(13) الزكاة والحكمة من تشريعها
بعض الفوارق بين الزكاة والصدقة والحكمة من تشريع الزكاة.
- التصنيفات: فقه الزكاة -
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
الزكاة وتعريفها
الزكاة لغة: النماء والريع والبركة والتطهير.
انظر: (لسان العرب [358/14])، (فتح القدير [399/2]).
وأما تعريفها شرعًا:
فالزكاة: هي التعبد لله عز وجل بإعطاء ما أوجبه من أنواع الزكوات إلى مستحقيها على حسب ما بينه الشرع.
الفروق بين الزكاة والصدقة
وأما الفرق بين الزكاة والصدقة فكما يلي:
[1]- الزكاة أوجبها الإسلام في أشياء معينة وهي: الذهب والفضة والزروع والثمار وعروض التجارة وبهيمة الأنعام وهي الأبل والبقر والغنم. وأما الصدقة: فلا تجب في شيء معين بل بما يجود به الإنسان من غير تحديد.
[2]- الزكاة: يشترط لها شروط مثل الحول والنصاب، ولها مقدار محدد في المال. وأما الصدقة: فلا يشترط لها شروط، فتعطى في أي وقت وعلى أي مقدار.
[3]- الزكاة: أوجب الله أن تعطى لأصناف معينة فلا يجوز أن تعطى لغيرهم، وهم المذكورون في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60]. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى لمن ذكروا في آية الزكاة ولغيرهم.
[4]- من مات وعليه زكاة فيجب على ورثته أن يخرجوها من ماله وتقدم على الوصية والورثة. وأما الصدقة: فلا يجب فيها شيء من ذلك.
[5]- مانع الزكاة يعذب كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه [987] عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
وأما الصدقة: فلا يعذب تاركها.
[6]- الزكاة: على المذاهب الأربعة لا يجوز إعطاؤها للأصول والفروع والأصول هم الأم والأب والأجداد والجدات، والفروع هم الأولاد وأولادهم. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للفروع والأصول.
[7]- الزكاة: لا يجوز إعطاؤها لغني ولا لقوي مكتسب. عن عبيد الله بن عدي قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فيهما البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال: « ». (رواه أبو داود [1633]، والنسائي [2598]). والحديث: صححه الإمام أحمد وغيره. انظر: (تلخيص الحبير [108/3]). وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للغني والقوي المكتسب.
[8]- الأفضل في الزكاة أن تؤخذ من أغنياء البلد فترد على فقرائهم. بل ذهب كثير من أهل العلم أنه لا يجوز نقلها إلى بلد آخر إلا لمصلحة. وأما الصدقة: فتصرف إلى القريب والبعيد.
[9]- الزكاة: لا يجوز إعطاؤها للكفار والمشركين. وأما الصدقة: فيجوز إعطاؤها للكفار والمشركين، كما قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8]، قال القرطبي: والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا مشركًا.
[10]- لا يجوز للمسلم أن يعطي الزكاة لزوجته، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك. وأما الصدقة: فيجوز أن تعطى للزوجة.
هذه بعض الفوارق بين الزكاة والصدقة، وتطلق الصدقة على جميع أعمال البر، قال البخاري رحمه الله في صحيحه: باب كل معروف صدقة، ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ». قال ابن بطال: دل هذا الحديث على أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له به صدقة. وقال النووي: قوله صلى الله عليه وسلم: « » أي: له حكمها في الثواب.
الحكمة من تشريع الزكاة
أولًا:
يجب أن يُعلم أن الله تعالى لا يشرع شيئًا إلا وهو متضمن لأحسن الحكم، ومحقق لأحسن المصالح، فإن الله تعالى هو العليم، الذي أحاط بكل شيء علماً، الحكيم، الذي لا يشرع شيئًا إلا لحكمة.
ثانيًا:
وأما الحكمة من تشريع الزكاة، فقد ذكر العلماء حكما كثيرة لذلك، منها:
الأولى: إتمام إسلام العبد وإكماله ؛ لأنها أحد أركان الإسلام، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه.
الثانية: أنها دليل على صدق إيمان المزكي، وذلك أن المال محبوب للنفوس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر، بل ابتغاء محبوب أكثر منه، ولهذا سميت صدقة ؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل.
الثالثة: أنها تزكي أخلاق المزكي، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء ؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل، سواء بذل علم، أو بذل مال، أو بذل جاه، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخرًا عن الصيد يضيق صدره، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته.
الرابعة: أنها تشرح الصدر، فالإنسان إذا بذل الشيء، ولاسيما المال، يجد في نفسه انشراحًا، وهذا شيء مجرب، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له.
وقد ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه، فلن ينتفع بهذا البذل.
الخامسة: أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل « » ( صحيح البخاري) فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك، فأنت تحب أن تعطيه أخاك، فتكون بذلك كامل الإيمان.
السادسة: أنها من أسباب دخول الجنة، فإن الجنة « » (الترغيب والترهيب)، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة.
السابعة: أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة، فيعطف فيه القادر على العاجز، والغني على المعسر، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخوانًا يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص:77]. فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي، والزكاة هي خير ما يكون لذلك ؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة، وينفع إخوانه.
الثامنة: أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء ؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب، ويسكن ما يشاء من القصور، ويأكل ما يشتهي من الطعام، وهو لا يركب إلا رجليه، ولا ينام إلا على الأرض وما أشبه ذلك، لا شك أنه يجد في نفسه شيئًا. فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم، وقالوا: لنا إخوان يعرفوننا في الشدة، فيألفون الأغنياء ويحبونهم.
التاسعة: أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو، وما أشبه ذلك ؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم.
العاشرة: النجاة من حر يوم القيامة، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: « » صححه الألباني في (صحيح الجامع [4510])، وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: « » (متفق عليه).
الحادية عشرة: أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه ؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقيها، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه.
الثانية عشرة: أنها تزكي المال، يعني تنمي المال حسًا ومعنى، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: « » (رواه مسلم [2588])، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق، أو خسائر كثيرة، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالًا كثيرة.
الثالثة عشرة: أنها سبب لنزول الخيرات، وفي الحديث: « » صححه الألباني في (صحيح الجامع [5204]).
الرابعة عشرة: « » كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، صححه الألباني في (صحيح الجامع [3759]).
الخامسة عشرة: أنها تدفع ميتة السوء.
السادسة عشرة: أنها تتعالج (أي تتصارع) مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض.
السابعة عشرة: أنها تكفر الخطايا، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: « » صححه الألباني في (صحيح الجامع [5136]).
انظر: (الشرح الممتع [6/4-7]).
والله تعالى أعلى وأعلم.