مصطلح (الإرهاب الجهادي) والجرأة على ثوابت الإسلام
حسن الخليفة عثمان
إن المرء يتساءل إذا كان ذروة سنام الإسلام قد صار مرادفًا أو نعتًا للإرهاب في المحافل الدولية والميديا العالمية، وبمباركة وموافقة أو صمت من بعض اتباعه؛ فماذا عسى أن يفعل أعداءه بعد هذه الخطوة؟
- التصنيفات: الواقع المعاصر - قضايا إسلامية معاصرة -
يقول الله عز وجل في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الطاهرين: {لَـٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التوبة:88].
ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:15].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قالَ:« » قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: « ». قلتُ: ثمَّ أيٌّ؟ قالَ: « ». قالَ: حدَّثَني بهنَّ، ولوِ استزدتُهُ لزادَني (متفق عليه. صحيح البخاري؛ برقم: [527]، صحيح مسلم؛ برقم: [85]).
وروى الحاكم في مستدركه في كتاب الجهاد بسند صحيح على شرط الشيخين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال لي: «
». قال: قلت: أجل يا رسول الله. قال: « » (سنن الترمذي؛ برقم: [2616]).قال رئيس الحكومة الاسبانية (ماريانو راخوي) في كلمته في اجتماع لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن الدولي بمدريد يوم الثلاثاء 29 تموز/يوليو الماضي لمكافحة ومعالجة قضية المقاتلين الأجانب: "إن (الإرهاب الجهادي) هو أحد أكبر التهديدات ضد السلم والأمن في العالم" انتهى كلامه.
حين تصبح كلمة الجهاد نعتًا وتابعًا للإرهاب، ويتم تسويق المصطلح بعد تأليفه واعتماده في قاموس المصطلحات، وإدراجه في البنية المعرفية وخارطة الإدراك الإنساني والمعرفي، وتداوله في ساحة المصطلحات التي مُنيت الأمة الإسلامية فيها بهزيمة ساحقة؛ فإن المرء يتساءل إذا كان ذروة سنام الإسلام قد صار مرادفًا أو نعتًا للإرهاب في المحافل الدولية والميديا العالمية، وبمباركة وموافقة أو صمت من بعض اتباعه؛ فماذا عسى أن يفعل أعداءه بعد هذه الخطوة؟
السؤال الثاني: متى نقر ونعترف أننا خسرنا جولة طال زمانها واتسع زمامها أمام حفنة من اللصوص الذين سرقوا عقل ووعي الأمة في لحظات انكسارها ودولة الأيام عليها؛ فتوسّدوا صدارتها، واحتكروا لأنفسهم ذروة سنام الإسلام، وتربّع حدثاء الأسنان على عروش عقولها، فوجدت الأمة نفسها أسيرة في سجون عقول وظلام من أطلقوا على أنفسهم (منظري التيار الجهادي)، ثم ظلت الأمة ترزح تحت نيران (جهاد التيار)، الذي يقاتل الروافض مرة ويقاتل أهل السنة مائة مرة، وتنعم في ظله العلوية بحياة هادئة في دمشق واللاذقية، وتُرمّل وتُثكّل وتُقتل في الرقة وفي مخيم اليرموك الموحدة السنية.
وتحت شعار (جهاد التيار) يتم قتل الخلائق على هوياتهم وجنسياتهم، ثم تكفير كل من يعمل موظفًا في جهاز حكومي يناصب التيار العداء، ثم تكفير جميع أفراد الأمة ممن لا يؤمن بهذا الفكر العفن والحكم عليهم بردتهم، ثم ينقلب بعضهم على بعض، ويكفّر ويلعن بعضهم بعضًا.
وحين ينظر المستثمر الأكبر الذي يدير البورصة الكبرى؛ فلا يجد سهمًا أنفع له من سهم (منظري التيار)، وغلمان التيار، وكل ذاتٍ لم تجد لها في الحياة متسعاً إلا في كنف التيار.
والدراسات النفسية ومعاهد الأبحاث العلمية جاهزة بالمقدمات والأسباب والنتائج، وإذا بالأمة كلها مخيّرة بين: إما أن تكون مع من يحارب التيار ويرتكب من العربدة وجرائم الإبادة من قصف الأطفال والمدنيين والنساء العزل ما يندى له الجبين، ويؤهله عند الشعوب والبسطاء لقبول الحكم عليه بالكفر والردة من قبل منظري وغلمان التيار، وإما أن يُتهم من المستثمر الأكبر وعملاءه وغلمانه أنه من التيار وأنه (جهادي) بعد أن أقنعهم أن (جهادي) هذه سبة وعار عليهم أن يثبتوا براءتهم منها؟
في تقديري ليس أمام الأمة سوى أن تواصل أو تبدأ المسير نحو طي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخها وتجاوز هذه المعادلة الخاسرة بطرفيها؛ سواء المدّعي -كذبًا وزورًا- للاعتدال والاستنارة المرتمي في أحضان الغرب ومسلم له زمام أمره مقابل إعادته لدوره في اللعبة وإعادة غنيمته المسلوبة منه مقابل أي شيء، ولو كان تقديم الأمة كلها كباش فداء وقرابين ليخرجوه من ورطته ويعيدوه إلى سابق عهده بعد أن لقنوه الدرس وقلموا له أظافره، أو الطرف الآخر التكفيري المجرم المبتدع الذي يقدم ضرب رقاب أمته على عدوها ويبني عروش سلطانه على جماجم وأشلاء الموحدين، ولا تمخر سفينته إلا في بحار الدماء المعصومة من المسالمين.
كم نفسًا بريئة وكم روحًا طاهرة زهقت بفتاوى جنرالات الفتاوى الذين تتوقف فتاواهم على قدر الحشود وارتفاع المنصات وعدد الكاميرات والميكروفونات؟
كم نفسًا بريئة زهقت وكم عرضًا استبيح في الجزائر تحت تأصيل وفتاوى (منظري التيار) والمعروفين بالاسم والرسم؟
كم جريمة قذرة ارتكبتها الأجهزة والمؤسسات الأمنية باسم التيار وتنسبها للتيار وما أسعد التيار! بها ثم تكتشف الأمة بعد حين من الدهر أنها أحداث كانت من إنتاج وإخراج المستثمر الأكبر باسم التيار ولا علاقة للتيار وغلمانه بها سوى التبني الكاذب لها؟
وحين يخرج علينا من أدمغة التيار التي بال الشيطان فيها، فلم يدع فيها للرشاد متسعًا، من يكفّر الدكتور (محمد العريفي) ويحكم بردته ويغرّد إليه ويقول له: "يا كافر يا مرتد". وما هذا إلا غيض من فيض رجسهم العقلي، وثمرة من ثمار ما بذره (منظرو التيار) الذين ارتد عليهم اليوم سحرهم، وذاقوا مما أذاقوه للأمة على يد غلمانهم التكفيريين، الذين يرون اليوم أنفسهم مرجعيات آن لها الدور في اعتلاء الكرسي الذي طال مكوث سلفهم عليه، بعد أن أصابهم مس من الحكمة المدّعاة التي يدعيها من بلغ من الدماء الثمالة.
إنني أتوجه بنداء عاجل إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وإلى جلالة ملك المغرب محمد السادس، وإلى السيد الرئيس الطيب أردوغان، وسمو أمير قطر الأمير تميم بن حمد، والرئيس عمر البشير -حفظهم الله جميعًا- وإلى كل مسئول مسلم غيور في العالم الإسلامي أن يكون لهم موقف واضح وحاسم من وصم ووصف ذروة سنام الإسلام بالإرهاب، هذه الجريمة النكراء والافتراء الممنهج على ثوابت الإسلام، الذي يرتكبه أعداء الإسلام وينشرونه في عقر دار الإسلام عبر غلمانهم المجهزين في كل زمان ومكان.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.