع نفس الشخص لفترات طويلة بلا ضوابط في المعامَلات فتتبسَّطان، السماح بإطْلاعه على الخصوصيات بزعمٍ ما، النظرات، والابتسامات.. وما أدراكم ما النظرات؟! والفَتاة تملِك أن تسير في هذا الطريق وتصعَد السلَّم، أو تتعفَّف وتُغلِق الباب، وكذلك الشاب.

وعندما نَطلب من الفتاة ألا تفتح قلبها لأحد قبل زوجها فنحن هنا نتحدَّث عن العلاقات المُتشعِّبة المتفرعة بين حبيبَين ليس بينهما رباط شرعيٌّ، لكنَّهما يَلتقيان ويتَهامَسان، ويتحدَّثان على الهاتف، ويَنظر إليها، وتنظر إليه، ويتجوَّل في محاسنها بعينيه، وتُبادله التجوال، ويَكتب لها الرسائل، وتَكتب له، وربما يُمسِك يدَها وتسمح له!

علاقة سلكت طرقًا غير مشروعة، بها شهوة وبلا ضوابط، وكما تَعلمون: الشهوات حلوة، السير فيها يُشبه السير على الرمال الناعِمة، تنزلق قدماك وأنت لا تَشعُر، وربما تَبتلعُك بأكملك فتنةٌ! وقد يكون الأمر خلوةً على الإنترنت، يُزيِّنها الشيطان، ويطوفون بكلمة الحب مِن بعيد، الطرفان يتعلقان بالنموذج الذِّهني المثاليِّ للشخص الآخر، وهو التديُّن بلا عيوب، ويُكملان في خيالهما الصِّفات الأخرى الجسَدية، والسلوكيات، وتُركَّب الصورة الذهنية مع الحوار.. أحلام يقظة! يصدِّق العقل ويَظُنان أنه الحب، وهو الفتنة بعينها!

كيف تُحبُّ شخصًا ﻻ تعرف شكلَه وﻻ ماضيَه وﻻ ظروف حياته، ولم تتفاعل معه وجهًا لوجه؟! 
ماذا لو التقيتَ بها ووجدتها تتحدَّث بطريقة أنت تكرهها، ونظرات عينيها ﻻ تُريحك؟ 
ماذا لو التقيتِ به ووجدتِه بملامح ﻻ تُعجِبُك وكرهتِه؟ 

ماذا لو اكتشفتُما أنَّ الشاشة الإلكترونية تَعرض الجانب الحلْوَ فقط، وتُخفي خلفها عيوبًا كثيرة؟!
يتحكم بها لأنه الأكبر سنًّا، ويعلقها به، يَستعذب أن يعيش دور المعشوق، وهو يعلم أنه لن يتمكَّن من خطبتها الآن، ويبدأ في الخربشة على قلبها لكتابة أول حرف مِن اسمه!

أختاه! والدُك يَثِق بك، ومطمئنٌّ أنك بالبيت درَّة مَصونة، ولؤلؤة مكنونة، وأنت على علاقة بشابٍّ على الإنترنت؟!
تحرَّري مِن قيودك، واخرُجي مِن هذا السجن العاطفي، إنه شيء يُشبه الشلل، وقد يبدأ الأمرُ بنقاش ديني أو سياسي، وربما عمل خيري، أو إشراف على مُنتدى، أو إشراف على صفحة الفيسبوك.

الحل -ببساطة-: 
أغلقي باب الفتنة، وامتَنعي عن التواصل مع الطرف الآخر، لا تتتبَّعي أخباره، ولا تُرسلي لأيِّ شابٍّ رسالة تَحتوي على عبارات حبٍّ وعشْقٍ وغَرام، اتَّقي الله في نفسكِ وقلبكِ؛ فقلبُكِ أمانة.. 

وكذلك أنتَ أيها العفيف؛ فالأمر لا يختلف، فأنت أيضًا لديك قلبٌ أخضر، والفائز مَن ينهى نفسه عن الهوى خوفًا مِن مقام ربه، ويَنتظر ميقاتًا ينعم فيه بالحلال، فيتصبَّر ويتعفَّف ويَستعفِفُ.

نُطالبها أن تستعفِف وتستعصم، وكذلك الشابُّ؛ فكلاهما بشرٌ له مشاعرُ وأحاسيس، ولديه قلب رقيق غضٌّ، وحيٌّ ينبض، رفقًا بقلوبكم يا أحباب، رفقًا بقلبِكَ الطيِّب، عامِله كما تُعامل القوارير الرقيقة، عامله بلطْفٍ، وهدهده حتى لا ينقلبَ عليك، لا تُعلِّقه ببشرٍ وأنت تعلم يقينًا أن الوقت غير مناسب لك ولا له.

لا تجعله ساحةً للشيطان، يُمنِّيك فيه بما لا يُرضي الله. 
لا تَعرض عليه الصور والمفاتن فيَشقى ويَبكي، وتفور فيه الدماء، ويغلي خلْف صدرِك، وأنت العبد الفقير الضَّعيف، الذي ليس له حول ولا قوة إلا بربِّه، لا تَستمِع لسِحر إبليس الذي يُسهِّل عليك الصعب، ويُزيِّن لك الخبث، ويُمنِّيك بالأماني فتَخالها قريبةً وأنت لم تَصِلْ بعد!

لا تَفتحي قلبَكِ لرجل لم يَطلبْكِ للزَّواج ويَطرق باب بيت أبيكِ، فيكون فؤادك بستانًا يَمرح فيه بلا ميثاق، فتُطبع على جدران قلبك صورٌ وذكريات له تظلُّ تتقلَّب عليك مِن آنٍ لآخر، وتَطفو على السطح عندما تتزوَّجين غيرَه، فتُقارنين هذا بذاك، فتَغلب حلاوةُ الهَوى على مرارة الواقِع.

احفَظي قلبك حتى يَنفتِح لحبِّكِ الأول، وزوجِكِ العَفيف.
وأنتَ أيضًا أيها الشاب العفيف، احفظ قلبك.
وكما قال أديبنا العظيم مصطفى صادق الرافعي: "وإذا لم يَنتَهِ الحبُّ بالإثم والرذيلة، فقد أثبَت أنه حبٌّ، وشرفُه حينئذٍ سرُّ قوته، وعنصر دوامه".

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام