وقفات تدبرية في سورة السجدة (25)
أيمن الشعبان
- التصنيفات: التفسير -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [1].
بعد أن ذكر الله سبحانه حال الفريقين في الدنيا، المؤمنين والمشركين من حيث الإيمان بأمور الغيب من البعث والحساب، فيقضي بينهم القضاء الحق فيدخل المؤمنين الجنة والكافرين النار، يقول سبحانه { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [2]، من الاعتقادات والأعمال.[3]
وتأمل هنا أن الله تعالى ذكر لفظ الربوبية فقال {إِنَّ رَبَّكَ. .} [السجدة: 25] ولم يقُلْ: إن الله، والربوبية كما قُلْنا عطاء وتربية، وكأنه سبحانه يقول: اطمئنوا فالذي سيتولَّى مسألة الفصل هو ربكم.[4]
فلا منظمات ومحافل دولية تتدخل، ولا رؤساء ووجهاء وغيرهم، ولا حتى أنبياء وملائكة مقربون {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [5].
والخطاب للنبي والمراد أمته تحذيرا من ذلك وإيماء إلى وجوب تجنب الاختلاف الذي لا يدعو إليه داع في مصلحة الأمة وفهم الدين.[6]
ومن هداية الآية:
إن الله سبحانه هو القاضي العدل والحاكم المطلق بحق بين المؤمنين والكفار، فيجازي كلا بما يستحق، ويفصل بين المختلفين من أمة واحدة، كما يفصل بين المختلفين من الأمم.[7]
تقرير تطميني للنبي والمؤمنين وإنذاري للكفار بأن الله سيفصل بين الناس يوم القيامة في ما اختاروه من الطرق المختلفة حيث يحقّ الحقّ ويؤيد أهله ويزهق الباطل ويخذل أصحابه.[8]
فيها تخويف ووعيد شديد للناس كافة، بضرورة وأهمية الإيمان بالغيبيات، لأن من لم يؤمن سيقضي الله بينهم وبين المؤمنين يوم القيامة ثم يكبهم في جهنم.
فيها تخويف من خطورة الظلم، فمن ظلم وظن أنه لم يعاقب في الدنيا، فليعلم أن هنالك يوم آخر، سيفصل الله بين الخلائق جميعا.
الحذر من البدع والفرق والتسلح بالعلم، لأن الله يظهر المحق من المبطل يوم القيامة.
من أهم دلالات الآية ضرورة تجنب الاختلاف والفرقة حتى لا نتصف بأخلاق وصفات بني إسرائيل، الذين تميزوا بذلك.
أهمية تقديم مصلحة الدين العامة الشرعية، على المصالح الفئوية والفردية، من خلال فهم القواعد الكلية ومعرفة المقاصد الشرعية، وتقديم الأهم فالمهم وترتيب الأولويات.
من الأهمية بمكان على طالب العلم، معرفة الزمان الذي يعيش فيه، بالتالي تقوده تلك المعرفة، لتعامل أمثل وتحقيق مراد الله بحسب الأولويات، بغض النظر عن مجرد العلم النظري البعيد عن مراعاة الحال والزمان والمكان.
المذموم هنا الخلاف الذي يضاد الدين وأصوله، أما الاختلاف في فرعيات فقهية لها مسوغات واجتهادات فلا يدخل فيه فانتبه.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
24/8/2015
[1] (السجدة:25).
[2]( السجدة:25).
[3]ابن كثير.
[4]الشعراوي.
[5]( غافر:12).
[6]ابن عاشور.
[7]المنير للزحيلي.
[8]التفسير الحديث.