ترهبونهم!

أبو محمد بن عبد الله

يتهموننا بالإرهاب، حتى الصلاة والزكاة نحن بها عندهم إرهاب... نعم في ديننا نهيٌ عن الإرهاب والإرعاب..ونحن ندين الإرهاب، ولكن ليس على الذي يقولون، ولا على الذي إليه يرمون، حين يصموننا بأننا إرهابيون. واهِمٌ مَن صدَّقهم، وواهمون هم بأن يطفئوا نور الله، والله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون والمشركون...

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

يتهمون المسلمين بالإرهاب، حتى الصلاة والزكاة نحن بها عندهم إرهاب... نعم في ديننا نهيٌ عن الإرهاب والإرعاب، كما في أحاديث كثيرة، منها: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلما» (أبو داوود، السنن؛ برقم:[5004])، والنهي عمَّا يقتله حتى بنظرة العين وسهم الحسد، فضلا عن سهم الحديد: «علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة»(ابن ماجة، سنن ابن ماجة؛ برقم:[3509])، بل حتى مجرد الإشارة بالحديد كبيرة تستنزل اللعنة على فاعلها: «من أشار إلى أخيه بحديدة، فإن الملائكة تلعنه، حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه»(مسلم، صحيح مسلم، رقم:[2616])، فضلا عن يذبحه بها، وحتى قتل الكفار لأجل كفرهم ممنوع في شرعنا: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما»(البخاري، الصحيح، رقم:[3166]).

ونحن نُدين الإرهاب، ونَدين لله تعالى برفضه، ولكن ليس على الذي يقولون، ولا على الذي إليه يرمون، حين يصموننا بأننا إرهابيون. واهِمٌ مَن صدَّقهم، وواهمون هم بأن يطفئوا نور الله، والله متمٌّ نوره ولو كره الكافرون والمشركون... وأول إرهاب ندينه ونرفضه هو افرهاب الذين يقومون به في بلادنا وإخواننا عبر العالم، وفي ثروات أمتنا نهبا وسلبا.

لا بد أن يصدق وصف الله فينا: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ، لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ}[الحشر:13-14]، وإلا لم نكن نحن هم (الأنتم) الذين عناهم الله تبارك وتعالى! وإن لم نكن كذلك ففي إسلامنا نقصٌ، وفي إيماننا دَخَنٌ؛ نرهبهم ونرعبهم، إرهابيون من غير أن نقتلهم أو نغتصب أموالهم أو أعراضهم، ومن غير أن نظلمهم في نقيرٍ أو قطمير.. كل شيءٍ في ديننا يرهبهم، إلا مَن كتب الله له الهداية.

عقيدتنا ترهبهم؛ لأنها لا تسمح لنا بأن نعبدهم، أو نرهبهم، ولأنها الصخرة التي تتكسّر عليها مطارقهم، أحصَن لنا منهم من سدِّ ذي القرنين دون يأجوج ومأجوج.

 صلاتنا ترهبهم؛ لأنها تنهانا عن الفحشاء والمنكر، وتأمرنا بالبر والمعروف، ونستعين بها في حربهم كسلاح فتاك، كما ىقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:45]، وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[البقرة:153]، وقد جاءت هذه الآية في سياق تحَمُّل المشاق من فقد االأنفس والثمرات، ومعاناة الجوع والخوف..

لِحَانا ترهبهم؛ لأنها -إن صدقت- تُضَايقُهم، وتُكثِّر سوادنا في أعينهم، وتُمّيِّزنا عنهم وتعلن إسلامنا أمامهم ....
أحجبتنا ترهبهم؛ لأنها تُضادُّ سلاحَهم الفتاك والفتَّان، وهو المرأة السلعة، والمرأة الفاحشة، والمرأة التلهية عن معالي الأمور، والمرأة الفتنة، لذلك برَّجوها وأخرجوها!! ....
خُمُرنا ترهبهم، لأن متخمراتنا الفضليات أشواك في حلوقهم، وعقبات كأداء في طريق وصولهم إلى الجيل ليخربوه، وحصون منيعة تحمي العش والفِراخ ....

مآذن مساجدنا ترهبهم، لأنها صواريخ المرحمة والملحمة، لا تقذف الدمار الشامل، وإنما تقذف العَمَار الكامل، ولا تقذف النار، وإنما تقذف النور الساطع والهدى الكامل، وإنما تكون نارًا ودمارًا على مَن أرادها بسوء ....

أخلاقنا الإسلامية ترهبهم، لأنها تفتح العالم بما لا تفتحه الأسلحة المتطورة، بل المتهورة، وتؤلف حولنا قلوب الذين بيننا وبينهم عداوة، فيصير كأنه ولي حميم، تُنبي بأن مصدرها من مشكاة النبوية، وتكشف عن الحضارة الحقيقة وحقيقة الحضارة.

وحدتنا فيما بيننا ترهبهم، لذلك يسعون في تقسيم الأمة إلى دول، والدول إلى دويلات، والأقطار إلى قطرات...

تآلفنا وتآخينا يرهبهم، لذلك يسعون في تشتيت المسلمين وتفريق جماعاتهم، وتغذية الخلاف بينهم، واختراقهم بعملاء يشبهونهم في المظهر- رجالا ونساء- ويعملون فيهم عمل المنافقين...

تعلُّمنا يرهبهم، ولذلك يسعون في تجهيل المسلمين، وأجهل من جَهَّلوا حكامهم، حتى يسهل قيادهم، وهؤلاء بدورهم قرَّبوا إليهم رؤوسًا جُهَّالا فأفتوْا بجهل أو هوى، فضلُّوا وأضلوا من سمعهم من الأمة...

حتى شِبْع بطوننا يرهبهم، لأن الناس إذا شَبعوا تفرَّغوا للتفكير خارج بطونهم، لذلك يسعون في تجويع المسلمين خاصة، وبعض العوام يقولون: "إذا شبع البطنُ طلبَ من الرأس أن يُغَنِّي له!"...

أمن بُلداننا واستقررها يرهبهم، لذلك زرعوا الحرب والفتن في كل شبر من أراضي المسلمين، بل هي كما قال:

مؤامرة تدور على الشباب ليعرض عن معانقة الحراب 
مؤامرة تـــــــدور بكـــــل بيت لتجعله ركاما من تراب
مؤامرة تقول لهم تعالو الى الشهوات في ضل الشراب
مؤامـــــــــرة مراجيها عظام تدبرها شياطين الخراب

جهادننا يرهبهم لأنهم خَبَروا أخباره، وعلموا أنه حين يكون على الجادَّة وعلى منهاج النبوة فهو كما قال أبو تمام:

السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب

لذلك سعَوْا في تشويهه، وتشويه أهله، واختراق صفوفهم والتصرف باسمهم وصورتهم بسوء القال والفِعال، حتى غَدًا عند بعض المسلمين سُبَّة أو تهمة يسعون في تبرئة الإسلام منه، رغم أنه ذرة سنامه!

وسلميتنا أيضًا ترهبهم، لأنها أقوى من سلاحهم- حين تكون الأنسب في زمانها ومكانها-، لذلك اختارها النبي صلى الله عليه وسلم طيلة العهد المكي، وحتى في بدر كانوا هم الذين اختاروا الحرب، ولأنها المسار الطبيعي الذي يتمكن فيه الإيمان من القلوب والإسلام من الجوارح والأعمال، وهو الجو العادي لإقامة عبادة الله في الأرض، لذلك كانت منة الله تعالى على قريش أنه أطعمهم من جوع وآمنهم مِن خوف: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش:3-4] وأمرهم بعبادته، ورغم أنه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم كانت سلمية تامة، ومع ذلك لم يحتملوها وحاولوا استفزازه للعنف ليجدوا في ذلك مبرِّرا للعنف معه. وحيث لم يجدوا اصطنعوا!

لذلك تجد خَلَفهم الآن يمكرون الليل والنهار لإشعال نار الفتنة في بلدان المسلمين، وتحريك الأرض من تحت أقدام: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}[الذاريات:53].

وحتى انتخاباتنا ترهبهم، ولو كانت على ديمقراطيتهم الكَذوبة، ولو كانت في صناديقهم، لأنها صناديق أنعاش لهم يدفنون فيها ألاعيبهم.. إلا أن يدفنوا فيها ديمقراطيتهم بعد أن يُصنِّفوها إرهابية لأنها جاءت بالمسلمين للحكم!

كل هذه أنواع من القوى التي يجب أن نعدها لهم، لنكون الارهابيين حقا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}[الأنفال: 59-60].

أمَّا إرهابنا لهم فليس هو شيئا نقصده، وإنما شيء يرزقنا الله إياه ويقذفه في قلوبهم {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ}[الحشر:2] وغيرها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، فبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي» (متفق على صحته)...

وحتى القوة التي أمرنا الله بإعدادها بيَّن القصد الأول منها: فقال {ترهبون به} ولم يقل (تقتلون به)، لأن المسلمين حين يكونون على جانب من الإلتزام عظيم، ولهم القوة المادية المناسبة، يرزقهم الله هذه الصفة، فتكفيهم رهبة العدو عن قتاله، حتى إذا ما الْتَحَمَت الصفوف كانت الرهبة جندًا خفيَّ الجسم ظاهرَ الأثر، فيُنصرون بالرعب، وتنهزم الجيوش الجرَّارةُ أمام الفئة القليلة بإذن الله تعالى.  

12 شوال 1436 (28‏/7‏/2015)