(38) العلم قبل الطريق (7)
مدحت القصراوي
الخير فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وعمل به أصحابه؛ فإنهم أعلم الأمة به وأعظمهم إرادة في الخير والعمل، وأعظمهم بلاغًا لما أنزل الله وبلّغ رسوله، وأفهم لما جاء به وأقدر وأبلغ على البلاغ والبيان.
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
التحذير من الافتراء على الله بالبدع.
مما يحذر على من سلك طريق ربه تعالى هو الابتداع، فالله تعالى لا يقبل إلا ما كان خالصًا لوجهه، ومشروعًا على ألسنة رسله..
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:2].
قال الفضيل بن عياض: "أخلصه واصوبه"، قالوا يا أبا علي: "ما أخلصه وأصوبه؟".
قال: "الخالص ما كان لله وحده، والصواب ما كان على السنة" وتلا قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف من الآية:110].
وقاعدة الدين وجِماعه أمران: أن يُعبد الله وحده، وأن يعبد بما شرع على ألْسنة رسله في كل وقت بما أمر به في ذلك الوقت، لا بالبدع ولا المخترعات، ولذلك قال معاذ بن جبل وغيره من الصحابة والتابعين: "اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة"، فمن اخترع طرقًا للتعبد فعمله مردود في وجهه، قال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم:1718).
وكل مبتدع مفترٍ فإنه يزعم أن الله تعالى يرضى عن هذا العمل، بينما ربنا تعالى لم يشرعه، وهذا المدعِي كاذب فيما افتراه، فربنا لا يقبل أحدًا إلا إذا أتى خلف محمد صلى الله عليه وسلم، والله تعالى شرع ما أحبه، فمن زاد افترى، والمفتري ليس له إلا الصغار والمذلة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152]، فهي في كل مفترٍ الى يوم القيامة، والمبتدع متهِم لنبيه صلى الله عليه وسلم، إذ أنه يتهمه بنقص البلاغ، ولهذا أخذ هو يكمل ما لم يبلغه الرسول بزعمه بلسان حاله ولازم بدعته.
والمبتدع متهِم لدين الله بالنقص وأن الله لم يكمله فشرع هذا المفتري المبتدع يكمل الدين بوضع أذكار وطرق وهيئات يزعم هذا الكاذب أنها تقرب الى الله تعالى، بينما هي تُبعد عنه تعالى.
والمبتدع يزعم أنه قد يأتي أحد بخير مما كان عليه السابقون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو في هذا يضاهي المشركين في قولهم: {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف من الآية:11]، بينما يقول أهل السنة والاستقامة لو كان خيرًا لسبقونا إليه..
ولذا نتبع ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به الأولون، الذين ضمن الله سبقهم وأثنى على قلوبهم وأعمالهم {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ} [الفتح من الآية:18]، ورضي عن أعمالهم وطريقهم {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:100].
فالخير فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وعمل به أصحابه؛ فإنهم أعلم الأمة به وأعظمهم إرادة في الخير والعمل، وأعظمهم بلاغًا لما أنزل الله وبلّغ رسوله، وأفهم لما جاء به وأقدر وأبلغ على البلاغ والبيان.
ولذا جاء في الحديث أن كل نعيم في الجنة يُبدأ فيه برسول الله ثم إلى من دونه؛ إذ أنه ما من خير يعمل أحد به ويقبله الله تعالى إلا ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
يتبع إن شاء الله تعالى..