إياك أن تستخف بمن لم يعدد
محمد علي يوسف
إن أردت التعدد ورأيت في نفسك القدرة على الالتزام بضوابطه وشروطه فافعل؛ أنت حر، لكن ليتك تكون صريحًا مع نفسك ولا تتلبس بما لم تعط. والأهم إياك ثم إياك أن تحقر أو تستخف بمن لم يفعل.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
من الأمور التي تُضخم جدًا لدى قطاع كبير ممن يطلق عليهم لفظ (الالتزام) والتسنن تعدد الزوجات!
هذا التضخيم ليس فقط عمليًا ولكن أيضًا قوليًا؛ فلا يكاد التعدد يُذكر ولو على سبيل المزاح إلا وتجد الكثيرين وخصوصًا من الرجال قد تعالت صيحات التحسر من أفواههم وبدأت الإشارات الواضحة إلى رغبتهم العارمة في تطبيق ذلك التشريع والمسارعة إلى ذكر فوائده ومميزاته مع إبداء الحزن الشديد على ما آل إليه حال الأمة لما هجرت التعدد!
والحقيقة أن هذا التناول أراه قاصرًا جدًا وأخشى أن يحوي شيئًا من الهوى يتم تلبيسه بثياب الشرع. لقد عدَّد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يعدِّد. عدَّد بعد وفاة أمنا خديجة، ولم يعدِّد أبدًا في حياتها.
كل حال من الحالين إذن سنة ثابتة عنه. لا داعي إذن لذلك الإصرار المريب على قصر السنة على التعدد بل كما يقول المحققون من أهل العلم: التعدد تجري عليه أحكام الشرع الخمسة حسب حال الشخص نفسه.
وكأي تشريع محكم من رب العالمين للتعدد فوائد جليلة ويعد علاجًا لكثير من الأزمات المعاصرة؛ لكنه يظل علاجًا وليس العلاج. هو حل أحيانًا وليس الحل الوحيد لكل شيء.
المشكلة أن البعض يستنكف أن يعترف بحقيقة التعدد بالنسبة له سواء فعله أم لم يفعله. يستنكف أن يصارح نفسه أنه فقط يريده، يحبه، يشتهيه. وله ذلك فالأمر في نهاية الأمر أصله مباح، ولا ملام على من فعله ما دام يعدل ويضبط شهواته قدر وسعه بميزان الشرع.
لكن لماذا الكذب على النفس والإصرار على تكلف المبررات التي يشهد الواقع المعاصر أن الإخوة المعددين قليلا ما يتزوجون لأجلها. نعم، من خلال المشاهدات الواسعة والمشاكل التي تعرض علينا ولا نكاد نحصيها فإننا نخلص إلى أن النسبة الأكبر من المعددين لا يتزوجون لحل مشكلة العنوسة ولا للعناية باليتامى والأرامل بل وقليلا ما يتزوج الثانية ثيبًا أصلًا. حين يعدد فهو يبحث عن الجميلة أولا، صغيرة السن ثانيًا، مستقرة الظروف والأوضاع ثالثًا.
أكرر: لا ألومه على ذلك إن كان مباحًا في حقه وطبق ضوابطه وشروطه. الملام على من أصر أن يلبس الأمر ثياب التضحية لإنقاذ الأمة من مشاكلها وهو لا يقصد ذلك في حقيقة الأمر. الملام على من ظل يغطي رغبته الحقيقية التي لا يجرؤ على إشباعها بدعاوى إحياء السنة وإقامة التشريع المهجور. الملام على من صور المعدد على أنه بطل الأبطال المغوار ورمز الفحولة المذهل الذي يتمنى الجميع أن يكونوا مثله. الملام على من احتفوا بمقال ينبذ من لم يعدد وينتقص من رجولته ويراه رجلا مدجنًا (بل باللفظ الحقيقي الذي اقتضاه المقال رجل مخنث أو منسون) ضعيف الشخصية لا يستطيع رفع عينيه في زوجته لمجرد أن كاتبة المقال أنثى فيطيرون بالمقال من باب وشهد شاهد من أهلها! الملام على من ظن أن معيار الرجولة الوحيد هو التعدد وأن سبب الانبهار الرئيسي هو قدرة الرجل على الجمع بين الزوجات -بل والجواري إن وُجدن- بينما يحتقر بلسان حاله ذلك الرجل الذي يحسن عشرة زوجه أو يحاول وذلك لأن المسكين موحد لم يعدد ولم يرغب في التعدد!
إن أردت التعدد ورأيت في نفسك القدرة على الالتزام بضوابطه وشروطه فافعل؛ أنت حر، لكن ليتك تكون صريحًا مع نفسك ولا تتلبس بما لم تعط. والأهم إياك ثم إياك أن تحقر أو تستخف بمن لم يفعل.