أحكام جائرة وعدالة حائرة ومروءة غائبة

حسن الخليفة عثمان

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

أصدرت محكمة النقض في مصر حكما نهائيا برفض الطعن المقدم من مرشد جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع ونائبه المهندس خيرت الشاطر وستة عشر آخرين من قيادات الجماعة على قرار النيابة العامة بإدراجهم على قوائم " الإرهابيين " وفقا لقانون الكيانات الإرهابية.
وهذا الحكم الصادر من محكمة النقض يغلق الباب نهائيا من الناحية القضائية في ذلك القرار، ويجعله غير مطروح للرجوع فيه أو مناقشته قبل ثلاث سنوات على الأقل قابلة للتجديد، كما جاء في قرار النيابة العامة  الذي أيدته المحكمة، وذلك استناداً إلى الحكم الصادر بإدانتهم في قضية ما تُسمى بأحداث مكتب الارشاد.
من بين المدرجين في الأسماء الذين صدر عليهم الحكم مع الدكتور بديع والمهندس الشاطر والدكتور عصام العريان والدكتور البلتاجي  والدكتور محمود عزت وغيرهم - فك الله أسرهم جميعا- فضيلة المرشد السابق الأستاذ محمد مهدي عاكف –عافاه الله من كل سوء – وهذا هو السبب أو بيت القصيد من كتابة المقال.
بعد ذلك الحكم تم إحالة رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور «يوسف القرضاوي» مع أربعة قيادات بجماعة الإخوان المسلمين إلى القضاء العسكري، في قضايا جديدة بتهم جديدة بينها قتل العقيد وائل طاحون واستهداف منشآت عامة وخاصة، بحسب بيان النيابة المصرية!
ما نريد قوله في هذا الشأن متصل بما سلف لنا من مقالات في ذات السياق المتعلق بالبعد الإنساني أو بإنسانيتنا وبمروءتنا التي تتعرض كل يوم لاختبارات وانتكاسات؛ أسلفت بالذكر أنها كثيرا ما تُخيّر الإنسان بين أن يرحل كبيراً، وفيّاً لما يحمل من مبادئ وقيم؛ كما رحل الكبير عصام دربالة، أو يعيش صغيراً بين الجيف؛ كما يعيش الكثيرون من الصغار الذين قطنوا القاع فلم يعودوا يخشوا سقوطا.
إن الإصرار على توجيه المزيد من الإهانات لأمثال السيد الاستاذ مهدي عاكف والدكتور القرضاوي هو إصرار على إهانة كل من كان للمروءة والإنسانية في حياته مكان، وإن كنا نعلم أن ما يلحق بهم من محاولات النيل منهم فإنما شأنها شأن الذي ينثر التراب إلى السماء فيعود التراب عليه؛ وتبقى السماء ضاحكة السن بسّامة المحيّا.
سلوا الدعوات والاجتماعات الرمضانية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير بل وقبلها التي كان يقيمها هؤلاء " الإرهابيون " من ذا الذي كان يسعد بحضورها، ويحتفي بتلبية دعوتها، ويلقي من بليغ الثناء وفصيحه في حق هؤلاء " الإرهابيين " ، أما تذكرون لهم شيئاً مما كان بينكم وبينهم من خبز وماء ، أما تذكرون لهم شيئاً مما كان منهم من عفو وفداء؟
إن لجوء هؤلاء إلى رفع دعاوى الطعن والنقض أمام قضاء خصومهم؛ إنما هو في جوهره رسالة لا يخطئ فهمها لبيب، فلماذا هذا الإمعان في السقوط أمام هذه الرموز التي تُصابر وترابط لتختم ما بقي لها من حياة بخاتمة الكبار الذين عاشوا كباراً ويريدون أن يرحلوا كباراً، فلماذا الإسراف في إزعاجهم بأفعال الصغار وأخلاق الصغار.
إن جريمة تصفية تسعة قيادات من جماعة الإخوان المسلمين من بينهم النائب البرلماني الشهيد –بإذن الله- ناصر الحافي رحمه الله في عملية وحشية بشعة وهم عزل مجتمعون يتدارسون كفالة الأرامل والمصابين والأسرى؛ فيتم تصفيتهم ثأراً وانتقاماً لعملية اغتيال النائب العام التي ثبت أنهم لا علاقة لهم بها بعدما أعلن مرتكبوها عن أنفسهم؛ إنما هي تأسيس لمنطق جديد في الصراع القائم نأمل ونرجو ألا يكون منهجاً قد تم اعتماده في سياق الجنون والجموح الذي تُدار به الدولة المصرية في عهدها الحالي.
ما نراه الآن من حسابات ورهانات لطرفي معادلة الصراع القائم في مصر وما جدّ فيها من مستجدات في الآونة الأخيرة وما ترتب عليها من إعادة نظر كل فريق في ترتيب أوراقه واختيار مساراته من وجهة نظرنا أنها ليست قريبة من الصواب؛ ليس لأنها من نتاج العقل الذي صنع الكارثة أو الأزمة ويصر بل يقاتل لأن يكون الحل بيده وبنفس منهجه فقط؛ وإنما لغياب وانعدام القدرة على اتخاذ القرار المناسب زماناً ومكاناً، والذي تتجلى معالم الصدق فيه بالبدء بمحاسبة النفس قبل الهروب إلى المطالبة بمحاسبة الغير الذي ألقى بأصحاب الحق في فتنة لم يستطيعوا أن يكونوا فيها بررة أتقياء أمام فجرة أقوياء.