(34) العلم قبل الطريق (3)
مدحت القصراوي
المسلم الموحد يصرف إلى الله تعالى حقه في المحبة سبحانه؛ فيكون الله تعالى أحب الأشياء إليه، فيحبه تعالى ويحب فيه ويوالي ويعادي فيه، إن محبة المؤمن لربه تعالى هي جزء من إفراده بالعبادة فالعبادة هي المحبة والتعظيم والطاعة، وإفراد الله تعالى بالعبادة تعني إفراده تعالى بالمحبة، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
هوية السالك ووطنه.
من يريد الآخرة والوصول إلى ربه تعالى فله هوية يحددها الله تعالى، وينتمي إلى أمة يعرضها له كتاب الله، إن هوية المسلم قرينة عقيدته ومبنية عليه؛ فإسلام أي شخص تعني ميلاد هوية وإعطاء جنسية وانتماء لأمة.
فمن يسجد لله تعالى أو يسبح له، أو يحج بيته، أو يبكي من خشيته فهو ليس إنسانًا قوميًا متطرفًا، فالقومي يكون القوم أحب شيء إليه؛ فيحبه ويحب فيه ويوالي ويعادي فيه، وكذلك من كانت حدود الأرض أحب شيء إليه فيحبها ويحب فيها ويوالي ويعادي فيها..
بينما المسلم الموحد يصرف إلى الله تعالى حقه في المحبة سبحانه؛ فيكون الله تعالى أحب الأشياء إليه، فيحبه تعالى ويحب فيه ويوالي ويعادي فيه، إن محبة المؤمن لربه تعالى هي جزء من إفراده بالعبادة فالعبادة هي المحبة والتعظيم والطاعة، وإفراد الله تعالى بالعبادة تعني إفراده تعالى بالمحبة، وهذا هو معنى لا إله إلا الله.
ومن قدم على محبة الله تعالى محبة من سواه فيحبه ويحب فيه ويوالي ويعادي فيه، فهذا هو الشرك الأعظم الذي لا ينفع معه صلاة ولا تسبيح ولا غيره من الطاعات.
وهذا بخلاف الفخر المحرم أو التعصب المحرم، فهذا في نطاق المعاصي، ولكن تقديم ولاء غير الإسلام على ولاء الإسلام، بل واستنكار تقديم ولاء الإسلام، بل واستنكار ولاء الإسلام نفسه، بل وأن يكون الولاء للإسلام خيانة للبلاد والأوطان.. فهذه فضيحة وردّة وظلمات بعضها فوق بعض.
أما ولاء المسلم فلله تعالى ولرسوله والمؤمنين في الله تعالى، وهو ينتمي إلى أمة واحدة هي أمة الإسلام على مدار التاريخ والعصور، موكب الإيمان الذي يقوده الرسل ويتقدمه الأنبياء، فأمته هي تلك الأمة مع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم..
فنحن أوْلى بالأنبياء ممن حرف دينهم، وأما من تبعهم على ما بُعثوا به من الدين الحق فهم إخواننا أمة واحدة، إذ بعدما قص تعالى قصص الأنبياء في السورة المسماة باسمهم (الأنبياء) فقص تعالى قصة إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداوود وسليمان وأيوب واسماعيل وإدريس، وذا الكفل ويونس وزكريا والمسيح وأمه، قال تعالى بعدها {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92].
ومنذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أصبح (المسلمون أمة واحدة) حديث شريف ولم يذكر صلى الله عليه وسلم اسما آخر، بل ذكر اسم (الإسلام) للدلالة على أن هذا الدين هو محور الاستقطاب ومناط التجمع ومكون الأمة.
لقد جعلنا الله أمة واحدة، وجعل المُعادين لهذه الأمة هم أصحاب العداء العقدي والحرب لهذا الدين، وجعل تعالى انتقال شخص ما من خندق العداء إلى أن يكون أخًا لنا في هذه الأمة إنما يتحقق بإسلامه وتركه للشرك، والتزامه شرائع هذا الدين {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ . فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة:10-11].
وجعل تعالى من ابتهال المؤمنين لربهم في آيتين هما كنز لم يُفتح لنبي قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، نزلتا من باب خاص من السماء، وهما قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة من الآية:285]، إلى آخر السورة، خُتمتا بقوله: {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة من الآية:286]، فأعلنوا ولايتهم لربهم وتبرؤوا من ولاية من سواه؛ فخصوا ربهم دون سواه بالولاية {أَنْتَ مَوْلَانَا} يعني دون ما سواك..
ثم قالوا: {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [آل عمران من الآية:147]، فذكروا معاداتهم لمن كفر به وتبرأهم منه ومن عقيدته الباطلة وتوجهه المنحرف، بل وذكروا أنهم يجاهدون في سبيل إقرار محبوبات الله وإزالة مسخوطاته، وطلبوا من ربهم تعالى أن ينصرهم في سعيهم لمواجهة المنحرفين والأوضاع الظالمة والمفسدة والمضلة للخلق، وهذه من وظيفة وجود هذه الأمة المباركة.
إننا نحذر العابدين والساجدين ممن يضلهم عن ولاية ربهم تعالى تحت أي مسمى، ونحذرهم -لمحبتنا لهم- أن يكون جهدهم أو سعيهم باطلًا أو مردودًا، الله مولانا دون ما سواه {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى من الآية:9]، {إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196]، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة:55-56].
يتبع إن شاء الله تعالى.