[5] النافع الوحيد

قال عز وجل {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنوْنٌ. إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليْمٍ} [الشعراء:88-89]، فلا القول ينفع، ولا العمل يشفع، بل سلامة القلب هي أصل كل نجاة؛ كما أن فساده أصل كل بلية، لكن ما هو القلب السليم؟!

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

قال عز وجل {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنوْنٌ. إِلا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَليْمٍ[الشعراء:88-89]، فلا القول ينفع، ولا العمل يشفع، بل سلامة القلب هي أصل كل نجاة؛ كما أن فساده أصل كل بلية، لكن ما هو القلب السليم؟!

والجواب: هو القلب الذي سلم من كل شيء إلا من عبوديته لربه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فالقلب السليم المحمود هو الذي يريد الخير لا الشر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشر ؛ فأما من لا يعرف الشر فذاك نقص فيه لا يُمدح به ".

وتأمل كيف جعل الله المال والبنون بمعنى الغنى، كأن المعنى: يوم لا ينفع أحد غناه إلا غنى من أتى الله بقلب سليم؛ لأن غنى الرجل الحقيقي هو في دينه بسلامة قلبه كما أن غناه فى دنياه بماله وولده، وعلى هذا يكون من معاني القلب السليم أي من فتنة المال والبنين.

لكن تلميذاً نجيباً من تلامذة ابن تيمية أفاض في شرح معنى القلب السليم؛ يبغي بذلك إزالة أي لبس أو غموض حتى يسهل الوصول إلى المراد، فقال الإمام ابن القيِّم [ت:751]: "والقلب السليم هو الذى سلم من الشرك والغل والحقد والحسد والشح والكبر وحب الدنيا والرياسة، فسلم من كل آفة تبعده من الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبره، ومن كل شهوة تعارض أمره، وسلم من كل إرادة تزاحم مراده، وسلم من كل قاطع يقطعه عن الله، فهذا القلب السليم فى جنة معجلة فى الدنيا، وفى جنة فى البرزخ، وفى جنة يوم المعاد، ولا يتم له سلامته مطلقا حتى يسلم من خمسة أشياء: من شرك يناقض التوحيد، وبدعة تخالف السنة، وشهوة تخالف الأمر، وغفلة تناقض الذكر، وهوى يناقض التجريد والاخلاص، وهذه الخمسة حجب عن الله". 

وفي آية سورة ق{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ . مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ ق:32-33]، وتأمل قوله تعالى في الشعراء: {أَتَى}، وفي ق: {جَاءَ}، وكأن المعنى الذي يريد أن يوصله لك ربك: ائتني بقلب سليم وجئني بقلب منيب تنجُ من عذابي وتنل رضائي، فأنت يا أخي وحدك الذي تملك أن تأتي بهذا القلب وليس أحد غيرك.

وفي المقابل قد يدخل عبد النار بسبب قلب كما قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف من الآية: 179].

بل إن حال العبد في قبره ما هو إلا انعكاس لحال قلبه في الدنيا كما قرَّر ذلك ابن القيم وهو يزيدنا في كتابه زاد المعاد: "فحال العبد في القبر كحال القلب في الصدر نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً".