[2] الهدف المشترك
قال ابن القيِّم: "ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه؛ أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصده عن الطريق، وأمدَّه من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق".
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
وقد أدرك الشيطان دور القلب ومكانه فلم يضيِّع وقته في معارك جانبية أو مناوشات هامشية، بل صوَّب جهده نحو هدف واحد وغاية ثابتة: قال ابن القيِّم: "ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه؛ أجلب عليه بالوساوس، وأقبل بوجوه الشهوات إليه، وزيَّن له من الأقوال والأعمال ما يصده عن الطريق، وأمدَّه من أسباب الغي بما يقطعه عن أسباب التوفيق، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق".
فالقلب هو الهدف المشترك بين الملك والشيطان، كلاهما يستهدفه، فهو موضع الصراع، والنقطة الملتهبة، وساحة القتال، وأرض المعركة، ونتيجة هذه المعركة: إما هداية القلب وحياته، وإما قساوته وموته وهلاكه، فواعجباً ممن أخذ نصيحة العدو، وردّ وصية الحبيب، واشترى صداقة الشيطان بعداوة الملائكة، وأعلن الحرب على ما تبقى من إيمانه بالتعاون مع عدوه اللدود، وهي صيحة التعجب التي سبق وأن أطلقها ابن الجوزي حين قال: "كيف طابت نفسك أن تكون ظهيراً لفئة النفس على فئة القلب، وفئة القلب مؤمنة وفئة النفس كافرة؟!".
عن الجوارح مختلف
وقد يقول قائل: لكن الأعضاء والجوارح كذلك مستهدفة من قبل الملائكة والشياطين، فما الفارق بينها وبين القلب؟! وأقول على لسان أبي حامد الغزالي الذي بيَّن الفارق الجلي في قوله: "العوارض له أكثر، فإن الخواطر له كالسهام، لا تزال تقع فيه، وكالمطر؛ لا تزال تُمطر عليه ليلاً ونهاراً لا تنقطع، ولا أنت تقدر على منعها فتمنع، وليس بمنزلة العين التي بين الجفنين، تغمض وتستريح، أو تكون في موضع خال، أو ليل مظلم فتُكفى رؤيتها، أو اللسان الذي هو وراء الحجابين: الأسنان والشفتين، وأنت قادر على منعه وتسكينه، بل القلب غرض للخواطر، لا تقدر على منعها والتحفظ عليها بحال، ولا هي تنقطع عنك بوقت".