(11) ينقسم الجهاد إلى قسمين رئيسيين: فرض ونفل
أبو فهر المسلم
ينقسم الجهاد بحسب ذلك، إلى قسمين رئيسيين: فرض ونفل، فأما الفرض: فينقسم إلى، فرض عين، وفرض كفاية، وأما جهاد النفل: فكلُّ ما كان وراء ذلك مثل: بعث السرايا، وإظهار القوة.
- التصنيفات: فقه الجهاد -
أقسام الجهاد بالسيف من حيث: الأحكام التكليفية، وحال المُكلَّف، ينقسم الجهاد بحسب ذلك، إلى قسمين رئيسيين: (فرض ونفل).
فأما الفرض: فينقسم إلى، فرض عين، وفرض كفاية.
* فأما فرض العين، فيتعيّن الجهاد على كلّ مسلم بعينه، في الحالات الآتية:
- الأولى: إذا داهَم العدوّ أرضًا من بلاد المسلمين فإن الجهاد ها هنا يتعيّن على كل مسلمٍ مقيمٍ بهذه البلد، كلّ على قدر طاقته، وهذا هو جهاد الدفع، وقد سبقت أدلته في المنشور (8)، فمن تخلَّف عن هذا النوع من الجهاد؛ كان آثمًا.
- الثانية: إذا الْتَقى الجيشان، ودار القتال بين المسلمين وأعدائهم، فحينئذٍ يجب عينًا الثبات والقتال على من حضر المعركة، ويَحرم حينئذٍ عليه الانصراف أو الفرار، فإن فرَّ وتولَّى فهو آثم مرتكبٌ لكبيرة عظيمة، وفي مثله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ . وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15-16]، وفي مثله قال عليه السلام كما في الصحيحين: « » وذكر منها « ».
- الثالثة: عند استنفار الإمام شخصًا بعينه، أو طائفة بعينها فحينئذٍ يتعيّن الجهاد على من استنفرهم الإمام، ويجب عليهم طاعته، وكلّ من تخلَّف عن ذلك؛ فهو عاصٍ آثم، وفي أمثال هؤلاء ورد الذمّ في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ} حتى قال: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [التوبة من الآية:38-39]، وقال عليه السلام آمرًا كما في الصحيحين: « ».
- الرابعة: فرضٌ على إمام المسلمين بعينه، أو من يُنيب عنه أن يغزو الكفار طلبًا ولو مرَّة كلّ عام، إلا من عذر، -وقد ذكرتُ أدلة ذلك في كل مذهب، في المنشورين (8) و(10)-، فإن لم يفعل الإمام مع قدرته، ولم يخرج معه المسلمون؛ أثموا جميعًا.
قال ابن تيمية رحمه الله: "وأقلّ ما يجب على المسلمين أن يُجاهِدوا عدوَّهم؛ في كل عامٍ مرَّة، وإن تركوه أكثر من ذلك؛ فقد عصَوا اللَّهَ ورسولَه، واستحقُّوا العقوبة" (انظر: جامع المسائل).
- الخامسة وفيها شبَه مما سبق: إذا كان بالمسلمين قِلَّة في الدفع، وضعف في العموم، أو خذلانٌ وتفريط –كما هو واقعنا اليوم والله المستعان- وبلاد المسلمين، مُحتلّة مغصوبة مُستباحة، فيتعيّن الجهاد على المسلمين في كل بلد، وعلى كلّ مُعيّن منهم على قدر طاقته وقدرته –إلا من عُذرٍ شرعيّ-، حتى يكشف الله الكرب، ويُهزَم العدوّ، فمَن تخلَّف والحالة هذه ولا عذر له؛ فهو آثمٌ في الجملة، لأن الكفاية لم تحصل ببعض المسلمين.
* قال ابن الهمام رحمه الله: "فإن كان بأن هجموا على بلدة من بلاد المسلمين، فيصير من فروض الأعيان، فيجب على جميع أهل تلك البلدة النَّفر، وكذا من يقرب منهم إن لم يكن بأهلها كفاية، وكذا من يقرب ممَّن يقرب، إن لم يكن بمن يقرب كفاية، أو تكاسلوا أو عصوا، وهكذا إلى أن يجب على جميع أهل الإسلام شرقًا وغربًا" (انظر: فتح القدير).
* قال ابن عبد البرّ رحمه الله: "وكذلك كلّ من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم؛ لزمه أيضًا الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يَدٌ على من سواهم" (انظر: الكافي).
قلتُ: هذا إذا ما كانت بلدة من بلاد المسلمين مُحتلَّة، فكيف إذا صار ما هو كائنٌ اليوم، وكلّ ممالك المسلمين مُستباحة مَغصوبة، إما باحتلالٍ صريح، وإما بالوكالة؟! ولاحول ولاقوة إلا بالله.
* وأما فرض الكفاية: فهو ما عدا فرض العين، وقد سبق ذكرُ صُوره.
* وأما جهاد النفل: فكلُّ ما كان وراء ذلك مثل: بعث السرايا، وإظهار القوة.
قال ابن عبد البرّ رحمه الله: "وأما النافلة من الجهاد، فإخراج طائفة بعد طائفة، وبعث السرايا في أوقات الغِرَّة، وعند إمكان الفرصة والإرصاد لهم بالرباط في مواضع الخوف –وإظهار القوة-" (انظر: الكافي).
فليتقِ الله كلُّ مسلم، وليعلَم أين موقفه من ذروة سنام الإسلام.
فإما مُوفَّق فيَثبُت ويلزَم، وإما مُقصِّر فيتوب ويَندم.
ومنشورنا القادم، في شروط وجوب الجهاد، لنعلم المعذور من الموزور.