أفحِموا عموم المُرجئة بهذه
أبو فهر المسلم
فمن قال أو فعل ما هو كفر كفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرًا، إذ لا يقصد الكفرَ أحدٌ إلَّا ما شاء الله..
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - تراجم العلماء -
قاعدة: التفريق بين كُفر النوع، وكُفر العَين؛ ليسَت عابرةَ القارّات، وكذا الاستحلال القلبيّ، واعتبار الباطن الخفيّ: ليس شرطًا أبدًا في كلّ مُكفِّر؛ لا سيَّما الكُفر الظاهر الواضح.
- قال شيخُ الإسلام رحمه الله:
"إنَّ سَبّ الله أو سَب رسولِه كفرٌ ظاهرًا وباطنًا، سواء كان السَّابُّ يَعتقد أن ذلك مُحرمٌ، أو كان مُستحلًّا له، أو كان ذاهلًا-متغافلًا- عن اعتقاده هذا مَذهب الفقهاء، وسائر أهل السُّنة القائلين بأن الإيمان قولٌ وعمل..".
فلا اعتبار للاستحلال هنا والنظر إلى النيَّة، فهذا مذهب الجهمية.
- قال ابن تيمية:
"ويجب أن يُعلم؛ أن القولَ: بأن كُفر السَّاب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السبّ زلَّـةٌ مُنكرة، وهَفوةٌ عظيمة وإنما وقَع مَن وقع في هذه المهواة بما تَلقَّوه من كلام طائفةٍ من مُتأخري المتكلمين، وهُم: الجهمية الإناث؛ الذين ذهبوا مَذهب الجهمية الأولى، في أن الإيمان هو مجرد التصديق الذي في القلب، وإن لم يَقترن به قولُ اللسان ولم يقتضِ عملًا في القلب ولا في الجوارح".
* ولا يَسوغ الخلاف في مثل هذا، ولم يَقل بالاستحلال فيه أحد.
- قال ابن تيمية رحمه الله:
"والحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مُستحلًّا كَفر وإلا فلا؛ ليس لها أصلٌ وقد حَكينا نصوص أئمة الفقهاء، وحكاية إجماعهم فلا يَظن ظانٌّ أن في المسألة خلافًا يجعل المسألة من مسائل الخلاف والاجتهاد وإنما ذلك غلطٌ، لا يستطيع أحدٌ أن يَحكي عن واحدٍ من الفقهاء أئمة الفتوى هذا التفصيل البتَّة".
* لذا فإن هناك من المُكفّرات ما هو مُكفِّر بنفسه ظاهرًا وباطنًا، نوعًا وعينًا، ولا يُلتفَت معه إلى استحلالٍ أو اعتذار.
- قال رحمه الله: "فإنَّا نعلمُ أن مَن سبَّ اللهَ ورسولَه طوعًا بغير كَرْه، بل مَن تكلَّم بكلماتِ الكفر طائعًا غير مُكرَه، ومَن استهزأ باللهِ وآياتهِ ورسولِه فهو كافرٌ باطنًا وظاهرًا، وأن مَن قال: (إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمنًا بالله، وإنما هو كافرٌ في الظاهر)؛ فإنه قال قولًا معلومَ الفساد بالضرورة من الدِّين".
- قال: "وإذا كان المُكفِّر هو اعتقاد الحِلّ: فليس في السَّب ما يدلُّ على أن السابَّ مُستحلٌّ، فيجب أن لا يُكفَّر، لا سيَّما إذا قال: (أنا أعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظًا وسفهًا، أوعبثًا أو لعبًا)، كما قال المنافقون: {إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة من الآية:65]، فإن قيل: لا يكونون كفارًا؛ فهو خلاف نصّ القرآن، وإن قيل: يكونون كفارًا؛ فهو تكفيرٌ بغير مُوجب؛ إذا لم يُجعَل نفسُ السَّب مُكفِّرًا".
* لذا انتهى رحمه الله إلى قوله:
"وبالجملة: فمن قال أو فعل ما هو كفر كفَر بذلك، وإن لم يقصد أن يكون كافرًا، إذ لا يقصد الكفرَ أحدٌ إلَّا ما شاء الله" (انظر: مجموع الفتاوى، والصارم المسلول).
قلتُ:
فهَا هو شيخ الإسلام نفسه، والذي كثيرًا ما يُقرّر الفرق بين: كُفر النوع، وكُفر العَين، وكيف أن القولَ قد يكون كفرًا، ولا يَكفر القائل حتى يُنظَر في تحقّق الشروط، وانتفاء الموانع، ونحن أيضًا قائلون به مُسلِّمون له، ولكن متى؟! فيما أرى هذا إنما يكون فقط في المُكفِّرات الخفيَّة، التي تلتبس على عُظم علماء المسلمين، ولا يُقطَع فيها، إلا ببحثٍ وتحقيقٍ وتحرير..
بخلاف المسائل الواضحة الظاهرة، المعلومة بالضرورة من دين المسلمين كالسجود لغير الله، وسبّ الدين، وعدم تكفير اليهود والنصارى، وإلزام المسلمين بالتحاكم إلى غير الله ورسوله، وإقرار أحكام وشرائع الكافرين على المسلمين، وجعْلها قاضيةً في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وكذلك ما نصَّ عليه شيخ الإسلام ها هنا، كـسبِّ الله ورسولِه، والاستهزاء بالدّين وآياته إلخ..
ففي مثل هذه المسائل الظاهرة؛ يَكفُر صاحبُها ظاهرًا وباطنًا، نوعًا وعينًا ولا يُقال في مثل هذا أبدًا: إنه كُفرٌ دون كفر، أو نوعٌ دون عَين، أو ظاهرٌ دون باطن، أو الله أعلم بحاله، فكلُّ هذا معلوم الفساد بالضرورة من دين الإسلام
* وقد يَخرج عن هذا طبعًا:
المُخطىء، والمُكرَه، والمُتأوِّل جَهلًا أو خطأً، في بعض تفاصيل العقيدة لا أصولها، وكلّ من كان ذا عُذرٍ مُعتبَر مقبول
لكن متى ننظر إلى هذه الأعذار؟! بالطبع عندما يُرفع للقاضي، وتُطبّق العقوبة أو الحدّ فقد تنفعه المعاذير ها هنا وهذا لا يمنع أن يكون مُسمّاه إلى حين كافرًا.
* أمَّا أن يُقال في كلِّ مُكفِّر؛ صَغُر أم كبُر خَفِي أم ظَهر: أن القولَ كفرٌ، ولا يَكفر القائل، حتى يَعتقد، وحتى يَستحِلّ إلخ..
فهذا مذهب المُرجئة والجهمية؛ الذين يَجعلون العبدَ مؤمنًا باطنًا؛وإن أتَى ظاهرًا ما أتَى، حتى ولو كفرَ بالله الكفرَ الأكبرَ الظاهر البواح.
فهل يَعتبرُ بذا المُرجئةُ المُعاصرون؟!
الذين أطلقوا الأعذارَ والمعاذير، هنا وهناك، غير مبالين بما أفسدُوا من دين المسلمين؛ بتفريطهِم وتَساهلِهم في تحقيق العلم والدِّين، حتَّى انتعلَهم الطواغيت، واتَّخذوا من إرجائهم مَطيَّةً ومَركبًا.. كان اللهُ للإسلام والمسلمين.