نِذارة للمُداهنين

أبو فهر المسلم

هنيئًا هنيئًا لربَّانيين جَهروا عند جائرٍ مُتجبّر، بكلمة الحقّ لا غير، وبَذلوا من أنفسهم وأهليهم -ابتغاء وجه الله ولقائِه- ما يُقيم الحقَّ ويَنصره، ويَخذل الباطلَ ويَدمغُه، ويُعلي الدينَ ويَنشره..

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -

نِذارة للمُداهنين المنافقين، وبِشارة للصادعين الربّانيين!

في قوله عليه السلام:
«إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يُلقي لها بالًا يرفع اللهُ بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يُلقي لها بالًا يَهوي بها في جهنم» (صحيح البخاري:6478).

قال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله:
"لا أعلم خلافًا في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إن الرجلَ ليتكلم بالكلمة من سخط الله» إنها الكلمة عند السلطان الجائر الظالم؛ ليُرضيه بها فيما يُسخط الله عزَّ وجل، ويُزيّن له باطلًا يُريده من إراقة دمٍ، أو ظلم مسلم، ونحو ذلك مما يَنحطّ به في حبْل هواه، فيَبعد من الله ويَنال سَخطه، وكذلك الكلمة التي يُرضي بها الله عزَّ وجل، عند السلطان ليَصرفه عن هواه، ويَكفّه عن معصيةٍ يريدها، يَبلغ بها أيضًا من الله رضوانًا لا يَحسبه، والله أعلم وهكذا فسَّره ابنُ عُيينة وغيره" (انظر: التمهيد).

قلتُ:
فلَيَعتبِر شيوخُ السلطان الجائر وجنودُه وإعلاميّوه، وليتأمَّلوا المصيرَ المَحتوم الذي يَلقَونَه إن لم يَتوبوا ويَنزِعوا، فكَم أعانوا الظالم على سَفك الدماء التي عصمها الله؟ وكم زيَّنوا له باطلَه وجَوره؟ وكم حابَوه ونافَقوه وداهَنوه، فبذَلوا دينهم له بحطامٍ فانٍ من دُنياه فلَإن كانت كلمةٌ من هذا تَهوي به في النار، فكيف بفتاوى ومقالات، وخُطبٍ ومُحاضرات، ومُؤلَّفاتٍ وندوات، قَضى في مثلها دهرًا، وسنين عددًا؟

ولكن هنيئًا هنيئًا لآخرين ربَّانيين جَهروا عند جائرٍ مُتجبّر، بكلمة الحقّ لا غير، وبَذلوا من أنفسهم وأهليهم -ابتغاء وجه الله ولقائِه- ما يُقيم الحقَّ ويَنصره، ويَخذل الباطلَ ويَدمغُه، ويُعلي الدينَ ويَنشره {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران من الآية:174]، فاخْتَر لنَفسِك، ولا تَغرنَّك العاجلة فانتقامُ الله آتٍ، وكلّ آتٍ قريب.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام