بيان حول ما يجري في غزة

محمد الحسن الددو الشنقيطي

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على نبيه الكريم

الحمد لله.. أَمَّا بعدُ فهذا بيان عامٌ إلى كلِّ من يقف عليه من المسلمين في أنحاء العالم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ثم إِنه لا يخفى عليكم ما يتعرض له إِخوانكم في غزة منذ مدة طويلة من الحصار والتجويع والإذلال، وَما يتعرضون له اليوم من إبادةٍ جماعيَّةٍ وقصفٍ متواصلٍ وتحطيم للمنازل وَالمدارس والمستشفياتِ والمتاجر وإحراق للمصالح والمزارع حتى أصبح الخارج من بيته لا يُؤمل الرجوع إليه، والباقي في بيته لا يؤمل الخروج منه، مع الترويع والحرب النفسية والإعلامية التي تحمِّلهم مسؤولية كل هذا الذي له يتعرضون من العدوان الآثم الغاشم.

ولا عقل، ولا شرع، ولا مروءة، يحلُّ السكوت على هذا، فهل من حقوق الإِنسان أن يباد كما تباد الحشرات، فلذالك أذكركم جميعا بحقوقهم عليكم وَأنه لا يحلُّ لكم خِذلانهم وإِسلامهم، وقد قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [سورة النساء: 75]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره» [رواه مسلم].

فيا حُكامَ المسلمين تذكروا خروجكم من القصور إلى القبور ووقوفكم في عرصاتِ القيَامةِ وعرضكم على الجبَّار وخصام هؤلاء المساكين لكم عنده في ما لهم من الحقوق عليكم في وقتٍ ليس لكم فيه مُدافع ولا مناصر {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [سورة المرسلات: 35-36]، فأروا الله من أنفسكم خيراً الآن، وأروا شعوبكم أنكم أهل للقيادة بقرار شجاعٍ واقطعوا العلاقات الظاهرة والباطنة مع الصهاينة، وافتحوا المعابر وَالحدود، وعالجوا الجرحى، وأنفقوا على اليتامى والأيامى من مال الله الذي جعل تحت أيديكم قبل أن يعزلكم عنه.

ويا أيمة المسلمين وعلماءهم وفرسان منابرهم ومحابرهم أعلنوا الحق ولا تكتموه فهو أمَانة الله لديكم، واقنتوا بإِنقاذ إِخوانكم أربعين يومًا، وبطلب النجاة لقياداتهم وعلمائهم كما قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهرًا أو أربعين يومًا بالدعاء على المشركين والدعاء بنجاة المستضعفِين من المسلمين، وكان يسمي الوليد ابن الوليد وسلمة بن هشامٍ وعياش بن أبي ربيعة.

ويا رجال الإِعلام وفرسان الأقلام هذا وقتكم ولا عطر بعد عروس، فقولوا تسمعِ الشعوب واكتبوا فإِن الأقلام تفعل ما لا تفعل السهام.

ويا رجال المال والأعمال هذه فرصتكم لتكفروا سيئاتكم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنفق عثمان: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» [رواه الترمذي وحسنه الألباني]، وإن لهم ـ والله ـ حقا في أموالكم وما جعلكم الله مستخلفين فيه، فتذكروا يوم خروجكم منه لا يصحبكم منه إلا مَا قدمتم، وإنهم الآن أولى بالزكاة الواجبة لأنهم يجمعون أكثر مصارفها الثمانية.

ويا أيها الطلاب ويا حياة الشعوب النابضة قوموا بما ينتظر منكم من المآزرة والمناصرة بكل الوسائل المشروعةِ بانضباطٍ ونشاطٍ . ويا نساء المسلمين تذكرن أنكن على أثر عائشة وفاطمة وأُمِّ سليم رضي الله عنهن وتذكرن تضحيتهن وما قدمن يوم أُحدٍ، وما قدمت نسيبة رضي الله عنها وموعدكن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض المورود.

ويا بقية الشعوب المسلمة إنكم فئة هؤلاء القوم فلا تبخلوا على أنفسكم بالصدقة عليهم، والصدقة عنهم لنجاتهم، والدعاءِ والمشاركة في كلِّ نشاطٍ فيه نصرة لهم وتعريف بقضيتهم.

وليعلم الجميع أن النصر آتٍ لامحالة {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [سورة البقرة: 214]، وَأن الأمر إِنما هو ابتلاء من الله تعالى للمسلمين فإن قاموا بالحق نجحُوا في الإمتحان ونصروا وإلا فإِن البلاء سيحور عليهم كما قال الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [سورة محمد: 4-8].

ولْيعلم الجميع كذلك أن ما قدموا لن يضيع عند الله، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا. وأن ما ينفقونه مخلوف في الدنيا قبل الآخرةِ كما قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [سورة البقرة: 270]، وقال تعالى: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: 272]، وقال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سورة سبأ: 39].

أسأل الله تعالى أن يرفع هذا البلاء وأن ينتصر لإِخواننا المظلومين وأن ينصرهم نصرًا مبينا عاجلا، وأن يرحم الشهداء ويتقبلهم، وأن يشفيَ الجرحى، وأن يحفظ المجاهدين وقادتهم أجمعين بما يحفظ به عباده الصالحين، وأن يوفق قادة المسلمين لنصرتهم والقيام بحقهم، وأن يرد كيد المعتدين في نحورهم، وأن يسلِّط عليهم البأساءَ والضرَّاءَ، وأن ينزل بهم القوارعَ، وَأن يُفيِّلَ رأيهم، وأن يخيِّبَ أملهم، وأن يجعل تدبيرهم تدميرهم، وأن يدخلهم في ردغة الخبال، وأن يسُلَّ عليهم سيفَ الذل والوَبَالِ.

{عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [سورة النساء: 84].

كتبه محمد الحسن ابن الدَّدَوْ الشنقيطي.
بتاريخ/30/12/1429 هـ
الموافق/ 28/12/ 2008 م








المصدر: موقع الشيخ الددو