قبيلة "بورنا" والسقوط من الذاكرة الإسلامية
"البورنا" قبيلة من القبائل الأورومية، وتعتبر من القبائل الرئيسة فيهم، والبورنيون شعب مسلم في أصله إلا أنهم لم يدركوا حقيقة الإسلام، ولم تبلغهم الدعوة الإسلامية الصحيحة الجادَّة حتى يومنا هذا؛ ولذلك ترى أكثرهم وثنيين.
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
"البورنا" أو قبيلة البورنا، شعب مسلم يقترب عددهم من خمسة ملايين نسمة، يعيشون في شمال كينيا وجنوب أثيوبيا، نسيناهم كما نسي المسلمون شعوبًا إسلامية أخرى من قبلُ؛ فتمَّ تنصيرهم أو تذويبهم في المجتمعات اللادينية، وانتهت جذورهم وأصولهم، وبقيت منهم الذكرى في كتب التاريخ، أفما آن الأوان أن نمدَّ جسور التواصل مع أبناء قبيلة البورنا، ونعيدهم إلى دينهم وعقيدتهم؟! إن معظم عاداتهم وتقاليدهم التي يلتزمون بها حتى الآن مطابقة لشريعة الله: من ذبح تجاه القبلة، وكراهية للظلم، واستخدام للسواك، ولبس لبياض الثياب، وبر بالوالدين، أنتركهم فريسةً للكنائس والمنصِّرين الذين يتكالبون عليهم، إلى حدِّ أن الكنيسة الكاثوليكية جعلت مركزها بين أبناء قبيلة البورنا لتقترب منهم وتنصرهم؟!
وفي هذه الجولة نستعرض تاريخ هذه القبيلة العريقة وما حلَّ بها، والمطلوب من المسلمين تجاهها.
"البورنا" قبيلة من القبائل الأورومية، وتعتبر من القبائل الرئيسة فيهم، والبورنيون شعب مسلم في أصله إلا أنهم لم يدركوا حقيقة الإسلام، ولم تبلغهم الدعوة الإسلامية الصحيحة الجادَّة حتى يومنا هذا؛ ولذلك ترى أكثرهم وثنيين.
وتسكن قبيلة بورنا في مناطق شمال كينيا وجنوب أثيوبيا، ففي كينيا مناطقهم الرئيسة: إسيولو، ومرسا بيت، ومويالي، وفي أثيوبيا تقع مناطقهم في: ميغا، ونغيلي، ويا بالو، واريرو، ومعظمهم يسكنون في أثيوبيا وينتمون إلى الوثنية ولم يدخل منهم الإسلام إلا القليل، ويصل عدد البورنيين إلى ما بين 4 - 5 ملايين نسمة ولا يوجد لديهم ثقافة، وهم غير متعلِّمين وأكثرهم جُهَّال، ولهم لغتهم الخاصة بهم وهي اللغة البورنية.
وهم رعاة يعتمدون على الرعي في حياتهم اليومية وثروتهم الرئيسة هي بهيمة الأنعام، وقد اشتهروا من بين القبائل برعاية الأبقار والجمال والشِّياه من قديم الزمان، وينتقلون من مكان إلى آخر؛ طلبًا للكلأ والمياه لمواشيهم، ويسكنون بعيدًا عن المدن، ولا يصل إليهم مَن يريدهم إلا في مناطقهم الخاصة.
ويقوم شيوخ القبائل بمهامَّ مختلفة في المجتمع: من تنفيذ القرارات، وفضِّ النزاعات، والصلح، ونحوها على ضوء تقاليدهم وعاداتهم.
تخرَّج كثيرٌ من أبناء بورنا من الجامعات العصرية الغربية، وبالمقابل لا تكاد تجد خِرِّيجًا واحدًا من الجامعات الإسلامية.
عادات إسلامية:
ويحتفظ البورنيون بعادات وتقاليد إسلامية عريقة؛ منها: أنهم يختنون أولادهم قبل البلوغ، وهذه عادتهم ولو لم يعتنقوا الإسلام، ويستخدمون السواك فهو ملازم لهم ويجعلونه فوق آذانهم ويتسوَّكون به من وقت إلى آخَر، ويكرهون الظلم في المجتمع فهو كبيرة من كبائر الذنوب ويأمرون بردِّ المظالم، ويعد النكاح من فطرتهم مع التيسير فيه، ويكرمون الضيف ويذبحون له في أوَّل ليلة قدومه، ويأكلون من كسب اليد؛ لأنهم يرعون مواشيهم ويعيشون عليها وعلى منتجاتها، والزنا محرَّم عندهم ويُنزِلون عقوبةً خاصة على مَن ارتكبه، ويلبسون البياض من الثياب، خاصَّة زعماءهم، ولديهم أدعية صباحية ومسائية وأكثرها توافق المأثورات، ومن عادتهم أنهم يرحمون صغارهم ويوقِّرون كبارهم؛ فالصغير بمنزلة الولد، والكبير بمنزلة الوالد، والأقران بمنزلة الإخوة، ويُعدُّ قتل النفس جريمةً عظيمة وفيه دِيَة، ويوجِّهون ذبائحهم تجاه القبلة ويكبِّرون حال الذبح، والعقيقة لا بُدَّ منها ولو كبر الطفل، وبر الوالدين من أبرز ما يتميز به الولد ويشكر عليه.
الاحتلال والتنصير:
ولما جاء الاحتلال الأوربي جاءت في رَكْبه الكنائس التنصيرية بحجة تقديم المساعدات الإنسانية في الظاهر، وبدأت تبثُّ سمومها في الباطن، وفي سبعينيات القرن العشرين وصلت الرسالة التنصيرية في مناطق بورنا برئاسة الكنيسة الكاثوليكية، وجعلوا مراكز النفوذ في هذه المناطق كلها، وقطعوا أشواطًا كبيرة لتنصير البورنيين.
جاءت هذه البعثات التنصيرية من دُوَل لها إمكانيات مادية ضخمة وهي: إيطاليا، والدانمرك، وبريطانيا، وألمانيا، وأمريكا، وفي عام 1984م حلَّ القحط الشديد والجفاف والمجاعة ومات الآلاف من البشر وهلكت المواشي، فقام المنصِّرون بحملات شَرِسة للتنصير، واستغلُّوا هذه الظروف الصعبة من الفقر والجوع والكوارث فأضَلُّوا كثيرًا من قبيلة بورنا، وكان التركيز في مدينة "أسيولو" و"مرتي" و"مرسابيت" و"تربي" و" سولولو".
والجدير بالذكر أن المنصِّرين يدخلون المدن والقرى باسم التطوُّر والتنمية، وباسم المؤسسات غير الحكومية فيجدون قبولاً عظيمًا من وُلاة الأمور وقيادة المجتمع، والحكومة توافقهم من أوَّل وهلة.
الخطة الكنسية:
وتقوم الخطة الكنسية على بناء المزيد من الكنائس التي انتشرت في جميع المدن والقرى البورنية، ولا تكاد تجد مدينة ولا قرية تخلو من كنيسة أو جمعيات تنصيرية، وعلى سبيل المثال تجد عِدَّة كنائس في مدينة أسيولو ومرسا بيت وهي من المدن الرئيسة في المنطقة وكذلك القرى، ويضعون الصليب في قِمَم الجبال ليعلنوا شعائرهم، ويكفُلون الأُسَر التي تتردَّد على هذه الكنائس.
ويبنون المدارس الأهلية في القرى والمدن، فمن المعروف أن المؤسسات التعليمية لها دور بارز في تبصير وتثقيف المجتمع، وتغيير أهدافه وأفكاره من خلال الموادِّ الدراسية التي تقدمها، فقد قام المنصِّرون ببناء المدارس العصرية في جميع المراحل الدراسية، لا في المدن فقط بل في القرى الخالية من هذه الخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية وغيرها مما فيه مصلحة عامة للمجتمع.
وهذه المدارس كلها تابعة لكنيسة معيَّنة، وتدرس فيها النصرانية - التي هي الهدف الرئيس من إنشائها - بالإضافة إلى المواد الدراسية الأخرى.
وفي هذه المدارس يوفِّرون جميع المتطلَّبات من المقرَّرات والوجبات الغذائية والثياب وغيرها من الحاجات الطلابية.
إضافة إلى إنشاء المراكز الصحية والمستشفيات، وهذه المراكز من أهم ما يهتمُّ به المنصِّرون وعنايتهم خاصَّة بها، ويوجد مركز صحِّي متكامل بجوار كل كنيسة؛ لأن الخدمات الحكومية الملموسة لا تَصِل إلى هذه القرى، وبذلك تعتبر هذه الخدمات شبكة من شبكات التنصير.
كما تقوم الكنائس بدفع الرسوم المدرسية عن الطلاَّب الفقراء في المدارس الحكومية، وهذه الرسوم هي أبرز ما صدَّ الكثير من الشباب البورنيين عن الإسلام ومبادئه؛ لأنها تعتبر من الشبكات الرئيسة لتنصيرهم مقابل التعليم، والتعليم قد أصبح ضرورة من ضروريات الحياة ويوفِّرون المِنَح الدراسية في المراحل الجامعية؛ ولذلك تجد أن المثقفين البورنيين في داخل بلادهم وخارجها درسوا عن طريق هذه المِنَح التنصيرية، وتأثَّروا بها تأثُّرًا بالغًا أخلاهم من الوازع الديني.
كما يتمُّ توفير الخدمات الاجتماعية من حفر الآبار والسُّكنَى ونحوهما، ويركِّزون عليه في القرى النائية، وتقديم المساعدات المالية لشراء المواشي للأسرة المنكوبة في هذه المناطق بعد حصول الكوارث الطبيعية؛ مثل: الفيضانات، والقحط، والجفاف، وإنشاء المراكز التبشيرية في المناطق البورنية، فهناك أكثر من 52 مركزًا تنصيريًّا في مدن وقوى منطقة بورنا.
ومن هذه المراكز والبعثات التبشيرية:
المجلس العالمي للكنائس العالمية، والبعثة التبشيرية للروم الكاثوليك، والمجلس الوطني لكنائس كينيا، والكنائس البروتستانتية، والكنائس الإنجليكانية الأمريكية.
ويتمُّ تمويل هذه الكنائس ومشاريعها تمويلات طائلة تأتي من روما وأمريكا والفاتيكان وبريطانيا والدانمرك، وهذه الأموال والنفقات الضخمة لا شكَّ أنهم سينفقونها، والمسلمون مطالبون بتقديم الخدمات لإخوانهم، وعليهم ألا يتركوهم في أيدي الأعداء، وأن يبحثوا عن سبل إنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور.
الجهل والفقر:
أمَّا أبرز مشكلات قبيلة بورنا فهي قضية الجهل بالدين، فالبورنيون لم تبلغهم الدعوة الإسلامية الصحيحة الواضحة الجادَّة منذ قَرْن، فهم ما زالوا في مرحلة الإسلام فقط، ولم يدخل الإيمان الصحيح في قلوبهم؛ لأن الجهل يحول بينهم وبين الإسلام، إضافة إلى الفقر والتنصير فقد حلَّت بمناطقهم النكبات والقحط والجفاف؛ ونتج عن ذلك هلاك المواشي التي كانت الثروة الرئيسة للبورنيين، في جنوب أثيوبيا وفي شمال كينيا، فدخل التنصير وتحرَّك بكل طاقته وحقق أهدافه خاصة في أوساط الشباب.
وبسبب غياب الهيئات والمؤسسات الإسلامية الخيرية عن مناطق بورنا؛ صار البورنيون أمَّة منسية على مستوى الوطن أوَّلاً، والعالم الإسلامي ثانيًا، كما أن عدد الدعاة من ذوي الكفاءة العلمية من أبنائهم قليل، وهذا أبعدَ الصحوة الإسلامية عن مناطقهم.
كيفية الإنقاذ:
ومن خلال دراسة أوضاع قبيلة بورنا وأوضاعها نقترح عِدَّة حلول لهداية هذه القبيلة، منها:
♦ إنشاء المؤسسات التعليمية والمعاهد العلمية المتكاملة في جميع مراحلها للبنين والبنات؛ لمواجهة الجهل، ونشر العقيدة الإسلامية الصحيحة، والقضاء على الوثنية والتنصير في مناطقهم.
♦ توفير المِنَح الدراسية للطلاب البورنيين في الجامعات الإسلامية، علمًا بأنهم لا وجود لهم فيها، والطلاب يرشِّحون سنويًّا من كينيا وأثيوبيا وليس لهم حظ فيهم.
♦ بناء مراكز وبيوت الدعوة التي تنطلق منها البرامج والرحلات الدعوية.
♦ كفالة الدعاة والمدرِّسين ذوي الكفاءة العالية في المنطقة.
♦ بناء الأوقاف الخيرية التي يرجع ريعها إلى مصالح الدعوة.
♦ بناء المساجد في القرى؛ لأنها المدارس الأولى وملتقى المسلمين كما كانت في الصدر الأول.
♦ إنشاء مراكز الأيتام، علمًا بأن عددهم كبير وهم بلا مأوى.
♦ إنشاء المراكز الصحية؛ حتى لا يتردَّد المسلمون على مراكز النصارى.
♦ إنشاء المكتبات الإسلامية المزوَّدة بأمهات الكتب وجميع المراجع والمصادر العلمية.
♦ توفير المواصلات للدعوة في المدن والقرى؛ لأن المناطق بعضها بعيد عن بعض.
♦ تأسيس مركز لتعليم وتربية المسلمين الجُدُد.
♦ دفع رسوم المدارس عن الطلاب الفقراء والمساكين قدرَ الاستطاعة في المراحل التعليمية.
♦ حفر الآبار وتطوير الزراعة في المنطقة بتوفير الآلات الزراعية ونحوها.
♦ تزويد المدارس الموجودة بالمقرَّرات الدراسية لجميع المراحل.
♦ تنظيم الدورات الشرعية والقوافل الدعوية المستمرَّة، علمًا بأن الكثيرين قد أسلموا بهذه الطريقة، ولله الحمد.
♦ مساعدة الأرامل والفقراء والمساكين في المنطقة قدرَ الاستطاعة.
♦ تمكين بعض العلماء من تأدية فريضة الحج والعمرة.
صلاح جيلو أوتوفا البورني