حتى لا نغفل عن فضل العشر الأولى من ذي الحجة
مع حلول شهر ذي الحجة، وفي هذا الشهر الحرام: الأيام المعلومات والأيام المعدودات. فالأيام المعلومات هي العشر الأولى منه والأيام المعدودات هي أيام العيد من اليوم العاشر إلى الثالث عشر.
- التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -
قريب من نصف هذا الشهر أيام مباركة مفضلة على غيرها، والمسلم إذا اقترب منه موسم من مواسم الخير يتهيأ له حتى يغتنم ما فيه من فضل وحتى لا نغفل عن فضل هذه الأيام المقبلة كان هذا التوجيه.
فضل العشر من ذي الحجة:
- أقسم الله تعالى بهذه العشر في قوله عز من قائل: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2]، وجمهور المفسرين من السلف وغيرهم أنها العشر الأولى من ذي الحجة، وإقسام الحق سبحانه وتعالى بها تنويه بقدرها وفضلها ولفت النظر إليها.
- سماها سبحانه وتعالى بالأيام المعلومات: في قوله جل ذكره: { وَيَذْكُرُوا اسْم اللَّه فِي أَيَّام مَعْلُومَات عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَة الْأَنْعَام} [الحج:28]، وجمهور العلماء أنها العشر الأولى من ذي الحجة وهو قول عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس.
- أن فيها يومين عظيمين هما يوم التاسع والعاشر: يوم عرفة ويوم النحر، فيوم عرفة يوم المغفرة والدعاء، ويوم النحر: يوم الحج الأكبر ويوم عيد الأضحى وهو أفضل أيام السنة عند طائفة من العلماء.
ولأن هذه الأيام بهذه المكانة فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح فيها دون أن يسمي نوعا منه دون آخر، ولا شك أن في هذه العشر، تجتمع الصلاة والصيام والحج والصدقة وغيرها، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « »؛ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: « » (رواه البخاري).
ومن الأعمال التي يستحب القيام بها في هذه العشر:
- الصيام: و هو من أفضل الأعمال الصالحة، و في الحديث المتفق عليه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى: « »؛ وفي الحديث الآخر: « » (متفق عليه)؛ ومن أيام العشر: يوم عرفة وهو التاسع، وقد جاء في صيامه فضل خاص، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
فمن قدر على صيام العشر كلها فهو الأفضل ومن لم يصمها كاملة فليصم منها ثلاثة أيام أو يوم عرفة، فقد أمر النبي صلى الله عليه و سلم عبد الله بن عمرو أن يصوم من الشهر ثلاثة أيام تكون عند المداومة عليها كصيام الدهر.
ومع الصيام أنواع الطاعات الأخرى مثل تلاوة القرآن وحفظه وتفسيره ، والذكر الكثير وإطعام الطعام والإحسان إلى الوالدين والأقارب والزوجة والأبناء والجيران، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها، فإن الصوم ترك وهذه الأعمال فعل.
- الصلاة: بالمحافظة عليها في مواقيتها وشهودها مع جماعة المسلمين في المساجد والاجتهاد بعد أداء الفرائض في الإكثار من النوافل نهارا وليلا، فان الصلاة فريضة الله على عباده كل يوم خمس مرات، وما تقرب العبد إلى ربه بأفضل مما فرض عليه، ولا يزال يتقرب إليه بالنوافل حتى يحبه كما جاء في الحديث الصحيح.
- الذكر بأنواعه: من التكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والاستغفار والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، و إن من أعظم الذكر: تلاوة القرآن الكريم، وحضور مجالس العلم التي يتلى فيها كتاب الله عز وجل، وتتلى فيها أحاديث رسوله صلى الله عليه و سلم وتبين فيها أحكام الحلال والحرام، وتذكر فيها أسماء الله الحسنى وصفاته وآياته وبيناته.
وقد جاء فضل ذلك كله، فكيف إذا كان في الأوقات الفاضلة مثل هذه العشر التي تقارن بالعشر الأخيرة من رمضان.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: « » (رواه أحمد)، وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما؛ (رواه البخاري)؛ وقال: وكان عمر يكبر في قبته بمِنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج مِنى تكبيرا، وكان ابن عمر يكبر بمِنى في تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعا.
- الدعاء: ومن الذكر: الدعاء، فهو العبادة، وهذه الأيام أيام دعاء. إذا كان فيها المسلم صائما قائما ذاكرا متصدقا فليكثر من الدعاء وخاصة في يوم عرفة، ففي الحديث: « » (صحيح الجامع) – ولم يخصه بالحجاج وحدهم – وتتمة الحديث « ».
- الحج والعمرة لمن قدر عليهما: فإن الحج لا يكون إلا في الأيام المعلومات والمعدودات وهي في هذا الشهر من الثامن إلى الثالث عشر والعمرة للمتمتع تسبق الحج ويمكن أن يفرد العمرة وحدها في هذه الأيام.
ويشارك المسلمون الحجاج في نسك الذبح، ومن أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره من أول الشهر إلى أن يذبح أضحيته فإنها سنة لكنه لا يشارك الحجاج بقية محظورات الإحرام الأخرى.
وغني عن البيان أن هذه الأيام الفاضلة ليست لفعل شيء من المنكرات، فإذا أقبل المسلم على الطاعات فليكن مقرونا بالبعد عن المعاصي والذنوب، باطنها وظاهرها، علانيتها وسرها، وليراقب قلبه ولسانه وسمعه وبصره ويديه ورجليه وفمه وفرجه، حتى لا يخدش الإثم ما قدم من البر، وفي الحديث « » (رواه البخاري ومسلم)، وشهر ذي الحجة معدود في الأشهر الحرم، فله حرمة الشهر الحرام كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة:36]؛ وشهر ذي الحجة منها، فهو شهر حرام لا يحل فيه الظلم سواء كان ظلما للنفس أو ظلما للغير.
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في خطبة الوداع: «
وإن الحسنات لتضيع من صاحبها يوم القيامة إذا جاء وقد ضرب هذا وشتم هذا وأكل مال هذا، فالواجب عليه أن يعمل الصالحات ويصون ثوابها كي لا يضيع منه.
- إطعام الطعام وإنفاق المال: فهما من العمل الصالح، وفعل ذلك في الأوقات الفاضلة أعظم أجرا وثوابا، فإذا صلى وصام وذكر الله تعالى ودعا ثم أطعم الطعام وأنفق المال فقد جمع بين عبادة البدن وعبادة المال، وإذا تقرب إلى الله تعالى بالفرض والنفل وعمل البر واجتنب الإثم فقد حاز الخير من جميع جوانبه إن شاء الله تعالى.
_______________________
محمد عزالدين توفيق