بيع المبيع قبل قبضه من بائعه أو غير بائعه

المبيع إما أن يكون طعامًا أو عقارًا أو منقولًا، فأما الطعام فلا إشكال في منع بيعه قبل قبضه وهو محل إجماع من العلماء كما سيأتي، وأما العقار والمنقول ونحوهما فهو محل خلاف بين العلماء.

  • التصنيفات: الفقه وأصوله - فقه المعاملات -

بيع المبيع قبل قبضه من بائعه أو غير بائعه [*]

المبيع إما أن يكون طعامًا أو عقارًا أو منقولًا، فأما الطعام فلا إشكال في منع بيعه قبل قبضه وهو محل إجماع من العلماء كما سيأتي، وأما العقار والمنقول ونحوهما فهو محل خلاف بين العلماء.

اختيار ابن تيمية:

اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المنع من بيع المبيع قبل قبضه سواء في ذلك الطعام أو العقار أو غيرهما، وسواء بيع الطعام كيلًا أو وزنًا أو جزافًا، واستثنى من ذلك بيع المبيع قبل قبضه لبائعه خلافًا للمشهور من مذهب الحنابلة[1].


تحرير المسألة:

أ- بيع الطعام المكيل أو الموزون قبل قبضه لا يجوز بإجماع العلماء لثبوت النص فيه، حكى الإجماع فيه غير واحد[2]، وحكى فيه خلاف ضعيف لا يعتد به لمخالفته للنص، وليس هذا محل بحثنا، ومحل البحث هو في غير الطعام.

ب- الصبرة المشتراة جزافًا وإن كانت داخلة في الخلاف في المسألة لكن سيفرد لها بحث مستقل بإذن الله.

أقوال العلماء في المسألة:
اختلف العلماء في المسألة على خمسة أقوال:

القول الأول:

أنه لا يجوز بيع المكيل والموزون قبل قبضه، سواء كان مطعومًا أو غير مطعوم، وزاد بعضهم: المعدود والمزروع. ويجوز بيع ما عدا ذلك مما لا يؤكل ولا يشرب، سواء من البائع أو من غيره، وهذا مذهب الحنابلة[3].

وروي ضبطه بالكيل والوزن فقط عن جماعة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين[4].

وفسر بعضهم مراد هؤلاء بأنه يدخل فيه المعدود عندهم.

القول الثاني:

أن ما عدا الطعام يجوز بيعه قبل قبضه، وهذا المشهور عند الإمام مالك وحكى بعضهم أنه لا خلاف فيه في مذهب مالك[5]، وهو رواية عن أحمد[6]، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وابن المنذر[7] واستثنى الإمام مالك الصبرة المشتراة جزافًا فجوز بيعها.

القول الثالث:

عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه إلا العقار من دور وأراضٍ فيجوز بيعها قبل قبضها من البائع أو غيره.

وبه قال أبو حنيفة، وهو قول ثان لأبي يوسف من الحنفية[8]، وهو رواية في مذهب الحنابلة[9].

القول الرابع:

أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مكيلًا كان، أو موزونًا أو غيرهما، وسواء من البائع أو من غيره.

وهو قول عبدالله بن عباس وجابر بن عبدالله وسفيان الثوري وابن عيينة[10].

وهو مذهب الإمام الشافعي[11]، ورواية في مذهب أحمد[12]، اختارها ابن عقيل، وهو قول زفر ومحمد بن الحسن من الحنفية[13].

القول الخامس:

أنه لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مكيلًا كان أو موزونًا أو غيرهما إلا من بائعه، فيجوز تصرف المشتري فيه مع بائعه بالبيع والشركة ونحوها دون غير البائع فلا يجوز. وهو وجه عند الشافعية[14] ورواية عن الإمام أحمد[15]، اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم[16].

 

أدلة الأقوال:

أدلة القول الأول:

وهم القائلون أنه يجوز بيع ما سوى المكيل والموزون والمعدود والمزروع قبل قبضه:

أولًا: من السنة:

1- عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا: «من اشترى طعامًا بكيلٍ أو وزنٍ فلا يبيعُه حتى يقبضَه» أخرجه -بلفظ الكيل والوزن- أحمد وأبو داود والنسائي[17].

ووجه الدلالة منه:

أن الطعام لا يخلو من أن يكون مكيلًا أو موزونًا أو معدودًا، فدل على منعه فيه وقيس عليه المزروع لمساواته له في المعنى، وجاز ما سوى ذلك لمفهوم الحديث.

ونوقش:
أ- أن في سنده عند أبي داود رجلًا مجهولًا، وفي سنده عند أحمد رجلًا ضعيفًا، فلا يصح الاحتجاج به لهذا[18].

ب- أن أصل الحديث في الصحيحين بدون لفظ الكيل والوزن، وروايتهما مقدمة على غيرهما[19].

ج- أن استفادة المنع من الحديث إنما هو احتجاج بمفهوم اللقب[20]، وهو لو تجرد لم يكن حجة، فكيف وقد عارضه عموم الأحاديث الصريحة.

د- أن استفادة الجواز فيما سوى ذلك إنما هو استدلال بدليل الخطاب[21] ودلالته ضعيفة لو انفرد فكيف وقد عارضه نصوص عامة صريحة.

هـ- أن الصحابة فهموا العموم من هذا الحديث وأمثاله، ولذا قال ابن عباس، ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام[22].

2- ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيًا مجموعًا فهو من مال المبتاع" أخرجه الدارقطني والطحاوي والبخاري تعليقًا بصيغة الجزم[23].

ووجه الدلالة منه:

أن الحديث له حكم الرفع، وقد دل على أن الضمان وقع من مال المشتري، فدل على صحة بيع المبيع قبل قبضه وتملكه له فيما عدا المكيل والموزون.

ونوقش:

أ- أن لفظة "مضت السنة" ليست عند الرواة الذين أخرجوه، وإنما هو بدونها وعليه فهو قول صحابي.

ب- أنه ليس صريحًا في كونه قبل القبض، فإن قبض كل شيء بحسبه.

ج- أن الملك يحصل بالعقد، ويكون على ضمانه، لكن لا يتصرف فيه قبل قبضه.

3- ما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع بالدراهم فنأخذ بدل الدراهم الدنانير، ونبيعها بالدنانير فنأخذ بدلها الدراهم فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ» أخرجه الأربعة وصححه الحاكم وابن حبان[24].

ووجه الدلالة منه:
أن هذا تصرف في الثمن قبل قبضه وهو أحد العوضين.

ونوقش:

أ- أن الحديث ضعيف، ضعفه ابن حزم وغيره لضعف أحد رجاله[25].

ب- أن قياس المبيع على الثمن قياس مع الفارق، فالثمن يثبت في الذمة ولا يتصور تلفه، بخلاف المبيع، وعلة النهي منتفية في الثمن بخلاف المبيع[26].

ج- أن الأحاديث الصريحة مخالفة لهذا الحديث الضعيف سندًا، المحتمل في دلالته لعدة احتمالات فتقدم عليه.

4- حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان على بكر صعب لعمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «بِعْنِيهِ» فقال: هو لك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ»[27].

ووجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تصرف في المبيع قبل قبضه وهو غير مكيل ولا موزون.

ونوقش:

أ- أن الهبة من عقود التبرعات، والتبرعات يتسامح فيها مالا يتسامح في عقود المعاوضات، فيجوز فيها ذلك.

ب- أن قبض كل شيء بحسبه، والقبض هنا قد حصل بالتخلية والتمكن من القبض، والمبيع أمامه[28].

5- أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر جمله ونقده ثمنه، ثم وهبه إياه قبل قبضه[29].

ووجه الاستدلال منه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم تصرف فيه بالهبة قبل قبضه.

ونوقش: بما نوقش به حديث ابن عمر السابق.

ثانيًا: من المعنى والنظر:

1- قالوا: إنه أحد نوعي المعقود عليه فجاز التصرف فيه قبل قبضه، كالمنافع في الإجارة، فإنه يجوز تأجير المنفعة قبل قبضها.

ونوقش بما يلي:

أ- أنه قياس مع الفارق؛ لأن المنافع وإن كانت تملك بالعقد لكن لا يمكن استيفاؤها دفعة واحدة، لأنها تستوفى شيئًا فشيئًا.

ب- أن الثمن لا يقاس على المثمن؛ لأن الثمن يثبت في الذمة ولا يتصور تلفه في الغالب، بخلاف المبيع[30].

2- أن المبيع لا يتعلق به حق توفية فكان من مال المشتري كغير المكيل والموزون.

ونوقش:

بأن قياس غير المكيل والموزون عليهما أولى من العكس، فيقال بل لا يجوز بيع غير المكيل والموزون قياسًا عليهما[31].

3- أن ما بيع على الكيل والوزن لم يتعين من بين المجموع، فاحتاج إلى القبض ليعلم عينه، بخلاف غيرهما فيتعين بمجرد العلم به فجاز بيعه قبل قبضه[32].

أدلة القول الثاني:

وهو: أن ما عدا الطعام يجوز بيعه قبل قبضه.

1- حديث ابن عمر أن صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» وفي رواية «يَقْبِضَهُ» متفق عليه[33].

ووجه الدلالة منه أنه خص الطعام بالنهي، فدل على جواز ما عداه.

استثني من الطعام الصبرة المشتراة جزافًا فيجوز بيعها لأنها ليس فيها حق توفية، فهي من ضمان المشتري بنفس العقد، فأصبحت في حكم المتعين بالعقد كالثوب والعبد.

ونوقش:

أ- وجود النصوص العامة التي تنهى عن بيع الطعام قبل قبضه، والتي شملت الطعام وغيره كحديث حكيم بن حزام «لا تبع شيئًا حتى تقبضه» ونحوه[34].

ب- أنهم ربطوا التصرف بالضمان، فما كان من ضمان المشتري جاز التصرف فيه عندهم، وهذا غير مسلم[35].

2- اتفاق العلماء على أن من اشترى عبدًا فأعتقه قبل قبضه أن عتقه جائز، فالبيع كذلك.

ونوقش:
بأنه قياس مع الفارق؛ لأن الشارع يتشوف إلى العتق ولذا رتب عليه من الأحكام الخاصة به ما لا يوجد في غيره[36].

أدلة القول الثالث:

وهو عدم جواز بيع المبيع قبل قبضه إلا العقار من دور وأراضٍ فيجوز بيعها.

1- عموم أدلة النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، كحديث ابن عمر وحكيم وغيرها، فهي عامة في كل مبيع.

وإنما استثنى العقار دون المنقول؛ لأن النهي تناول أهل مكة، وهم كانوا يبيعون المنقول والبناء دون الأرض؛ لأن أراضي مكة محررة عن التمليك، فينصرف النهي إلى ما اعتادوه؛ وإنما ذكروا أهل مكة لأنهم حملوا حديث عتاب بن أسيد[37] على ذلك المعنى، وهو كان أمير مكة وقتها ولفظ الحديث: «انْهَهُم عن بيعِ ما لَم يقبِضوا، وعن رِبحِ ما لَم يضْمَنوا».

ونوقش:

أ- أن حديث عتاب ضعيف، ضعفه البيهقي، وأصح منه حديث ابن عمر المتفق عليه وكان في المدينة، فالخطاب إذن ليس خاصًا بأهل مكة، وحديث ابن عمر عام وكذا حديث حكيم بن حزام[38] وغيره.

ب- قولهم أراضي مكة محررة عن التمليك محل خلاف، ومحل الخلاف لا يحتج به على المخالف، بل الراجح جواز بيعها عند البعض، وقد توارثوها والوقف لا يورث.

ج- أن العقار مثل المنقول، ويحتاج التفريق بينهما إلى دليل صريح.

2- قالوا: إنما خص العقار؛ لأن العقار يبعد فيه احتمال الهلاك قبل القبض فلذا جاز بخلاف غيره فيرد احتمال الهلاك عليه ويكثر بسببه النزاع والشقاق؛ فلذا منع من بيعه قبل قبضه[39].

ونوقش:

أ- أن هذا تعليل في مقابل النص، فلا يقبل.

ب- ثم احتمال الهلاك وارد، كما أنه يرد احتمال نقص المبيع فلذا منع منه كالمنقول.

ج- ثم إن الأحاديث عامة والخروج عن اللفظ يحتاج إلى دليل.

وأجيب عن هذه المناقشة:

بأن الحديث ضعفت دلالته على العموم لكثرة التخصيص فيه، حيث خص منه بيع المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والميراث والثمن قبل القبض، وكلها تصح قبل القبض.

واعترض على هذا الجواب:
بالفرق، فالملك في الصور المذكورة مستقر غير معرض للزوال، أما الملك في المبيع هنا فهو غير مستقر، ثم الحديث صريح في البيع وحديثنا هنا عن البيع[40].

3- القياس على الشفعة حيث تثبت الشفعة للشفيع قبل قبض المشتري وهذا خاص بالعقار.

ونوقش:
بأنها إنما ثبتت لضرورة حفظ حقه، ثم لو صح فهو مخصص بدليل من عموم الأدلة[41].

أدلة أصحاب القول الرابع:

وهم القائلون لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا.

1- عموم أحاديث النهي عن بيع المبيع قبل قبضه كحديث ابن عمر وحكيم بن حزام[42]، وزيد بن ثابت[43]، وعتاب بن أسيد[44]، وابن عباس[45] وغيرها، ولذا فهم منه ابن عباس العموم كما سبق، وفهم الصحابي معتبر.

ونوقش أولًا:

بورود لفظ الطعام في كثير من الروايات فيقصر عليه.

وأجيب عن هذه المناقشة:

أ- أن لفظ الطعام خرج مخرج الغالب.

ب- إذا منع في الطعام مع الحاجة الماسة إليه فغيره أولى.

ج- أن كثيرًا من الألفاظ عامة وإخراج بعض أفراد العام لا يمنع العموم في بقية الأفراد[46]. وهذا قول جمهور علماء الأصول[47].

د- أنه ورد في بعض الروايات بلفظ السلع وهذا عام.

ونوقش ثانيًا:
أنه قد ثبت في الشرع جواز التصرف في غير الطعام قبل قبضه بالبيع، وهو الاستبدال بالثمن قبل قبضه والمصارفة عليه.

وأجيب عن هذه المناقشة:
أ- وجود الفرق بين الثمن في الذمة والمبيع المتعين من وجوه منها:
• أن الثمن مستقر في الذمة لا يتصور تلفه والمبيع ليس كذلك.
• ومنها كون المبيع عرضة للتلف بخلاف الثمن.

ب- سلمنا بذلك فإن غاية ما فيه أنه مخصوص من عموم النهي بدليل خاص، فيبقى اللفظ فيما عداه على عمومه.

2- قالوا: لئلا يتوالى الضمانان؛ فإن المبيع يكون مضمونًا قبل القبض على البائع الأول؛ فإذا بيع قبل أن يضمنه المشتري صار مضمونًا عليه، فيتوالى عليه الضمانان[48].

3- حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا: «ولا رِبحُ ما لم يضمَنْ»[49] والمبيع الذي لم يقبض من ضمان البائع، فلا يجوز للمشتري أن يبيعه ليربح فيه قبل قبضه، وقبل دخوله في ضمانه[50].

4- أن العلة في النهي هي شبهة الربا؛ لأنه يؤدي إلى أن يشترى منه دينارًا بدينارين، ومثاله: أن يشتري منه طعامًا بدينارين إلى أجل، ثم يبيعه قبل أن يقبضه بدينار، فصار كبيع دينار بدينارين[51].

5- قياس الأولى لأنه إذا منع من بيع الطعام قبل قبضه مع الحاجة الماسة له فغيره من باب أولى[52].

أدلة القول الخامس:

وهم القائلون لا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا إلا من بائعه، فيجوز التصرف فيه من بائعه دون غيره بالبيع والشركة فيه ونحوها.

1- قالوا: إن العلة في النهي عن بيع المبيع قبل قبضه هي عجز المشتري عن تسليمه، وما دام في يد بائعه، فهذه العلة منتفية، والحكم الشرعي يدور مع علته وجودًا وعدمًا.

قال شيخ الإسلام: "وعلة النهي عن البيع قبل القبض ليست توالي الضمانين، بل عجز المشتري عن تسليمه. لأن البائع قد يسلمه، وقد لا يسلمه، لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح، فيسعى في رد البيع، إما بجحد أو احتيال في الفسخ" ا.هـ[53].

وهذا تعليل ظاهر قوي؛ لأن البائع ما دامت السلعة في يده بعد بيعها، وقد رأى المشتري قد باعها قبل قبضها وربح فيها يداخله حسد فيتحايل على فسخ بيعه؛ لأن السلعة في يده، فلذا لم يجز بيعها قبل قبضها لهذا الاحتمال المؤدي للشقاق والنزاع.

2- القياس على الإقالة، بل هي في معناها فكأنه أقاله في المبيع؛ لأن السلعة في يده، والإقالة جائزة[54].

والإقالة هل هي فسخ أو بيع قولان للعلماء؟[55] فمن قال بيع فهي بيع مستأنف ومن قال فسخ فتكون بمثل الثمن.

3- القياس على جواز التصرف في الدين ممن هو في ذمته[56].

الترجيح:

والراجح والله أعلم هو القول الخامس لأمور:

• قوة أدلته ووجاهتها.
• أخذه بمجامع الأدلة وتأليفه بينها.
• مناقشة أدلة المخالفين.
• كما أن تعليلاته هي من القوة بالمكان الذي لا يخفى على المتأمل.
• كما أن المفاسد المترتبة على بيع المبيع قبل قبضه تبين حكمة الشريعة في المنع وتفيد منع ذلك في الجميع إلا ما استثنى من البائع لانعدام العلة.

ومن أسباب الخلاف في المسألة:

الخلاف في دلالة أحاديث النهي هل تقتضي العموم مطلقًا، أو أنها مخصوصة بمخصصات نقلية، أو عقلية؟[57]

وتظهر ثمرة الخلاف في:

التصرف في المعقود عليه بغير البيع، فابن تيمية يجوزه بناء على اختياره كالتولية والشركة ونحوها، وغيره يمنع من ذلك، والله أعلم.


________________________

[*] كان في الخطة مسألة بعنوان: اشتراط القبض لصحة التصرف بالمبيع إذا كان المبيع مما لا يكال أو يوزن، ثم رأيت دمجها مع هذه المسألة لأنهما مسألة واحد في الحقيقة.

[1] انظر: مجموع الفتاوى: [29/513]، الفروع: [4/134]، قواعد ابن رجب: [72، 80 ق52]، الاختيارات: [126، 12]، الإنصاف: [4/461، 466، 475]،المستدرك: [4/15]، حاشية ابن قاسم: [4/478، 481].

[2] انظر: معالم السنن: [3/115]، التمهيد: [13/330 - 335]، المعلم بفوائد مسلم: [2/166]، شرح النووي على مسلم: [10/169]، المغني: [6/188]، مجموع الفتاوى: [29/401]، تحفة المحتاج: [4/401]، طرح التثريب: [6/114].

[3] انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين: [1/326]، المغني: [6/181، 184، 189]، شرح الزركشي: [3/530]، الفروع: [4/134]، المبدع: [4/117]، الإنصاف: [4/460، 466]، كشاف القناع: [3/241]، الروض مع حاشية ابن قاسم: [4/478، 481].

[4] حكاه ابن عبد البر عن عثمان بن عفان وسعيد بن المسيب والحسن البصري والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وإسحاق بن راهويه. انظر: التمهيد: [13/330]، المغني: [6/181].

[5] انظر: المدونة: [4/87]، التمهيد: [13/329] بداية المجتهد: [2/108]، حاشية الدسوقي: [3/150-151]، التاج والإكليل: [6/423]، مواهب الجليل: [4/483]، حاشية الخرشي: [5/163]، حاشية العدوي على الخرشي: [5/163]، منح الجليل: [5/247].

[6] انظر: المغني: [6/182]، شرح الزركشي: [3/536]، الإنصاف: [4/461].

[7] انظر: التمهيد: [13/329]، بداية المجتهد: [2/108]، شرح النووي على مسلم: [10/170]، المغني: [6/182]، فتح الباري: [4/350]، اختيارات ابن القيم: [1/229].

[8] انظر: بدائع الصنائع: [5/181]، شرح فتح القدير: [6/510 - 514]، شرح العناية: [6/510-514]، تبيين الحقائق: [4/79]، المبسوط: [13/9-10]، البحر الرائق: [6/126-127]، حاشية ابن عابدين: [5/117، 157].

[9] انظر: المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين: [1/327]، الإنصاف: [4/466].

[10] انظر: التمهيد: [13/331]، وسنده عن ابن عباس وجابر هو سند حديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه ويأتي ذكره قريبًا، وانظر: المغني: [6/189].

[11] انظر: الأم: [3/69 - 70]، شرح النووي على مسلم: [10/169]، أسنى المطالب: [2/72]، حاشية قليوبي: [2/210-212]، تحفة المحتاج: [4/401]، حاشية الشرواني: [4/401]، نهاية المحتاج: [4/84-85]، حاشية الجمل [3/161]، روضة الطالبين: [3/501-510].

[12] انظر: الإنصاف: [4/466]، المغني: [6/189].

[13] انظر: المبسوط: [13/9 - 10]، بدائع الصنائع: [5/306-307، 181]، تبيين الحقائق: [4/79]، البحر الرائق: [6/126-127].

[14] انظر: روضة الطالبين: [3/509] أسنى المطالب: [2/82]، حاشية قليوبي: [2/213]، تحفة المحتاج: [4/401]، نهاية المحتاج: [4/85].

[15] انظر: المغني: [6/191]، قواعد ابن رجب: [80]، الإنصاف: [4/466].

[16] انظر: تهذيب السنن: [5/137]، إعلام الموقعين: [3/161].

[17] مسند أحمد: [8/155] بلفظ "يبيعه"، سنن أبي داود: [3/281]؛ كتاب البيوع - باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى؛ برقم: [3495]، سنن النسائي: [7/286]، كتاب البيوع - باب النهي عن بيع ما اشترى من الطعام بكيل حتى يستوفى؛ برقم: [4604].

[18] والضعيفان هما: المنذر بن عبيد المدني، مجهول الحال، والثاني ابن لهيعة، وضعفه بعضهم. انظر: إرواء الغليل: [5/176].

[19] يأتي تخريجها قريبًا بإذن الله.

[20] مفهوم اللقب: وهو تعليق الحكم بعلم أو بجامد. انظر: التقرير والتحبير: [1/117]، حاشية العطار: [1/331].

[21] دليل الخطاب هو مفهوم المخالفة. قال الغزالي في تعريفه: الاستدلال بتخصيص الشيء بالذكر على نفي الحكم عما عداه، ويسمى مفهوما؛ لأنه مفهوم مجرد لا يستند إلى منطوق، وإلا فما دل عليه المنطوق أيضا مفهوم، وربما سمي هذا دليل الخطاب أ.ه انظر: المستصفى: [2/191]، وانظر: حاشية العطار: [2/66]، معجم مصطلحات أصول الفقه: [207].

[22] انظر: تهذيب السنن: [5/133]، والأثر عن ابن عباس في صحيح البخاري: [4/349]، حديث رقم [2135].

[23] سنن الدارقطني: [3/53، 43] رقم [215]، والطحاوي في شرح معاني الآثار: [4/16]، صحيح البخاري: [4/351]، كتاب البيوع [34]، باب [57]، حديث رقم [2138]، ولم يذكر أحد منهم لفظ "مضت السنة"، والحديث صححه ابن حجر وصححه الألباني على شرط الشيخين. انظر: تغليق التعليق: [4/243]، إرواء الغليل: [5/174]، ما صح من آثار الصحابة في الفقه: [2/895].

[24] سنن أبي داود: [3/250]، كتاب البيوع، باب اقتناء الذهب من الورق، رقم [3354]، سنن ابن ماجه: [2/760]، كتاب التجارات [12]، باب [51]، حديث رقم [2262]، سنن الترمذي: [3/544]، كتاب البيوع [12]، باب [24]، حديث رقم [1242] سنن النسائي: [7/283]، كتاب البيوع، باب أخذ الورق من الذهب، والحاكم في المستدرك: [2/44]، صحيح ابن حبان: [7/208] رقم: [ 4899].

[25] وأشار الترمذي لتضعيفه، وضعفه الألباني. انظر: المحلى: [7/452 م 1492]، إرواء الغليل: [5/173].

[26] انظر: معالم السنن: [3/116]، تهذيب السنن: [5/134].

[27] سبق تخريجه ص: [182]. صحيح البخاري؛ برقم: [2115].

[28] انظر: تهذيب السنن: [5/135].

[29] سبق تخريجه ص: [380].

[30] انظر: المغني: [6/181-183، 190].

[31] انظر: المغني: [6/190].

[32] انظر: المغني: [6/181 - 183، 190].

[33] صحيح البخاري: [4/349]، كتاب البيوع [34]، باب [55]، حديث رقم [2136]، صحيح مسلم: [3/1160]، كتاب البيوع [21]، باب رقم [8]، حديث رقم [1526-1527].

[34] سبق تخريجه.

[35] انظر: مجموع الفتاوى: [29/398-404]، [30/276-277]، 20/343-344]، قواعد ابن رجب: [78]، الفروق: [3/280].

[36] فتح الباري: [4/349]، معالم السنن: [3/116].

[37] حديث عتاب في سنن البيهقي: [5/313]، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام، وقد ضعفه البيهقي.

[38] حديث حكيم أخرجه البيهقي في سننه: [5/313]، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وقال: هذا إسناد حسن متصل، والدارقطني: [3/80] رقم [25]، والنسائي: [7/286]، كتاب البيوع.

[39] انظر: المبسوط: [13/8]، بدائع الصنائع: [5/181]، تبيين الحقائق: [4/80].

[40] انظر: تهذيب السنن: [5/135].

[41] انظر: المبسوط: [13/10]، شرح فتح القدير: [6/514، 515].

[42] سبق تخريج حديث ابن عمر [481،485]وحديث حكيم ص: [487].

[43] حديث زيد في سنن أبي داود: [3/282]، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يستوفى، رقم [3499]، سنن البيهقي: [5/314]، كتاب البيوع، باب قبض ما ابتاعه جزافًا، سنن الدارقطني: [3/12]، رقم [34، 35، 36]، المستدرك: [2/40]، كتاب البيوع، صحيح ابن حبان: [7/229]، رقم [4963]، كتاب البيوع.

[44] سبق تخريجه ص [487].

[45] حديث ابن عباس متفق عليه: صحيح البخاري: [4/349]، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل قبضه، صحيح مسلم: [3/1159-1160]، رقم الحديث [1525].

[46] انظر: تهذيب السنن لابن القيم: [5/133].

[47] انظر: البحر المحيط للزركشي: [3/220]، حاشية العطار: [2/69 - 70].

[48] انظر: مجموع الفتاوى: [29/509].

[49] سبق تخريجه ص [244].

[50] انظر: معالم السنن: [3/116]،فتح الباري: [4/350].

[51] انظر: معالم السنن: [3/116]، فتح الباري: [4/349].

[52] انظر: تهذيب السنن: [5/133].

[53] الاختيارات: [126].

[54] انظر: مجموع الفتاوى: [29/513].

[55] انظر: الإنصاف: [ 4/475].

[56] انظر: الفروع: [4/134]، قواعد ابن رجب: [80، ق: 52]، الإنصاف: [4/461]، سيأتي بحث لهذه المسألة على وجه الاستقلال بإذن الله.

[57] انظر: التقرير والتحبير: [2/294]،حيث صرح بسبب الخلاف في المسألة عند الحنفية.

 

أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف