مناورة الحوثيين هل تفشل دبلوماسية الخليج؟!
لم يسفر الإعلان الذي عمدت جماعة " أنصار الله "الحوثيين في اليمن إلى تسريب خبره وإرساله عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية والوكالات بصورة غير رسمية حتى كتابة هذه السطور عن نفسه ومدلولاته، بشأن إجراء مناورات عسكرية على الحدود مع السعودية، سوى تزامنه مع انعقاد اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد يوم أمس الأول في العاصمة الرياض، وتصدر الملف اليمني في مصاف جدول أعماله.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
لم يسفر الإعلان الذي عمدت جماعة " أنصار الله "الحوثيين في اليمن إلى تسريب خبره وإرساله عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية والوكالات بصورة غير رسمية حتى كتابة هذه السطور عن نفسه ومدلولاته، بشأن إجراء مناورات عسكرية على الحدود مع السعودية، سوى تزامنه مع انعقاد اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد يوم أمس الأول في العاصمة الرياض، وتصدر الملف اليمني في مصاف جدول أعماله.
ويبدو أن الإعلان وتسريب خبره من قبل جماعة " أنصار الله" الحوثيين وحلفائهم في اليمن كان مجرد استباق لما ستسفرعنه نتائج انعقاد اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي، الذي جدد تمسكه بشرعية الرئيس عبدربه منصور هادي والوقوف معها وتوجيه رسالة واضحة لـ جماعة " أنصار الله "الحوثيين، بأن أفق الحوار معها مفتوح، في حال قبولها به، وفق الرسالة التي وجّهها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي للمملكة، والتي تقضي بعدولهم عن الانقلاب على مؤسسات الدولة، وتسليم السلاح وانسحاب المليشيات المسلحة من المدن، وإجراء الحوار تحت سقف المبادرة الخليجية.
وتصدر موضوع اليمن اجتماع وزراء خارجية التعاون الخليجي في الرياض، يوم أمس الأول، وأعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية في ختامه، أن الحوار المقرر أن يرعاه المجلس، بناءً على دعوة من الرئيس اليمني، لا تستثني الدعوة إليه أياً من الأطراف اليمنية، بما في ذلك الحوثيون، وهي رسالة تطمين خليجية تفتح أفقاً أمام الحوثيين بالمشاركة السياسية، وتكسر حاجز التصنيف لهم كجماعة "إرهابية"، في نفس الوقت حسب القائمة التي أعلنتها الرياض، ولحقتها الإمارات العام الماضي مطلع شهر مارس 2014م.
ومثلما تكسر الدعوة التي أطلقتها دول المجلس الحصار الخليجي على جماعة أنصار الله"الحوثيين"، فإنها في المقابل تستدرجهم إلى طاولة الحوار الذي ترعاه الدول المعارضة لمشروعهم وبالتالي، فإن مخرجات الحوار المقرر انعقاده في الرياض بين الأطراف اليمنية قد لا يصب في خدمة انقلاب الجماعة وتوسعها، بقدر ما يضعها أمام الأمر الواقع باعتبارها مكوناً سياسياً مثل بقية المكونات الأخرى.
وهذا ما يعززه تصريح الأمين العام لمجلس التعاون، عبداللطيف الزياني، الذي كرر الأهداف الواردة في رسالة الرئيس هادي للملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز، والتي تتضمن التمسك بالشرعية، وإعادة سيطرة الدولة اليمنية، وتسليم الأسلحة المنهوبة إليها، عدا التنويه على أمن واستقرار البلدين اليمن والمملكة.
غير أن دعوة الرياض للحوار بين كافة الأطراف اليمنية تحت إشراف دول التعاون الخليجي، وانعقاد اجتماع وزراء دول المجلس، والأخبار التي تداولتها وسائل الإعلام العربية والعالمية يوم أمس الأول عن مناورات عسكرية للحوثيين قرب الحدود السعودية، وسخونة الوضع الأمني في مدينة عدن جنوب اليمن، إثر رفض مسؤول أمني موال للرئيس السابق صالح استبداله بآخر ليحل محله في قيادة القوات الخاصة للمدينة وضواحيها.
وما حملته الأيام الأخيرة من تطورات متسارعة في المشهد السياسي اليمني والخطابات السياسية للرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي والرئيس السابق علي عبدالله صالح وزعيم الحوثيين، عدا انتقال المبعوث الأممي جمال بن عمر للعاصمة الرياض، لبحث سُبل تيسير وتسيير إجراء ونقل الحوار من اليمن إلى الرياض، يمكن القول أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج استعادت بعض الشيء من حضورها وتأثيرها في اليمن، واستطاعت حتى كتابة هذه السطور العمل على إيقاف صيرورة ذهاب اليمن ووقوعه في حضن إيران، وتوجيه ضربة قاصم لأدواتها وأذرعتها .
لكن من الواضح للعيان أن حلفاء إيران وأدواتها في اليمن، والمقصود بهم الرئيس السابق صالح وحلفائه جماعة "أنصار الله " الحوثيون في حالة تمنّع ورفض قاطع للتحركات التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية ودول الخليج من بدايتها وحتى كتابة هذه السطور بشأن عدم الاعتراف بشرعية الانقلاب، والأمر الواقع الذي فرضوه قسرياً على اليمنيين بقوة السلاح في العاصمة صنعاء وبعض المدن.
فقد قوبلت على سبيل المثال لا الشرح، دعوة الرياض ودول الخليج لإجراء الحوار تحت سقف المبادرة الخليجية من قبل الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام وحلفائه الحوثيون بالرفض التام، وعمدوا في هذا المقام إلى إثارة الرأي العام والداخل اليمني تجاه المملكة العربية السعودية ودول الخليج والتصعيد السياسي والإعلامي تجاه تحركاتها في اليمن، ورفض تدخلها في الشأن اليمني باعتباره شأناً داخلياً، والتنديد بما تقوم به من دعم لشرعية الرئيس هادي على أنه وصاية.
كما أن ما نشرته وسائل الإعلام المحلية والعالمية من أنباء عن مناورات عسكرية من قبل جماعة "أنصار الله" الحوثيين على الحدود السعودية، الذي اختلفت رواياته وتفاصيله، هل هي مناورة أم تدريبات عسكرية أومجرد تسريبات إعلامية، يأتي في سياق حالة الرفض والممانعة والتجاذب الحاد بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج من جهة والرئيس السابق علي عبدالله صالح وحزبه وحلفائه جماعة "أنصار الله" الحوثيون أدوات إيران من جهة أخرى.
وفيما لازالت الأنباء التي تم تسريبها إلى وسائل الإعلام، حول المناورات العسكرية للحوثيين على الحدود السعودية عبر مصدر مجهول لم يتم ذكر اسمه وصفته، فإن من اللافت هو سرعة الرد الخليجي على تلك الأنباء على لسان وزير الخارجية القطري خالد العطية الذي يرأس الدورة الحالية للمجلس على مستوى وزراء الخارجية التعاون الخليجي، أن لدى دوله من الإمكانات والقدرات والإجراءات " غير المعلنة " ما يمكنها من حماية حدودها وسيادتها، رداً على سؤال بشأن إعلان الحوثيين عن مناورات باليمن قرب الحدود مع السعودية.
ومن اللافت في هذا السياق، ما تناولته وسائل إعلام محلية يمنية قبل فترة بشأن إرسال إيران تحذيرات لحلفائها في اليمن، بعدم السيطرة على مضيق باب المندب أو الاقتراب من الحدود السعودية، وفق ما نشرته يومية صحيفة الشارع، فضلاً عن النصائح التي أدلت بها روسيا والصين وإيران، وإرسال زعيم الحوثيين عبر بعض رجاله رسالة إلى الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الذي تم عزله من منصبه إثر وفاة الملك عبدالله.
غير أن واقع التعاطي في الجملة مع اليمن قد تغير جذرياً من لدن المملكة ودول الخليج عقب وفاة الملك عبدالله وصعود الملك سلمان إلى الحكم ، ومعه تغيرت حالة التعاطي والخطاب السياسي والإعلامي من قبل أدوات إيران وحلفائها في اليمن، الرئيس السابق صالح وحزبه وحلفائه الحوثيين مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، بإثارة الرأي العام اليمني وتجييش الشارع والجماهير ضدهم، واعتبارهم خلف كل ما جرى ويجري في اليمن من مشاكل وفتن وثارات وصراعات وحروب.
ويأتي هذا التجديف، وأنباء المناورة العسكرية على الحدود السعودية والتصعيد السياسي والإعلامي من قبل أدوات إيران، الرئيس السابق صالح والحوثيون في سياق حالة التغير السياسي العام للمملكة العربية السعودية ودول الخليج وموقفها من الأوضاع في اليمن، بهدف إيقاف تحول اليمن إلى ضيعة في يد إيران، وللحيلولة دون أن يكون الحوثيون وحلفائهم ورقة وشوكة في خاصرة المملكة.
كما يأتي هذا التصعيد والمناورة السياسية في تقديري، ضمن حالة الممانعة والرفض من قبل أدوات إيران، صالح والحوثيين، للدعوة التي أطلقتها المملكة العربية السعودية لإجراء حوار مفتوح وشامل بين كافة الأطراف اليمنية في الرياض ورداً على تحركاتها في اليمن، بهدف ممارسة الضغوط والمقايضة والمساومة مع الرياض، بهدف فرض أجنداتهم في الحوار وإملاءاتهم من جهة، أو للقبول والتسليم بالواقع الذي فرضوه في صنعاء وبعض المدن، والتصالح معها والتفاوض على أمن وسلامة المملكة العربية السعودية ودول الخليج مقابل عدم تدخلها في الشأن اليمني من جهة أخرى، فيما لو استحضرنا في هذا المقام تحفظ الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وبريطانيا على صيغة نقل الحوار إلى الرياض في بيان مجلس الأمن، الذي يكشف عن تحول جذري ومرحلة جديدة في العلاقات الدولية، أبرز ملامحها إدارة الغرب ظهره للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، في مقابل الذهاب إلى مزيد من التقارب مع طهران وأدواتها في المنطقة.
سلمان راشد العماري