(3) الجسد مدخل الروح
هدى عبد الرحمن النمر
الروح تبع للجسد ليست منفصلة عنه، فعلى قدر عزمك في التعامل مع جسمك يكون عزمك في الارتقاء بروحك، جفف منابع الغفلة والملهيات أولا لتستيقظ قوى الذكر.
- التصنيفات: ملفات شهر رمضان -
يرتبط شهر رمضان في أذهاننا بالروحانيات لدرجة تجعلنا نهمل فيها تعاهد أجسادنا وحسن إدارتها، ولا ننتبه أن النظام الجسدي بوابة النظام الروحي، فالصيام والقيام لن يجددا شباب إيمانك إذا كنت تترنح صائما وتتثاءب قائما
ومع أنّ المقصود الرئيس من شهر رمضان هو تغليب العزم والحزم في التعامل مع شهوات الجسد من الطعام والنوم والخمل والكسل، وتنبيه الواحد منا لمكامن الطاقة الحقيقية فيه التي لا يعيقها تقليل طعام أو نوم،
نجد أننا حولنا تقليل الطعام والنوم من عون على شد عود الإرادة والعزم إلى خير معين على ضدهما تماما!
إنك ربما في غير رمضان متى اشتهيت شيئا سارعت إليه بلا تفكير، طعاما أو حلوى أو مشروبا، ولو لم تكن جائعا أو تحتاجه، وربما تغلبك نفسك على التكاسل في يوم حار أو ليلة منعشة فتنام من الفراغ والتبطل أو التلذذ بالراحة لا لأنك حقا تحتاجها.
فيأتي رمضان حيث (يفرض) عليك حين تشتهي ألا تشتري، بل حين تشعر حتى بحاجة أن تقاوم قليلا بعد
ولو لم “يفرض” هذا ما كنت جئته من نفسك.. فلماذا فرض إذن؟ لتجويعك؟ لتكدير عيشك؟ لقلب نظام حياتك كل سنة؟ هل فرض الصيام بالنهار لتأكل الضعف في الليل؟ أو شرع القيام في الليل لتقضي كل اليوم نائما؟
أم لتنبيهك لنظام الحياة الأصح جسدا وروحا، فأنت تعيش سنتك كلها في تناغم بين مطالب الاثنين ومعادلة واعية في الشد والجذب، فإذا أهل عليك هلال رمضان جدد فيك ما كان تراخى من العزم، أو أعانك على ملك زمام هواك بنفسك إذا كنت ممن يملّكون زمام أنفسهم لهواهم.
فإن لم يكن في رمضان فمتى؟ وحتى متى يظل تصورك عن رمضان وتعاملك معه على أنه قلب لنظام حياتك؟ متى تبدأ في تعديل نظام حياتك وتصحيحه ليكون أصلا على ما يراد منك ولك، فإذا أهل عليك رمضان استقبلته استقبال مشتاق لعون يثبته ويعينه ويرقّيه، وليس استقبال زائر ثقيبل يغير صفو عيشه مؤقتا ثم ينصرف فتعود لسابق عهدك من الفوضى الروحية والجسدية والوقتية .. إلخ؟
خطر هذه العقلية في التعامل مع الجسد بغير تمييز ولا ضبط بين الحاجة والاشتهاء أنه ينعكس سلبا على الروحانيات والعبادات التي هي جوهر هذه الفرصة الكريمة كل عام، ويتجلى بوضوح في نوم النهار بطوله وسهر الليل بعرضه، والترنح من الجوع وقت الصيام ومن التخمة وقت الإفطار والسحور، وما يترتب على هذه الفوضى الجسدية من فوضى روحية في تلاوة متثاقلة وتراويح مجهدة وقيام متكاسل، فالروح تبع للجسد ليست منفصلة عنه، فعلى قدر عزمك في التعامل مع جسمك يكون عزمك في الارتقاء بروحك، جفف منابع الغفلة والملهيات أولا لتستيقظ قوى الذكر.
اعتبر رمضان هذا العام بداية تعديل جوهري لنظام حياتك نفسها، روحا وجسدا، بحيث تبني على ما ستداوم عليه طوال الشهر، فيصير ذلك لك عادة وطبعا جديدا، وتعديل نظام الحياة يرتكز بداية على حسن إدارتك لجسمك في ثلاثة جوانب:
- النوم
- الأكل
- اللياقة
ولكلّ وقفة مستقلة بإذن الله تعالى.
والله الموفق والمستعان.