القراءة عمارة العقول (1)
أمين أمكاح
تعد القراءة اللبنة الأساس لكل علم، ومفتاح تفتح به الممتلكات الفكرية لكل فرد، لكونها عملية تعليمية فعالة
- التصنيفات: الواقع المعاصر -
الإنسان يبذل وسعه وجهده ووقته الكثير وحساباته الدقيقة في هندسة المباني والمصانع والأجهزة، ولكن في اعتقادي أن عمارة العقول هي الأولى فهندستها تحتاج لاهتمام أكبر لعظم قيمتها.
العقل هو جوهر الإنسان، فلا فائدة من الأبنية الشامخة، ولا المصانع الخارقة، ولا التكنولوجيا المبهرة إن لم نستطع بناء عقول نيرة وقوية وتشكيل عقليات ناضجة وسليمة بعيدًا عن الجهل والعشوائية والنظرة السطحية التي تقبع وتعشعش في عقول الكثير منا، وهذا لا يتم إلا بفعل القراءة لأنها الطريقة السليمة في بناء العقول المتميزة.
إذاً، أين تكمن مركزية وأهمية القراءة في حياة الإنسان؟
مركزية القراءة وأهميتها في حياة الإنسان:
تعد القراءة اللبنة الأساس لكل علم، ومفتاح تفتح به الممتلكات الفكرية لكل فرد، لكونها عملية تعليمية فعالة، وباعتبارها مهارة تمكننا من استخراج المعنى من المعلومات أي من الكلمات المكتوبة أو المطبوعة، وهي جوهر استخلاص للمعلومات، ويكفينا دليلاً على ذلك أنها أول ما أمر به الرسول: وأول ما أنزل عليه كما قال تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:1-4].
ولأهمية القراءة وطلب العلم أخبر أن طلب العلم فريضة على كل مسلم. ولا شك أن من أهم أسبابه القراءة، ولولا القراءة لم يتعلم الإنسان ولم يحقق الحكمة من وجوده على هذه الأرض وهي عبادة الله وطاعته وعمارة هذه الأرض.
ثم إن القراءة تمكن الإنسان من التعلم بنفسه والاطلاع على جميع ما يريد معرفته من دون الاستعانة بأحد في كثير من الأحيان.
ولا تقتصر القراءة على تنمية حصيلة المفردات واستيعابها أي الزيادة من حجم القاموس اللغوي للفرد فقط، فهي تلعب دورًا رئيسًا في رفع القدرة على تقوية الذاكرة والعقل للحصول على الكثير من المعرفة وتنظيمها أحسن تنظيم.
كما تزودنا القراءة بالحكمة النفيسة والغالية، فهي خير أداة للاستكشاف الدائم، انطلاقًا من كونها رمزًا من رموز المعرفة النافعة، فكل واحد ابن قراءاته، وبفعلها تبنى وتتشكل شخصية الفرد، ولها الدور الهام كذلك في تحديد ميولاته واتجاهاته.
تتمتع القراءة بمزايا عديدة لا يمكن حصرها، والتي من خلالها تبرز مركزيتها وأهميتها في الحياة، ويمكن إجمال تلك الخصائص في النقط الأتية:
- القراءة من أهم عوامل الإنماء البشري واستكشاف المستقبل ولا يمكن أن نتصور أي تقدم اجتماعي من غير زيادة الوعي الجماهيري لمعنى القراءة كقيمة حضارية لها آلياتها وغياتها.
- نافذة الإنسان على الدنيا، يطل منها على كل شيء، ويرى منها الحياة والأحياء، ويطلع على الكون.
- ظاهرة إنسانية من خواص الإنسان وحده، ولازمة لرقيه، وما يبذله الإنسان فيها يعتبر جهدًا نافعًا وضروريًا؛ لكي يتمتع بإنسانيته، ويحقق غاية الخلق فيه.
- تتميز بالبقاء ودوام الاقتناء، وحرية الاختيار دون تقييد.
- أنها متعة عظيمة بسعر رخيص، ولا تقيد الإنسان بزمان ولا مكان، فالقارئ يستطيع القراءة متى شاء وأين شاء.
- تنقل القارئ من عالمه الضيق إلى عالم أوسع أفقًا، فهي من أهم الوسائل التي تعالج ضيق الأفق، إذ تجعل من الرجل محدود التفكير رجلا واسع الأفق بعيد النظر.
- تخلق نوع من التعلم الذاتي وتنمي هذه المهارة التي أصبحت من أهم ركائز التطور ومواكبة مجريات العصر.
- مصدر رئيسي للنمو اللغوي للفرد، ووسيلة اتصال أساسية للتعلم والتعرف على الثقافات والعلوم الأخرى الموجودة.
- تقوي شخصية الإنسان ومعلوماته وخبراته من خلال ما يقرأه عن تجارب الآخرين في شتى مجالات الحياة، وتعطي للفرد القدرة على التعبير الصحيح والسليم والذي يساعده في مناقشة الآخرين في مواضيع مختلفة.
- تمنح فرصة لاستثمار واستغلال الوقت وعدم هدره في ما لا ينفع.
- من أهم الأمور الرئيسية لبناء الحضارات وتطورها، فالشخص الذي يريد أن يبدع في مجال معين عليه بالقراءة والتركيز على المجال الذي يريد أن يبدع فيه ويزيد من خبراته عن طريقها وتطبيق ما يقرأه على أرض الواقع، فنحن في عصر ثورة التكنولوجيا والإنترنت أصبحت فكرة التعلم سهلة جدًا لا تحتاج الى تعب فقط هي تحتاج إلى أفراد يريدون التعلم وكسب الخبرات وزيادة الفرصة المتاحة لهم باستثمارها بما ينفعهم في العلم الذين يريدون أن يتعلموا منها.
- تساعد في اكتساب المهارات ومعرفة الصناعات النافعة، فهي وقود العقل البشري وأكسجين الدماغ.
- من أقوى الأسباب لعمارة الأرض والوصول إلى العلوم المؤدية لذلك.
- تنمي مهارة التفكير الناقد والخيال الخصب، والاستمرار والمواظبة عليها فتمنح الفرد متعة متجددة وسجية راسخة، باعتبارها وسيلة نافعة من وسائل السعادة وتهذيب الأخلاق.
كل البشر على هذه الأرض على اختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم وألوانهم، يدركون مركزية وأهمية القراءة في الحياة ولا ينكرونها، لكن أغلب الناس بالرغم من ذلك لا يمارسونها، وذلك لأنه وبحسب ما يقوله علم النفس فإن كل إدراك عقلي مهما كان نوعه، لا يصبح محل تطبيق إلا حين يكون مرتبطًا بشكل وثيق بحاجة أساسية من الحاجات التي أوردها العالم الأمريكي أبراهام ماسلو (1908 - 1970) في نظريته الشهيرة عن سلم الحاجات. وكذلك القراءة، فما لم يشعر الإنسان بأنها ترتبط بحاجة من حاجاته الأساسية مثل حاجاته الفيزيولوجية أي حصوله على المأكل والمشرب والمسكن وما أشبه، أو حاجته للإشباع الاجتماعي كحصوله على الأصدقاء والأحبة، أو حاجته للشعور بتقدير الأخرين له والإشادة بفضله، أو أخير حاجته لتحقيق ذاته والنجاح في الحياة وبالتالي شعوره بالرضا عن نفسه، فإنه لن يمارسها ولن يحرص عليها.