التقارب التركي السعودي في الميزان
شكَّل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002م انعطافةً كبيرةً في السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، فعلى صعيد السياسة الخارجية؛ تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا والسعودية درجةً كبيرةً من التقارب في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها، وأضحت القواسم المشتركة بينهما أكبر بكثير من ذي قبل، خاصة على ضوء المتغيرات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأشهر القليلة الماضية.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
شكَّل وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002م انعطافةً كبيرةً في السياسة الداخلية والخارجية لتركيا، فعلى صعيد السياسة الخارجية؛ تشهد العلاقات الثنائية بين تركيا والسعودية درجةً كبيرةً من التقارب في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها، وأضحت القواسم المشتركة بينهما أكبر بكثير من ذي قبل، خاصة على ضوء المتغيرات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في الأشهر القليلة الماضية.
ويرجع التقارب إلى جملة من المتغيرات الداخلية والخارجية في كلتا الدولتين، ففي السعودية: انتهت مرحلة حكم الملك عبدالله –رحمه الله- مع ما رافقها من تعاون أمني واقتصادي وعسكري مع مصر والإمارات وخاصة في الملف السوري، ومع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد السلطة غيَّرت السعودية من توجهاتها وأصبحت أكثر انفتاحاً على العالم الإسلامي وأكثر تفاعلاً مع دورها الريادي في الشرق الأوسط، علماً بأنَّ السعودية حسمت أمرها فيما يتعلق بالتعامل مع التغيرات الجيوسياسية في المنطقة وخاصة مجابهة الحوثيين والتمدد الإيراني.
أما تركيا فقد بدأت التحولات داخلها بصعود العدالة والتنمية وما رافق ذلك من إصلاحات سياسية واقتصادية وقضائية، وهو ما جعل البلاد تشهد حالة من الاستقرار السياسي والأمني الذي أدَّى تحسن الأوضاع الاقتصادية. وتسعى تركيا في الفترة ما بعد الانتخابات إلى تعديل دستور عام 1982م؛ بما يضمن إلزام المؤسسة العسكرية حدودها، ويدعم مطالب الأكراد بالحصول على الخدمات العامة باللغة الكردية، ويضمن نزاهة القضاء وإلغاء المحاكم العسكرية العليا.
ويتضح التقارب بين البلدين من خلال عدد من الشواهد:
- التقارب من حركات الإسلام السياسي وإمكانية الاستفادة من جماعة الإخوان المسلمين كما ألمح وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في تصريحاته: "ليس لنا أي مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد". حيث استفادت الرياض من الإخوان في ضرباتها لعسكرية على الحوثيين في اليمن.
- التوافق على مجابهة التهديدات المشتركة: حيث تواجه السعودية وتركيا جملة من التهديدات المشتركة الحاصلة نتيجة دور ضعف الدولة المركزية في المنطقة، وهو ما أفسح المجال واسعاً أمام تنفيذ الخطط والمشاريع الإيرانية أو ما يصطلح على تسميته بالمشروع الفارسي، حيث تمكَّنت إيران من تنفيذ أجندتها من خلال الميليشيات الشيعية: جماعة الحوثي في اليمن و المليشيات الشيعية في العراق والعلويين في سوريا والبحرين وقليلاً في السعودية، وحزب الله في لبنان.
- ترفض تركيا الاعتراف بالنظام المصري الحالي بقيادة عبدالفتاح السيسي، في حين تشهد العلاقة بين مصر والسعودية نوعاً من التراجع، بسبب الملف اليمني من ناحية و الملف السوري من ناحية أخرى، وعدم وقف الحملة الإعلامية التي يقودها إعلاميون مصريون ضد السعودية.
- القبول التركي بالاستراتيجية السعودية، حيث وافقت أو قبلت تركيا بالاستراتيجية السعودية التي تسعى لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة من خلال التضييق على الأدوات الإيرانية والحركات الشيعية التي تزعزع الأمن والاستقرار في المنطقة، مع ما يتبع ذلك من وقف الاستقطاب الحاد وصراع الهويات عبر عدم التحفظ على أطراف بعينهم كالحوثيين.
- الاتفاق بين تركيا والسعودية مع قطر على ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلّفته الإدارة الأميركية في المنطقة، وهذا يعني إعادة البحث عن الدور الإقليمي والريادي لكل من الدول المذكورة، او التعاون والتنسيق فيما بينهم
- الاتفاق على ضرورة إيجاد حل للملف السوري ورحيل نظام بشار الأسد، لأن الصراع في سوريا يشكِّل أرضية مناسبة وتربة خصبة لنمو الحركات الإسلامية الراديكالية مثل داعش وأخواتها، وهو ما ينعكس سلباً على الأمن القومي التركي والسعودية والشرق الأوسطي.
- أما التعاون الاقتصادي، فقد شهدت العلاقات تقدما في المجال الاقتصادي، وذلك بسبب أن السعودية دولة نفطية، في حين أن تركيا دولة انتاجية بحاجة إلى كميات مهولة من النفط. وتحتل السعودية المركز الأول خليجياً والمركز السادس عالميا من حيث مشاريع المقاولات المنجزة من قبل الأتراك. وفي هذا السياق بلغ حجم المشاريع الموكلة إلى الشركات التركية في المملكة العربية السعودية 12.1 مليار دولار في النصف الأول من سنة 2012. وتشير إحصائيات إلى إن الصادرات التركية إلى المملكة قد زادت في سنة 2012 بنسبة 37% لتحقق 3.75 مليار دولار وارتفعت بذلك المملكة إلى المركز الثامن في سنة 2012 في الصادرات التركية بعد أن كانت في المركز الثالث عشر في عام 2011 وبلغت بذلك حصة المملكة في إجمالي الصادرات التركية نسبة 3% في عام 2012 بعد أن كانت 2.1% في عام 2011م.
- أما في الجانب السياسي فقد تعمَّقت العلاقات بينهما ووصلت إلى مستويات متقدمة جداً، حيث شكَّلت زيارة الملك عبد الله إلى تركيا في عام 2006 أول زيارة لملك سعودي منذ ستينات القرن الماضي، ثم قام الملك بزيارة ثانية في عام 2007م، وتبعها زيارات متتالية للرئيس التركي، شهدت العلاقات بعدها تحسنا كبيراً، بعدها قام ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز بزيارة تركيا للتشاور بين البلدين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك إلى جانب تعزيز العلاقات الثنائي. وشارك الرئيس التركي مراسم تشييع جثمان الملك عبدالله بحضور الملك سلمان وغياب بعض القيادات العربية، بعدها قام.
- وفي الجانب العسكري؛ زار نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلطان إلى تركيا في عام 2010 والتقى بوزير الدفاع التركي وجدي غونول، وقام في حينه بالتوقيع على اتفاقية التعاون الجديدة في إطار الزيارة أهمية كبيرة للتعبير عن بعد العلاقات الاقتصادية بين البلدين. كما أن مشاركة المملكة العربية السعودية في المناورات العسكرية الجوية «نسور الأناضول» في مدينة «قونيا» التركية في عام 2011 قد أكدت التعاون العسكري رفيع المستوى بين أنقرة والرياض.
وتبدي نخب صهيونية قلقاً بالغاً من مؤشرات التقارب بين كل من تركيا والسعودية، حيث حذَّر وزير الاستخبارات الصهيوني "يوفال شتاينتس" من أن التقارب السعودي التركي "سيكون بالضرورة على حساب معسكر الاعتدال في العالم العربي وتدعيم معسكر المتطرفين". في حين اعتبر السفير الصهيوني الأسبق في القاهرة "تسفي مزال أن وصول الفرقاطة العسكرية التركية لميناء جدة مؤخراً يدلل على أن هناك توجهاً سعودياً لتعزيز العلاقة مع تركيا بشكل واضح، منوهاً إلى أن سيطرة الحوثيين على اليمن يزيد من حماس السعوديين للتحالف مع الأتراك.
ومن المتوقع أن تسير العلاقات بين الطرفين نحو مزيد من التحسن والتقدم، خاصة إذا ما نجح العدالة والتنمية في فرض الإصلاحات التي أعلن عنها في الفترة الأخيرة، وهي إصلاحات تعزز الدولة المدنية والحكم الرشيد وتغلِّب التكنولوجيا والتقدم الاقتصادي على الانشغال الكبير في القضايا العسكرية علماً بأن تركيا صنعت أول طائرة عسكرية في ظل أو حكومة مدنية.