صيود الأوراد(7): ذلك الكتاب!
أبو محمد بن عبد الله
إنه ذلـــــــــــــــك الكتاب البعيد الرفعة والعظمة؛ والذي لو تمسَّكت به البشرية لاهتدت وسعدت، ولو تمسَّكت به هذه الأمة لانتصرت وتمكَّنت، ولَمَا ضُرِبت عليها الذِّلة والمسكنة في ديارها، ولو اقتبست منه أخلاقها ومناهج حياتها لاقتبست رفعةً مِن رفعته، وعلوًّا مِن علوِّه، وعظمةً مِن عظمته، وحِفظًا مِن حفظه، وهيمنة على الأمم مِن هيمنته على جميع الكتب المُنزلة على سابق الأمم!
- التصنيفات: القرآن وعلومه - قضايا إسلامية -
قوله تعالى: {ذلك الكتاب}[البقرة: 2].
لفت نظري التعبير باسم الإشارة {ذلك}، حيث عَدَل عن إشارة القريب إلى البعيد!
و{ذلـــــــك} اسم إشــارة، والإشارة حسب بُعد المشار إليه ثلاثة أنواع:
ذا، وذاك، وذلك، والأخير لأبعدها!
ورغم أن كثيرًا من المفسرين قالوا: {ذلك} بمعنى هذا، كما قال ابن عباس ترجمان القرآن: ذلك: أي هذا الكتاب؛ أي القرآن!
في حين وقف آخرون على المعنى اللغوي لاسم الإشارة (ذلك)، إشارة إلى الكتاب البعيد؛ فقالوا: اللوح المحفوظ؛ لأنه الكتاب البعيد.
ولا أُراه كذلك، لأن في سياق الآية أن الكتاب هُدًى للمتقين، وإنما اهتداء المتقين بما في هذا الكتاب المنزَّل عليهم، وليس المحفوظ في اللحوح المحفوظ، ثم إن إقامة الحُجَّة على الناس بما بين أيديهم من الكتاب، لا بما في اللوح المحفوظ.
نعم؛ إن الإشارة بــ {ذلــك} إلى هذا الكتاب، القرآن الكريم، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن في اللغة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؛ فلا شكَّ أن هناك بُعدًا عَدَل التعبير القرآنيُّ إليه ليُبرِزَه أو يقرره...
فأي بُعد لهذا الكتاب الذي بين أيديهم مرقومٌ أو في صدورهم محفوظٌ؟!
إنه البُعد المعنوي، الذي يشير إلى بُعد العظمة والإحكام والبيان والاتفاق، ولو لم يكن هو لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.
إنه ذلـــــــــــــــك الكتاب البعيد الرفعة والعظمة؛ والذي لو تمسَّكت به البشرية لاهتدت وسعدت، ولو تمسَّكت به هذه الأمة لانتصرت وتمكَّنت، ولَمَا ضُرِبت عليها الذِّلة والمسكنة في ديارها، ولو اقتبست منه أخلاقها ومناهج حياتها لاقتبست رفعةً مِن رفعته، وعلوًّا مِن علوِّه، وعظمةً مِن عظمته، وحِفظًا مِن حفظه، وهيمنة على الأمم مِن هيمنته على جميع الكتب المُنزلة على سابق الأمم!
أخي المسلم، قارئ القرآن؛ كلما افتتحت سورة البقرة، وقرأت هذا الحرف بالذات، فقِف عنده، وانظر بعين قلبك إلى رفعة هذا الكتاب وعظمته، لتدرك قَدْرَ الحَظْوة التي نالتها هذه الأمةُ من بين الأمم ببركة هذا الكتاب وبركة الرسول الذي أُنزل إليه، فاللهم ارزقنا شكر نعمتك، وأن نقدر هذا الكتاب حق قدْرِه.
20 ّـ 9ـ 2015