موقف عباس العقاد من قضية صلب المسيح
محمد جلال القصاص
وتدبر هذه الكلمات للعقاد: "ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه
التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية" (3)،
ويتكلم بعد ذلك عن (قبر) المسيح ـ عليه السلام ـ هل هو في فلسطين أم
في كشمير؟!!...
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
بسم الله الرحمن الرحيم
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النصارى يقولون بأن المسيح ـ عليه السلام ـ قبض عليه بعد أن خانه أحد تلاميذه (يهوذا الإسخريوطي)، وسيق مقيداً في أغلاله، يُبصق في وجهه، ويُصفع على قفاه، ويستهزئ به، ثم حاكموه، وصلبوه وقتلوه على الصليب. هذا ما يقوله النصارى في قضية الصلب، ويقولون أن كل ذلك تم من أجل افتداء الناس من الخطيئة!!
وقضية الصلب التي يتكلم عنها النصارى تواجه عدداً من المشاكل التي لا يوجد لها حل إلى الآن.
ـ منها : أن الخطيئة يقولون عنها لا محدودة وتحتاج إلى فداء لا محدود.. تحتاج أن يموت (الله) كي يكفر عن خطايا البشر؛ إذاً كي يتم الفداء لا بد أن يموت (الله ). فهم بين أمرين إما أن يقولوا ما مات الله، وبهذا تكون عقيدتهم فاسدة لأن الفداء لم يتم، أو يقولون مات الله، وهو قول لا يُقبل، ولا يرتضونه هم أنفسم!!، ولذا لم تذهب حيرتهم إلى الآن.
ـ ومنها أن قضية الصلب من أجل الفداء على الصورة التي يتكلم عنها النصارى تكررت من قبل كثيراً، وقد سبق بيان ذلك.
ـ ومنها أن المسيح ـ عليه السلام ـ لم يتكلم عن الفداء، ولا عن أن النجاة بالإيمان، وإنما بالأعمال.. كل ذلك جاء بعد رفع المسيح ـ عليه السلام ـ بقرون.
ـ وأكبر التحديات التي تواجه قضية الفداء والصلب هو إنكار العليم الخبير لها في كتابه المجيد، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء: 156-157].
نطرح على العقَّاد هذا السؤال: هل قبض على المسيح؟، وحوكم؟، ثم صلب؟، كما حاولوا أن يقولوا بذلك في كتابهم؟، أم أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم كما يذكر القرآن العظيم؟
العقاد محتار لا يعرف إجابة؟!!
إي والله، هذا المسلم محتار!!
يقول في كلامه عن الصلب وهو في آخر كتابه ـ حياة المسيح أو عبقرية المسيح حسب الطبعة الأولى ـ: "ففي حادثة الاعتقال لا يدري متتبع الحوادث من اعتقله؟، ومن دل عليه؟، وهل كان معروفاً من زياراته للهيكل، أو كان مجهولاً لا يهتدى إليه بغير دليل؟".
هنا شيء عجيب يثبت لك أن العقاد دائماً يبحث عن الغريب وبسطحية عجيبة جداً. نسأل: لم الحيرة؟
لو كان الرجل يعتمد على كتاب النصارى فإنه سيصرح سريعاً بأن الذي اعتقله هم يهود بعد أن دلَّهم عليه يهوذا الإسخريوطي، وأنه حوكم في الهيكل من قبل يهود، وأن يهود تجمعت تهتف (اصلبه) حتى قتل وصلب، أو صلب ثم قتل كما يقول كتابهم.
ولو كان عباس العقاد يعتمد على كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقال بقول الله {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [النساء: 157].
أو يقول بما ورد في السنة النبوية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ - وَهُمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - مِنْ عين في الْبَيْتِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا إنَّ مِنْكُمْ مَنْ سَيَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِي، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ سَيُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلَ مَكَانِي وَيَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟، فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ ذَاكَ، قَالَ: فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى.
قَالَ: وَرُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ رَوْزَنَةٍ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ إلَى السَّمَاءِ، قَالَ: وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ فَأَخَذُوا الشَّبِيهَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ صَلَبُوهُ، وَكَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِهِ" (1)
ولكن العقَّاد وقف حائراً.
كيف وقف حائراً؟!... لا أدري.
لم يكن إنجيل يهوذا (2) قد ظهر بعد حتى نقول جاءه بعض الشك!!
ولا يستطيع أي باحث أن يقف حائراً فإن كان معوجاً في بحثه مال للقوم وقال بقولهم، وإن كان مستقيماً جاء إلينا وقال بقول العليم الخبير سبحانه وتعالى وعز وجل، أما العقاد فهو كيان مستقل مخالف دائماً، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!!
ـ وتدبر هذه الكلمات للعقاد: "ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية" (3)، ويتكلم بعد ذلك عن (قبر) المسيح ـ عليه السلام ـ هل هو في فلسطين أم في كشمير؟!!
ما الفرق بين قوله هذا وقول طه حسين: "للقرآن أن يحدثنا كما يشاء عن إبراهيم وإسماعيل ولنا أن نصدق أو لا نصدق"؟!
وإن قيل: أنه يقول المصادر التاريخية، وهذا صحيح، فالمصادر التاريخية لم تتكلم عن المسيح ـ عليه السلام ـ بقليل أو كثير، فقط جاء ذكره في كتاب النصارى.
قلنا هذه حيرة أخرى وعوج آخر في التفكير عند العقاد؛ فهو من قبل شدَّ واشتد على هؤلاء المؤرخين أن لم يذكروا المسيح وراح يتهمهم ويشكك في نزاهتهم ويقول يهود في عصر الرومان لذا لم يكتبوا عن المسيح ـ عليه السلام ـ ، وأكد على أن كتاب النصارى مصدر من مصادر التاريخ، وهو عوج آخر لو حاكمت العقاد إلى كلامه، ثم الآن يشكك في الجميع ويتجاهل القرآن!!
كتاب (عبقرية المسيح) أو (حياة المسيح) ـ عليه السلام ـ جاء متأخراً عن عبقرية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعقد من الزمن أو يكاد ،وقبيل وفاة عباس العقاد، فهل يعني هذا أن العقاد كان نصرانياً؟
العقاد لم يكن نصرانياً، بل كان منتسباً للإسلام يفاخر به أحياناً، كل ما هنالك أن العقاد مشاغب، يقف دائماً وحيداً إن تكلم عن النصرانية أو تكلم عن الإسلام، إن كان في الأدب أو كان في الفكر.
هذا هو العقاد لم ينصر إسلاماً ولم يغظ كفراً، وإنما أضاع جهده ونفسه في إثبات ذاته ومناطحة أقرانه، وأضاع وقتنا في الرد عليه.
=================================
(1) مصنف ابن أبي شيبة - (ج 11 / ص 546).
(2) اكتشف مؤخراً إنجيل يهوذا الإسخريوطي في السبعينات ( 1972م) في محافظة المنيا في مصر، وظهر من قريب فقط!!، وفيه تكذيب لثوابت النصرانية ومنها أن يهوذا خائن كما يدعون، وفيه توضيح لنص إنجيل يوحنا المُشكل (ما كنت ستفعله فافعله الآن) وفيه تعضيد لقول العليم الخبير بأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه له، وفيه بيان لمشكلة النصارى الأبدية وهي التوثيق لعقائدهم وتاريخهم ، وفيه بيان لطريقتهم في اختيار كتبهم، وهي فقط بالتشهي فليس ثم ضوابط تنطبق على المقبول ولا تنطبق على المرفوض، وهو إحدى الانشقاقات الفكرية التي لا تنتهي داخل النصرانية، ونفسي لا تطاوعني في تبرئة يهود من حبس إنجيل يهوذا ثم إخراجه بعد عقود من اكتشافه ونشره بين الناس.. دوامة جديدة للفكر النصراني كما هي عادة يهود مع الأمميين.
(3) موسوعة عباس العقاد الإسلامية ج1 /737 .ط . دار الكتب لبنان.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النصارى يقولون بأن المسيح ـ عليه السلام ـ قبض عليه بعد أن خانه أحد تلاميذه (يهوذا الإسخريوطي)، وسيق مقيداً في أغلاله، يُبصق في وجهه، ويُصفع على قفاه، ويستهزئ به، ثم حاكموه، وصلبوه وقتلوه على الصليب. هذا ما يقوله النصارى في قضية الصلب، ويقولون أن كل ذلك تم من أجل افتداء الناس من الخطيئة!!
وقضية الصلب التي يتكلم عنها النصارى تواجه عدداً من المشاكل التي لا يوجد لها حل إلى الآن.
ـ منها : أن الخطيئة يقولون عنها لا محدودة وتحتاج إلى فداء لا محدود.. تحتاج أن يموت (الله) كي يكفر عن خطايا البشر؛ إذاً كي يتم الفداء لا بد أن يموت (الله ). فهم بين أمرين إما أن يقولوا ما مات الله، وبهذا تكون عقيدتهم فاسدة لأن الفداء لم يتم، أو يقولون مات الله، وهو قول لا يُقبل، ولا يرتضونه هم أنفسم!!، ولذا لم تذهب حيرتهم إلى الآن.
ـ ومنها أن قضية الصلب من أجل الفداء على الصورة التي يتكلم عنها النصارى تكررت من قبل كثيراً، وقد سبق بيان ذلك.
ـ ومنها أن المسيح ـ عليه السلام ـ لم يتكلم عن الفداء، ولا عن أن النجاة بالإيمان، وإنما بالأعمال.. كل ذلك جاء بعد رفع المسيح ـ عليه السلام ـ بقرون.
ـ وأكبر التحديات التي تواجه قضية الفداء والصلب هو إنكار العليم الخبير لها في كتابه المجيد، قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [سورة النساء: 156-157].
نطرح على العقَّاد هذا السؤال: هل قبض على المسيح؟، وحوكم؟، ثم صلب؟، كما حاولوا أن يقولوا بذلك في كتابهم؟، أم أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم كما يذكر القرآن العظيم؟
العقاد محتار لا يعرف إجابة؟!!
إي والله، هذا المسلم محتار!!
يقول في كلامه عن الصلب وهو في آخر كتابه ـ حياة المسيح أو عبقرية المسيح حسب الطبعة الأولى ـ: "ففي حادثة الاعتقال لا يدري متتبع الحوادث من اعتقله؟، ومن دل عليه؟، وهل كان معروفاً من زياراته للهيكل، أو كان مجهولاً لا يهتدى إليه بغير دليل؟".
هنا شيء عجيب يثبت لك أن العقاد دائماً يبحث عن الغريب وبسطحية عجيبة جداً. نسأل: لم الحيرة؟
لو كان الرجل يعتمد على كتاب النصارى فإنه سيصرح سريعاً بأن الذي اعتقله هم يهود بعد أن دلَّهم عليه يهوذا الإسخريوطي، وأنه حوكم في الهيكل من قبل يهود، وأن يهود تجمعت تهتف (اصلبه) حتى قتل وصلب، أو صلب ثم قتل كما يقول كتابهم.
ولو كان عباس العقاد يعتمد على كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقال بقول الله {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً} [النساء: 157].
أو يقول بما ورد في السنة النبوية عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلَى السَّمَاءِ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ - وَهُمَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً - مِنْ عين في الْبَيْتِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً ، فَقَالَ لَهُمْ: أَمَا إنَّ مِنْكُمْ مَنْ سَيَكْفُرُ بِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِي، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ سَيُلْقَى عَلَيْهِ شَبَهِي فَيُقْتَلَ مَكَانِي وَيَكُونُ مَعِي فِي دَرَجَتِي؟، فَقَامَ شَابٌّ مِنْ أَحْدَثِهِمْ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ عِيسَى: اجْلِسْ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ الشَّابُّ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: نَعَمْ أَنْتَ ذَاكَ، قَالَ: فَأُلْقِيَ عَلَيْهِ شَبَهُ عِيسَى.
قَالَ: وَرُفِعَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مِنْ رَوْزَنَةٍ كَانَتْ فِي الْبَيْتِ إلَى السَّمَاءِ، قَالَ: وَجَاءَ الطَّلَبُ مِنَ الْيَهُودِ فَأَخَذُوا الشَّبِيهَ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ صَلَبُوهُ، وَكَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً بَعْدَ أَنْ آمَنَ بِهِ" (1)
ولكن العقَّاد وقف حائراً.
كيف وقف حائراً؟!... لا أدري.
لم يكن إنجيل يهوذا (2) قد ظهر بعد حتى نقول جاءه بعض الشك!!
ولا يستطيع أي باحث أن يقف حائراً فإن كان معوجاً في بحثه مال للقوم وقال بقولهم، وإن كان مستقيماً جاء إلينا وقال بقول العليم الخبير سبحانه وتعالى وعز وجل، أما العقاد فهو كيان مستقل مخالف دائماً، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء!!
ـ وتدبر هذه الكلمات للعقاد: "ولا نستطيع كما أسلفنا أن نقرر على وجه التحقيق من الناحية التاريخية كيف كانت نهاية السيرة المسيحية" (3)، ويتكلم بعد ذلك عن (قبر) المسيح ـ عليه السلام ـ هل هو في فلسطين أم في كشمير؟!!
ما الفرق بين قوله هذا وقول طه حسين: "للقرآن أن يحدثنا كما يشاء عن إبراهيم وإسماعيل ولنا أن نصدق أو لا نصدق"؟!
وإن قيل: أنه يقول المصادر التاريخية، وهذا صحيح، فالمصادر التاريخية لم تتكلم عن المسيح ـ عليه السلام ـ بقليل أو كثير، فقط جاء ذكره في كتاب النصارى.
قلنا هذه حيرة أخرى وعوج آخر في التفكير عند العقاد؛ فهو من قبل شدَّ واشتد على هؤلاء المؤرخين أن لم يذكروا المسيح وراح يتهمهم ويشكك في نزاهتهم ويقول يهود في عصر الرومان لذا لم يكتبوا عن المسيح ـ عليه السلام ـ ، وأكد على أن كتاب النصارى مصدر من مصادر التاريخ، وهو عوج آخر لو حاكمت العقاد إلى كلامه، ثم الآن يشكك في الجميع ويتجاهل القرآن!!
كتاب (عبقرية المسيح) أو (حياة المسيح) ـ عليه السلام ـ جاء متأخراً عن عبقرية محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعقد من الزمن أو يكاد ،وقبيل وفاة عباس العقاد، فهل يعني هذا أن العقاد كان نصرانياً؟
العقاد لم يكن نصرانياً، بل كان منتسباً للإسلام يفاخر به أحياناً، كل ما هنالك أن العقاد مشاغب، يقف دائماً وحيداً إن تكلم عن النصرانية أو تكلم عن الإسلام، إن كان في الأدب أو كان في الفكر.
هذا هو العقاد لم ينصر إسلاماً ولم يغظ كفراً، وإنما أضاع جهده ونفسه في إثبات ذاته ومناطحة أقرانه، وأضاع وقتنا في الرد عليه.
=================================
(1) مصنف ابن أبي شيبة - (ج 11 / ص 546).
(2) اكتشف مؤخراً إنجيل يهوذا الإسخريوطي في السبعينات ( 1972م) في محافظة المنيا في مصر، وظهر من قريب فقط!!، وفيه تكذيب لثوابت النصرانية ومنها أن يهوذا خائن كما يدعون، وفيه توضيح لنص إنجيل يوحنا المُشكل (ما كنت ستفعله فافعله الآن) وفيه تعضيد لقول العليم الخبير بأنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه له، وفيه بيان لمشكلة النصارى الأبدية وهي التوثيق لعقائدهم وتاريخهم ، وفيه بيان لطريقتهم في اختيار كتبهم، وهي فقط بالتشهي فليس ثم ضوابط تنطبق على المقبول ولا تنطبق على المرفوض، وهو إحدى الانشقاقات الفكرية التي لا تنتهي داخل النصرانية، ونفسي لا تطاوعني في تبرئة يهود من حبس إنجيل يهوذا ثم إخراجه بعد عقود من اكتشافه ونشره بين الناس.. دوامة جديدة للفكر النصراني كما هي عادة يهود مع الأمميين.
(3) موسوعة عباس العقاد الإسلامية ج1 /737 .ط . دار الكتب لبنان.
المصدر: طريق الإسلام