أهمية الكلمة
قال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
- التصنيفات: فقه المعاملات -
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:24-25].
فربما يستهين بعض الناس بالكلمة ولا يدري ما يمكن أن تفعله هذه الكلمة بالإنسان سواء كانت كلمة طيبه أم كلمة خبيثة، فبكلمة يدخل الإنسان فى دين الله الإسلام، وبكلمة قد يخرج منه. وبكلمة يستطيع أن يصلح بين متخاصمين، وبكلمة أيضًا يستطيع أن يهدم بيتًا معمورًا.
قال تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].
وقال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح الترغيب [2878]).
فعلى المسلم أن يتأمل كلام رب العزة وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن ينطق بأي كلمة ليتجنب الوقوع في المحظور كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم حين قال: « » (متفق عليه).
وكما قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].
قال أهل العلم: يعتبر كل أدب الدنيا والدين داخل تحت هذه الآية، يقول أهل التحقيق "كلام الناس مع الناس إما أن يكون فى الأمور الدينية أو فى الأمور الدنيوية، فإن كان فى الأمور الدينية فإما أن يكون فى الدعوة إلى الإيمان (وهو مع الكافر)، أو الدعوة إلى الطاعة (وهو مع الفاسق)، أما الدعوة إلى الإيمان فلا بد أن تكون بالقول الحسن قال تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} [طه:44]. فالله سبحانه وتعالى أمرهم بالرفق مع فرعون مع جلالتهما وعظم كفر فرعون وتمرده وعتوه على الله تعالى.
وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].
وأما دعوة الفاسق فالقول الحسن فيه معتبر قال تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]. وأما الأمور الدنيوية فمن المعلوم أنه إذا أمكن التوصل إلى الغرض بالتلطف من القول لم يحسن سواه.
قال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى} [البقرة:263].
وهذه الآية دليل على أهمية الكلمة الطيبة وأنها خيرمن أن تعطي فقيرًا مالًا بيدك وتؤذيه بلسانك؛ فجعل الله الكلمة الطيبة خيرًا لأنها تقرب القلوب وتذهب حزنها وتمسح غضبها؛ فهي دليل على طيب قائلها و تثمر عملًا صالحًا في كل الأوقات وتصعد إلى السماء، قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10].
والكلمة الطيبة تشمل الصدق في الحديث والإصلاح بين الناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، وغير ذلك مما ينفع الناس.
وأما الكلمة الخبيثة وما تشمله من كلمة الكفر ثم الكذب وشهادة الزور والغيبة والنميمة والاستهزاء والسخرية من الناس وغير ذلك مما يترتب عليه ضرر بالمجتمع. فقد يظن الإنسان الأمر هينًا وأنه مجرد كلام لا نؤاخذ عليه، فقد جاء فى حديث معاذ رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟" قال: « » (أحمد والترمذي).
وقد ورد فى كتاب الله آيات تحدثنا عن مساوئ الكلام الخبيث، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات:11-12].
ففي هاتين الآيتين منهاجٌ للتعامل بين المسلمين أساسه الاحترام والثقة وحسن الظن ومراقبة الله عز وجل فى كل شيء.
وقد نهى الله عز وجل عن السخرية والاستهزاء بالناس فقد يكون المستهزئ به أفضل منك عند الله، وشمل النهي في الآية الكريمة الرجال والنساء، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم "حسبك من صفيه كذا وكذا،" قال بعض الرواة تعنى قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم « » (أبو داود).
ثم نهانا عز وجل في الآية الكريمة وفي آيات أخرى من كتابه الكريم عن اللمز قال تعالى: {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة:1]، وقال أيضًا عز وجل في موضع آخر: {هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11]. قال ابن كثير المراد به احتقار الناس والنميمة. ثم نهى عز وجل عن التنابز بالألقاب وهو مناداة الشخص بلقب يكرهه وهذا الأمر انتشر بكثرة في مجتمعنا رغم النهي الصريح عنه.
ثم جاء التحذير من الغيبة بتشبيه فاعلها بآكل الميتة، ففي حديث حسان ابن المخارق "أن امرأة دخلت على عائشة رضي الله عنها فلما قامت لتخرج أشارت عائشة رضي الله عنها بيدها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنها قصيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم إغتبتها" (صحيح الأدب المفرد).
وقد ذكر النبي صلي الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله ما الغيبة؟": قال صلى الله عليه وسلم: « »، قيل "أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟" قال صلى الله عليه وسلم: « » (الترمذي).
وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» (أبو داود). قال ابن دقيق العيد أعراض الناس حفره من حفر النار.
والكلمة الخبيثة تشمل أيضًا قول الزور وشهادة الزور لما يترتب عليهما من ضياع الحقوق. قال صلى الله عليه وسلم: «
فعلى كل مسلم أن يعي أن للكلمة مخاطر ويفكر جيدًا قبل أن ينطق بها لسانه هل ستؤول إلى الخير أم إلى الشر، وأن يضع نصب عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
نهال عبد الله
17/6/1436 هـ