ستمائة عام من الإسلام في يوغوسلافيا
"بلجراد" العاصمة فتحَها العثمانيون سنة 1453م، ثم احتلها النمساويون سنة 1718م، ثم استرجعها العثمانيون سنة 1738، ثم فقدوها للمرة الأخيرة سنة 1830م؛ وبذلك يكون الحكم العثماني قد دام فيها 358 سنة على وجه التقريب.
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
دام الحكم العثماني في "
" و" " 400 سنة، وفي " " 385 سنة، وفي " " 415 سنة، وفي " " 420 سنة، وفي " " 430 سنة، وفي " " 547 سنة.
"
" العاصمة فتحَها العثمانيون سنة 1453م، ثم احتلها النمساويون سنة 1718م، ثم استرجعها العثمانيون سنة 1738، ثم فقدوها للمرة الأخيرة سنة 1830م؛ وبذلك يكون الحكم العثماني قد دام فيها 358 سنة على وجه التقريب.
الرحالة التركي (القرآن الكريم، وبعد أن انحسَر الحكم الإسلامي عن المدينة قضى الصِّرب على المدارس والمساجد والكتاتيب كلِّها، واحدةً تِلو الأخرى؛ فهدم مسجد "أفندي" وأنشئ مكانه ميدانٌ لسباق الخيل، وتم بناء المسرح المركزيِّ على أنقاض مسجد القرية، والبرلمان اليوغسلافي هو في الحقيقة مسجد " " الذي كان أجمل وأكبرَ مسجد في بلجراد، ومسجد البيرقة - وهو أول مسجد بناه المسلمون في بلجراد - حوَّله الصرب إلى كتدرائية سنة 1718 م، ثم استرجعه المسلمون عام 1968م.
) زار بلجراد عام (1600 م)، وكان عدد سكانها مائة ألف نسمة، ثلاثة أرباعهم مسلمون، وسجَّل وقتها أنه كان بالمدينة 370 مسجدًا، و7 (تكايا)، وثماني مدارسَ ثانوية إسلامية وتسع دُور للحديث، و370 من كتاتيب تحفيظ
نشرت صحيفة "
" الفرنسية في أحد أعدادها في شهر أبريل سنة 1919 م حديثًا لرئيس علماء المسلمين في يوغوسلافيا الشيخ قال فيه:إنه خلال السنة الأولى من حكم الصرب للبوسنة والهرسك تم إحراقُ وتدمير ونهبُ (370) قرية إسلامية، وقتل آلاف المسلمين، وصرح
اليهودي الأصل في المؤتمر التأسيسي لرابطة الشيوعيين اليوغسلاف في البوسنة عام 1946 م أن المسلمين خطرٌ على يوغوسلافيا، في وقت اعترفت فيه يوغوسلافيا بالحقوق القومية والدينية للشعب اليهودي فيها، مما يدل على أن كل قُوى الشر والبغي والعدوان اجتمعَت على كلمة واحدة، هي استئصال شأفة الإسلام والمسلمين من جذورها.
مؤامرة للقضاء على البوسنة وخطة تقسيم البوسنة تمنح المسلمين 10% فقط:
ثمة اتفاقٌ عام في الأوساط السياسية على أن المؤامرة ما زالت مستمرةً لطمس معالم البوسنة والهرسك كدولة إسلامية بعد الإعلان عن الخطة الجديدة لتقسيم البوسنة إلى ثلاث دويلات عِرْقية، والتي ترمي إلى مكافأة الصرب بمنحه 50% من مساحة البوسنة الكلية، كما يخصص للكروات 40%، والعشرة في المائة الباقية تكون من نصيب المسلمين! وتعرف الخطة بالصربو/ كرواتية.
وهذه الخطة ليست جديدة؛ فقد دعا هنري كيسنجر - وزير خارجية أمريكا الأسبق - اليهودي الأصل - في مقال له نُشر قُبيل الإعلان عن الخطة، في صحيفة (
) إلى تقسيم البوسنة ذات الأغلبية المسلمة إلى ثلاثة أقسام بين المجموعات الثلاث، يكون قسم منها أساسًا لدولة مسلمة صغيرة! مع منفذٍ صغير على البحر الأدرياتيكي، ويُسمَح للصرب والكروات بالعيش في ظل حكومة واحدة مع المسلمين، ويؤكد أن "الخطأ اللامسؤول للمأساة هو الاعتراف الدولي بدولة بُسْنية يحكمها مسلمون، والبوسنة لم تكن يومًا أمة، ولا توجد لها هُوية ثقافية محددة".
ويُعدُّ تصريح كيسنجر استِعداءً صريحًا للمجتمع الدولي على المسلمين في أوربا لرفضِ استقلالهم في دولة تجمعهم، وبمجرد ظهور الخطة أسرعَت الإدارة الأمريكية إلى تأييدِها، وهي الإدارة نفسها التي رفضَت خطة (
)؛ بدعوى أنها لا تحافظ على وَحدة البوسنة، وتعترف بالعدوان الصِّربي.
وقد عارض الرئيس البوسنيُّ المسلم
) الخطةَ معارضةً شديدة، وهو ما دفَع "لود أوين" إلى توجيه اللوم إليه قائلاً: كان يجب على بيجوفتش تقبُّلُ هذه الخطة، وبسبب تأييد المجموعة الأوربية للتقسيم؛ أطلق القائد المسلم تهديده بأن لديه موادَّ كيمائية تكفي لتدمير الحياة في أوربا.
وقد طالب بيجوفتش المجتمعَ الدوليَّ بعدم التقليل من تهديد القائد المسلم باستخدام المواد الكيمائية للدفاع عن المسلمين، وأضاف "
": ليس على المضطر حرَج، وكان لهذا الموقف للرئيس البوسني أثرُه في إحياء مجلس الرئاسة المشتركة في البوسنة، الذي يتكون من سبعة أعضاء؛ منهم اثنان من المسلمين، واثنان من الصرب، واثنان من الكروات، والسابع من يوغوسلافيا، وكان المجلس قد توقف عام 1912 بعد اختيار " رئيسًا، وبعد اندلاع الحرب.
ومن بين أعضاء المجلس خطَّط (
) - الذي يُعارض موقف علي عزت، ويؤكد فكرة التقسيم، ومعروف عن هذا العضو علاقاته الوثيقة بكرواتيا إلى درجة مساندته - ليكون بديلاً للرئيس علي عزت في رئاسة جمهورية البوسنة.
ومن ناحية ثانية تُواصل الأمم المتحدة التآمر على البوسنة، ومن أدلة ذلك أنها اكتفَت بالموافقة على إرسال خمسة آلاف جندي إلى البوسنة، بينما أكَّد وزير الدفاع الفرنسي أن تنفيذ مشروع حفظ السلام في المناطق الآمنة في البوسنة يحتاج إلى مائتي ألف جندي.
أما بالنِّسبة لدور العالم الإسلامي، فما زال غامضًا؛ لذلك قال "
" رئيس وزراء بريطانيا: إن حكومات الدول الإسلاميَّة قد فقدَت قُدرتَها على معارضة الدول الغربية وأمريكا، وباستطاعتنا تنفيذ أيِّ خطة لمنع قيام دولة إسلامية في أوربا في ظل حظر السلاح على البوسنة والمجموعة الأوربية التي تسلح الصرب.
فهذه صحيفة (
) مؤخرًا تقول: إن شركةً يونانية تمولها المجموعة الأوربية باعَت لصربيا عتادًا حربيًّا، من بينه عدسات متطورة جدًّا تستخدم في الدبابات ومدافع الهاون؛ بينما على الجانب الآخر هاجم مسؤولون في القمة الأوربية الأخيرة المستشار الألماني " " عندما أشار إلى رسالة أمريكية من الرئيس كلنتون تحضُّ دول أوربا على رفع حظر السلاح عن البوسنة.
والعجيب في الأمر أن
ما زالت تدَّعي أنها تدافع عن حقوق الإنسان، وترفع رايةَ العدل في كل مكان وليس هذا إلا الضلالَ المبين.
التقسيم.. والجواب على الغطرسة الدولية:
من الغطرسة الدولية هذا الذي عرَفناه عن
) الوسيط الدولي في هذا النزاع عندما وقَف أمام الصحفيين ليعبر عن غضبه وانزعاجه الشديدين؛ لأن الرئيس البوسني ( ) أعلَن مغادرته جنيف رافضًا خُطة التقسيم التي اتفق عليها الطرَفان رأسَا العدوان.
لقد كان يجب على "
" في نظر (أوين) أن يتقبَّل تلك الخطة التي تقرِّر للصرب والكروات في البوسنة والهرسك قيامَ دولتين تنضمَّان حتمًا إلى الأم لاحقًا: " "، وتقومان على تسعين في المائة من الأرض التي لا تزال تعيش ويلات التقتيل والتدمير، والتشريد والتجويع، ويبقى 10% منها لا تضم حتى بعض المدن الصامدة وسط الحصار، والمعلنة كمناطقَ محميَّة آمنة لبقاء المسلمين ليعيشوا؛ إن كان هذا يسمَّى عيشًا في منطقتين منفصلتين معزولتين، لا تملكان أبسط أسباب البقاء، فضلاً عن إقامة دولة ثالثة!
وهنا يُدهش منطق القوة ألاَّ يَنصاع لسياسة الأمر الواقع "
" مَن حُرِم من السلاح كيلا يُدافع عن نفسه، فسيبقى يدافع بتضحياته وصموده، ومن تواطأت سائر القوى الدولية ضده، فانفرد في الميدان ولم يُعلن استسلامَه النهائي لاجتماع إرادتها على إبادته، وتبلغ المهزلة ذروتها في أسلوب تقليل ذلك الإحساس بالغضب والانزعاج عبر تصريح أوين بأنه كان يجبُ على بيجوفيتش ألا يُعلِن عن موقف الرفض قبل أن يتَشاور مع القادة الآخرين داخل سراييفو على خطة التقسيم.
ومَن تابع الأوضاع داخل سراييفو متابعةً دقيقة، عَلم أنه إذا وُجد خلاف بين بيجوفتش وإخوانه في مواجهة المأساة الجارية، فهذا صادرٌ عن استعدادهم الأكبر للمقاومة حتى النهاية.
لقد رأى بيجوفتش ولمسَ ما فعلته الأسرة الدولية من وعود؛ كان ظاهرًا في البداية أنها مخادعة، وكان يَثبت لاحقًا باستمرار أنها كذلك بالفعل؛ ابتداءً بأول الوعود التي أعلنَت أساسًا للتفاوض في مؤتمر (لاهاي)، ومرورًا بما كان في مؤتمر (لندن)، وانتهاء بما يسمى خطة (
) عبر مؤتمر جنيف - فلم ينفَّذ جزئيًّا ولا كليًّا وعدٌ واحد من ذلك المسلسَل المرافِق لسيل الدماء وموجات التشريد والاغتصاب والتدمير، وكان من حلقاته:1- المحافظة على وحدة أراضي البوسنة والهرسك.
2- تطبيق القانون الدولي في التعامل المتكافئ مع سائر الأقليات في كل دولة على حدة.
3- التدخل إذا استمر العدوان ورفع الحظر على السلاح إن لم يتوقف القتالُ بعد الموافقة على التقسيم إلى مقاطعات.
4- الالتزام بخطة ( ) الجائرة إذا تمت الموافقة على المناطق الآمنة باسم الخطة الدولية الجديدة.
وهذا غيضٌ من فيض، إذا ما أضيف إلى القائمة من وعودٍ أخرى مرافقة لاتِّفاقيات لا تُحصى على وقف إطلاق النار، وعلى تأمين وصول القوافل الإنسانية إلى المسلمين المحاصَرين، وعلى نَزع الأسلحة الثقيلة من الصِّربيين إذا سلَّم المسلمون بقايا أسلحتهم في بعض المدن المحاصرة.
لم ينقطع المسلسل الرهيب حتى الآن، والتواطؤ الدوليُّ ظاهرٌ للعيان في دفعِه مرة بعد أخرى؛ للقبول بأمر واقعٍ جديد حقنًا للدماء - دماء غير المسلمين - ومنعًا لتوسع رقعة القتال، ولا مانع من استمراره على حساب المسلمين.
هذه الضغوط لا تَعني فقط القبولَ بالبديل الماثل في إبادةِ شعب وتقويض دولة وتشجيع مرتكبي الجريمة على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد المسلمين في البلقان، ولا نَكشِف فقط عن سياسة لا أخلاق لها، وازدواجيةٍ لا قيمَ تضبطها، وهيمنة دولية لا حدود لها تقف عندها... بل إلى ما وراء ذلك من تدمير دولةٍ إسلامية وليدة.
هذا، وإنما يُفترض بالمسلمين بالبلقان أن يَمتلكوا لغة العصر واستخدامها، ويَستوعبوها استيعابًا عميقًا يتحول إلى واقع متطورٍ في حياتنا وسياستنا وتعاملنا، على جميع المستويات.
عبده حسن التناجي