وقفات تدبرية في سورة السجدة (26)
أيمن الشعبان
@aiman_alshaban
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ } .[1]
ما سيذكره الله أمر متعلق بالسمع، بالتالي يحتاج لمزيد تدبر للانتفاع به، وهذا لا يحصل إلا بإعمال القلب وهدايته، لذلك قال {أولم يهد لهم } ، وهذا يتناسق ويتناسب مع موضوع السورة الخضوع ومادتها اليقين فتأمل.
ولما كان قرب شيء في الزمان أو المكان أدل، بين قربهم بإدخال الجار فقال: {من قبلهم} أي لأجل معاندة الرسل {من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها، وربما كان قرب المكان منزلاً قرب الزمان لكثرة التذكير بالآثار، والتردد خلال الديار.
ولما كان انهماكهم في الدنيا الزائلة قد شغلهم عن التفكر فيما ينفعهم عن المواعظ بالأفعال والأقوال، أشار إلى ذلك بتصوير اطلاعهم على ما لهم من الأحوال، بقوله: {يمشون} أي أنهم ليسوا بأهل للتفكر إلا حال المشي {في مساكنهم} لشدة ارتباطهم مع المحسوسات، وذلك كمساكن عاد وثمود وقوم لوط ونحوهم. ولما كان في هذا أتم عبرة وأعظم عظة، قال منبهاً عليه مؤكداً تنبيهاً على أن من لم يعتبر منكر لما فيه من العبر: {إن في ذلك} أي الأمر العظيم {لآيات} أي دلالات ظاهرات جداً، مرئيات في الديار وغيرها من الآثار، ومسموعات في الأخبار.
أهمية الاستفادة من قصص من مضى من الأمم والوقوف على أحوالهم وما صنعوا ومآلهم.
من الضروري عند سماع أخبار السابقين ومصارع الغابرين، تدبرها وتأملها واستخراج الفوائد واستنباط العبر والانتفاع منها في حياتنا عسى أن تكون لنا واعظ ومنزجر.
ينبغي معرفة أحوال الأقوام التي أهلكها الله لتجنب فعالهم والابتعاد عما يوصل إلى غضب الله ومقته.
الإنسان في هذه الدنيا سيرحل، وأفسد معتقد للإنسان أن يظن أن وجوده أصليا دائما في الدنيا، والصحيح هو وماله وذريته وكل ما يملك هو سيزول إذن هو مستخلف في الأرض كما قال تعالى( هو الذي جعلكم خلائف في الأرض ).
من مصلحتنا أن يُبيِّن الله لنا عاقبة المكذبين؛ لأنه ينبهنا إلى الخطر قبل أنْ نقع فيه.[3]
النظر في ديار الهالكين مما يورث اليقين في القلب والخضوع لله تعالى.
لابد من تعاهد القلب وتذكيره وعظته بأن هذه الدنيا فانية، حتى يبقى رقيقا ولا يغفل عن الله.
كان ابن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادي بصوت حزين فيقول: أين أهلك؟ ثم يرجع إلى نفسه فيقول {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} .
ثمود قوم صالح وهود قوم عاد مدن اندثرت وحضارات اندحرت، طواها التراب وما زالت الآثار شاهدة وما زالت سطور مكتوبة تحكي قصة هؤلاء الذين دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها .
فكم من قوم كانت آمالهم لا نهاية لها، وأعمالهم وأفكارهم كثيرة، ثم أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر.
في كل بلد ومدينة قصة، ومطلوب منا أن نسير في الأرض وأن ننظر ونبحث ونتحرى ونتقصى ونتعلم ونتعرف {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} .
من دلالات الآية أن الضر والنفع بيد الله، فيهلك ما يشاء من القرى بعد تحقق أسباب ذلك، ويبقي غيرها دون عذاب.
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.
[1] [ السجدة:26] .
[2]الشعراوي.
[3]الشعراوي.