البنيان والجسد الواحد
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فوالله لقد أدمى قلوبنا، وأبكى عيوننا، وأفض مضاجعنا، وأحزننا حزنا لا مزيد عليه ما حصل لإخواننا في غزة، فوالله إنه لعار على المسلمين جميعا، وضربة في كبد الإسلام موجعة، فيا سبحان الله أما آن للعملاق النائم أن يستيقظ من رقدته؟ أما آن للأسد الغافل أن يصحو من غفلته؟ فإلى متى هذا الذل؟ وإلى متى هذا الخنوع والخضوع؟ إلى متى ونحن تقتل منا الملايين ولا يتحرك لنا قلب، ولا ينبض لنا عليهم عرق؟ إلى متى ونحن نهان في هذه الأرض ونحن الأكثر عددا والأقوى دينا والأثبت عقيدة؟ أما آن أن نفيق من هذا السبات الذي طال زمانه؟ والله لقد عظم الخطب، واشتد الكرب، واعتدى بنو صهيون على إخواننا ونحن نرى ونقلب الأيدي بلا حراك، ولا معونة ولا نصر، تبا لنا إن كنا على هامش الحياة، وتبا لنا إن ماتت نخوتنا ودفنت كرامتنا، وتبا لنا إن كنا نعاين الذل والهوان فنرضى أن نعيش تحت جناحه، والله ما كنا نظن أننا سنكون بهذا الضعف والاستصغار من قبل أعدائنا، قتل في وضح النهار أمام عين المليار، طائرات تقصف المدنيين العزل، وقنابل تهوي من السماء على الأطفال الرضع والأشياخ الركع، ورصاصات بنادق تغور في أجساد إخواننا المسلمين هناك، ولا جرم لهم إلا أنهم يقولون: "ربنا الله" والمجرم يضحك على هذه الأشلاء المتمزقة، والقطع المتفرقة هنا وهناك، ولا يزيده بكاء الأرامل والعجائز إلا علوا وعزة وسموا وراحة، ألا فلعنة الله على اليهود، والغريب أننا لا نزال ندعو إلى السلام مع بني صهيون، ألا فلا نامت أعين الجبناء، أي سلام؟ بل هو الذل والقهر والهوان والعار وخفة العقل والشنار، سلام مبناه على أن نكون عبيدا لهم، سلام مبناه على أن نسلم رقابنا وقوتنا وعدتنا وعتادنا لهم، سلام على أن يكونوا هم السادة ونحن الخدم، هذا هو ما ندعو إليه؛ فالحلول السياسية ما نفعت بل ما زادت الأمر إلا تأزما وضيقا وضعفا، ولا حل للأمة للخروج من هذه الضائقة إلا برفع علم الجهاد، ومحاربة الأعداء، والرد عليهم بنفس السلاح، وأما الدعاوى العريضة والوعود الكاذبة فلا والله فإنها هواء وسراب لا تسمن ولا تغني من جوع، والمهم أنه لا بد من وقفة صادقة مع إخواننا في غزة وفلسطين بعامة، ولا بد من اجتماع الكلمة واتحاد الصف ورفع راية الجهاد في سبيل الله تعالى ولا بد من مطالبة الحكومات بوقف هذا العدوان الفاجر على إخواننا، ولا بد من رفع الحصار عنهم، هذا أمر لا بد من القيام به وإلا فإن الله تعالى سائلنا عن هذه الدماء يوم القيامة، وسائلنا عن حمل هم إخواننا المستضعفين ماذا قدمنا لهم؟ وإننا إن سكتنا عن نصرة إخواننا اليوم فغدا سيصلنا ما وصلهم؛ عقوبة من الله ونكالا، فلا بد من إيقاف اليهود عند حدهم، ولا بد من إظهار القوة لردعهم، ولا بد من الوقوف في وجوههم وقفة صادقة لله تعالى، والله تعالى هو مولانا وربنا وناصرنا.
فلا بد من الثقة بالله، ثم يذكرنا هذا بوجوب التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والآثام؛ فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، ولا بد من مراجعة النفس وتزكية الأخلاق وتصحيح السير إلى الله تعالى بتصحيح العقيدة، ولا بد من مطالبة الشعوب لحكوماتها بالرفق والأدب بنصر إخواننا في فلسطين وعدم اللهث وراء الحلول التي ما نفعت، ولا بد من تحقيق مبدأ الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ومن حقوق المسلم على المسلم أن لا يسلمه أي يسلمه لما يؤذيه وأي إيذاء بعد ما فعله بنو صهيون بإخواننا هناك، وإنني بهذه المناسبة المحزنة أوجه كلمة لمختلف الجهات فأقول:
أيها المنكوبون في غزة قلوبنا معكم، وأنظارنا لكم، ودعواتنا تترى بنصرتكم، فنوصيكم بالصبر واحتساب الأجر، والتحلي بالإيمان والتقوى؛ فإن الناصر هو الله، والمعز هو الله، والرافع هو الله، فالأمور كلها بيده جل وعلا، فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وكونوا إخوة متآلفين متحابين، أزيلوا ما بين بعضكم من الأحقاد والمعاداة فهذا أوان الوحدة والوقوف معا وهذا أوان الجهاد والصبر، وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، والعاقبة للمتقين، والله يدافع عن الذين آمنوا لأنه مولاهم وأما الكافرون فلا مولى لهم، لا تيأسوا من رحمة الله ولا من نصره ولا من دفاعه؛ فإن للباطل جولة وللحق جولات، وإذا اشتدت ظلمة الليل اقترب الفجر، وإذا ظهر الظلم قرب النصر، الله معكم ولن يتركم أعمالكم، واعلموا أنكم إن تألمون لقتلاكم فإنهم يألمون كما تألمون ولكنكم ترجون من الله ما لا يرجون، فلكم الجنة ولهم النار، ولكم العز ولهم الذل، ولكم العلو والرفعة أحياء وأمواتا ولهم الخزي والعار أحياء وأمواتا، ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا؛ فاليهود هم الأذلون المطرودون الملعونون وأنتم الأقوياء الأعزاء، فالعبرة بما في قلوبكم من التوحيد والإيمان والتقوى، فالصبر الصبر، وأحسن الله عزاءكم في موتاكم، ونسأل الله تعالى أن يجعلهم في عداد الشهداء وأن يرفع نزلهم ويغفر لهم، ونسأله جل وعلا أن يعجل بشفاء مرضاكم، وأن يحسن عزاء أسر الموتى.
ثم أقول: أيها الرؤساء والقادة إن ما فعله اليهود في غزة يتنافى مع الدين والفطرة والعقل ويتنافى مع النظام الدولي والاتفاقات ويتنافى مع الأخلاق والقيم الإنسانية فأين دوركم في هذه الأزمة؟ نحن لا نكتفي منكم بالشجب والاستنكار فقط بل لا بد من خطوات عملية تخفف مصاب إخواننا وترد لهم اعتبارهم وترجع لهم حقوقهم وتجعلهم يعيشون في ديارهم آمنين مطمئنين كسائر الشعوب في الدول، لا بد من خطوة تنهي هذا الألم وتحيي في القلوب الأمل وترفع الظلم وتعيد المياه إلى مجاريها فإن الله تعالى قد استرعاكم أمور المسلمين وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فاتقوا الله ولا تختلفوا وكونوا يدا واحدة في صد هذا العدوان، الله الله في نصرة إخواننا في غزة فقد بلغ بهم الضيق والكرب ما لا وصف له فلا بد من دور فعال على كافة الأصعدة.
ثم أقول: أيها العلماء والدعاة إن دوركم في هذه الأزمة دور كبير؛ وذلك بتبصير الناس بحقيقة الحال وبيان المخرج الصحيح من هذه الأزمة، وحث الناس على الإكثار من الدعاء والالتزام بالشرع، ومخاطبة الولاة وتذكيرهم بما يجب عليهم في مثل هذه الأزمات، والوقوف معهم صفا واحدا ويدا واحدة في مواجهة هذا العدوان السافر الفاجر، وإصدار الفتاوى المنددة بهذا الهجوم القذر، وعقد المجالس العلمية في إصدار البيانات التوجيهية، فأنتم من ولاة الأمر شرعا ولا يقصر دوركم عن دور الملوك والأمراء في البلاد.
ثم أقول: أيها الإعلاميون الله الله في بيان الصدق وتجلية الحال على ما هي عليه، والله الله في التحاليل الصحفية الهادفة الصادقة التي روعي فيها جانب الإخلاص وعدم المجاملة؛ فإن الكلمة أمانة والله سائلكم عن هذا المنبر الذي تعملون فيه فاتقوا الله تعالى فيما تقولون، واحذروا من التصريحات التي لا يراد من ورائها إلا زعزة الأمن والثقة في أهل الإسلام، فهذا أوان انتفاع الأمة بأقلامكم وكلماتكم، وأنتم على ثغر عظيم، فإياكم إياكم أن يؤتى الإسلام من قبلكم.
ثم أقول: أيتها الشعوب الإسلامية إن ما جرى لإخواننا في غزة لهو نذير شر على كل الدول الإسلامية فلا بد من أخذ الحيطة والحذر من الانخراط وراء الدعايات الكاذبة والسلام المزيف، عضوا على الكتاب والسنة وتمسكوا بمنهج سلف الأمة؛ فإنه لا نجاة لنا من هذه الأزمة إلا بالرجوع إلى الله تعالى بالتوبة الصادقة النصوح، وبترك الذنوب والآثام، فلا بد أن تكونوا مع حكوماتكم يدا واحدة متفقين متآلفين على الحق، احذروا الخلاف والفرقة؛ فإن الخلاف والفرقة شر ودمار، تناصحوا فيما بينكم، واطلبوا العلم الذي به سلامة العمل وحياة القلوب، واسعوا حثيثاً في تربية أولادكم على الالتزام بالدين ومحبة الخير، علموهم نصرة إخوانهم المستضعفين، وأحيوا في قلوبهم مبدأ الأخوة الإيمانية التي هي فوق كل اعتبار، وأكثروا من الدعاء والابتهال إلى الله تعالى بنصرة إخوانكم هناك في غزة، في صلواتكم وخلواتكم وفي ثلث الليل وفي الأوقات التي ترجى فيها الإجابة، واعلموا أن المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه وإخوانكم في غزة ينتظرون منكم مد يد العون بالدعاء والمال فأروا الله تعالى من أنفسكم خيرا، واحذروا رحمكم الله تعالى من تفسيرات أهل الجبن والخور ممن لا يريد أن ينصر إخوانه من أن اليهود إنما تسلطوا من أجل ما فعلته حماس من إرسال صواريخها على تل أبيب، هذا تفسير أهل الخذل والخور والضعف والاستكانة؛ فإنه يريد أن يبرر لنفسه عدم النصرة بأسباب لا حقيقة لها؛ لأنه أصلا ضعيف جبان عاجز عن النصرة، ومهما كانت الأحوال فالحرب الآن تدور على إخواننا المسلمين، فلا بد من موالاتهم والوقوف معهم ومواساتهم، ومد يد العون لهم، وإمدادهم بالسلاح والقوة، وإغاثة لهفتهم، ونحن نشهد الله تعالى أننا معهم قلباً وقالبا بنصرتنا وبمالنا وبجهدنا ودعائنا وبكل ما آتانا الله تعالى من قوة، فالصبر الصبر يا أهل العزة في غزة فالنصر قادم والله مولاكم وبيده تصريف الأمور والأحوال، أسأله جل وعلا باسمه الأعظم أن يرفع عنكم الضر عاجلا وأن يرحم شهداءكم ويرفع نزلهم في الفردوس الأعلى وأن يشفي مرضاكم ويعجل بنصركم ويثبت أقدامكم ويعلي رايتكم ويكبت عدوكم ويجعله عبرة للمعتبرين، اللهم أهلك عدوهم وزلزل الأرض من تحت أقدامهم ولا ترفع لهم راية واجعلهم لمن بعدهم عبرة وآية، اللهم أرنا في اليهود عجائب قدرتك وشدة بأسك التي لا ترد عن القوم المجرمين آمين آمين آمين.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الشيخ
وليد بن راشد السعيدان
المصدر: منقول