مَن جرّأ الصهاينة على الأقصى؟
والإسلامي عموماً، والذي ازداد سوءاً على ما يبدو بعد إجهاض ثورات ما يسمى (الربيع العربي) التي كانت ترجو الخلاص من حقبة المتاجرة بالقضية الفلسطينية بالشعارات الكاذبة، إلا أن التآمر الصهيوني الصفوي الغربي مع الدولة العميقة في تلك الدول قد أحبط تلك الطموحات والآمال.
- التصنيفات: قضايا إسلامية -
"اقتحم مجموعة من الصهاينة بينهم مسؤولون حكوميون باحات المسجد الأقصى ودنسوا حرمته بحماية مجموعة من الجنود والشرطة الصهيونية"، عبارة أصبحت شبه يومية على وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن هنا لم يكن جديداً ما وقع بالأمس وصباح اليوم من اقتحام معتاد من قبل قوات الاحتلال، فقد أكد مراسلون اقتحام قوة صهيونية صباح اليوم الاثنين حرم المسجد الأقصى للمرة الثالثة خلال 24 ساعة، إلا أنها كانت هذه المرة أشد عنفاً وأكثر دلالة على نوايا اليهود تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا، حيث يتعمد جنود الاحتلال على إخراج المرابطين داخل ساحات الأقصى، وإغلاق الأبواب المؤدية إليه لمنع وصول المصلين في الفترة الواقعة ما بين الساعة 7 صباحا والساعة 11 عشر ظهراً، بهدف تخصيص هذا الوقت للجماعات الاستيطانية.
نعم.. لقد تفرد اقتحام الأمس واليوم بكثرة أعداد المقتحمين من الصهاينة، حيث بلغ عددهم أكثر من ألف، منهم 180 مستوطناً ونحو 850 سائحاً من جنسيات مختلفة بينهم يهود، وعلى رأسهم وزير الزراعة الإسرائيلي (أوري أرئيل) الذي يعتبر من أكبر داعمي الاستيطان.
كما انفرد هذا الاقتحام بشدة العنف المستخدم ضد المعتكفين والمرابطين داخل المسجد، الذين واجهوا هذه الاقتحام بكل صمود وعزيمة، فما كان من قوات الاحتلال إلا أن تجرأت على حرمة المسجد الأقصى وحرمة من فيه من المرابطين والمعتكفين، حيث أشعلت النيران داخل المصلى القبلي فيه، وتم تدمير أكثر من 32 من نوافذ المسجد دمرت بالكامل أو لحقت بها أضرار، ناهيك عن إطلاق الرصاص والغازات والرصاص المطاطي وقنابل الصوت، مما أدى لإصابة أكثر من 100 فلسطيني، تنوعت حالاتهم الصحية بين اختناق بغاز الفلفل وقنابل الغاز وحروق في الأرجل نتيجة لإلقاء قنابل الصوت عليهم، الأمر الذي يجعل من هذه الأحداث غير مسبوقة منذ عام 1969م كما أكد رئيس قسم المخطوطات والتراث في المسجد الأقصى رضوان عمر.
لم تكن قوات الاحتلال الصهيوني لتتجرأ على مثل هذه الانتهاكات لولا الوهن والضعف والتمزق العربي والإسلامي عموماً، والذي ازداد سوءاً على ما يبدو بعد إجهاض ثورات ما يسمى (الربيع العربي) التي كانت ترجو الخلاص من حقبة المتاجرة بالقضية الفلسطينية بالشعارات الكاذبة، إلا أن التآمر الصهيوني الصفوي الغربي مع الدولة العميقة في تلك الدول قد أحبط تلك الطموحات والآمال؛ لقد كشفت هذه المواجهة العنيفة التي اندلعت بالأمس في المسجد الأقصى الكثير من الحقائق أهمها:
1- أن على رأس من جرأ الصهاينة على مثل هذه الاعتداءات غير المسبوقة على المسجد الأقصى إنما هم أزلامه وعملاؤه الرافضة والنظام النصيري في سورية، الذين يزعمون منذ عقود من الزمان أنهم محور مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وممانعة أطماعه في الدول العربية والإسلامية.
ففي الوقت الذي تنتهك فيه حرمة المسجد الأقصى على أيدي اليهود منذ سنوات وآخرها الأمس واليوم، ما زالت قوات محور المقاومة والممانعة المزعوم مشغولة بقصف السوريين وقتلهم وتهجيرهم من أرضهم في كل من الزبداني والغوطة الشرقية وحمص وحلب ودرعا وغيرها من الأراضي السوري، ولا غرابة في ذلك فتحرير القدس كما يزعم دجاجلة المقاومة يمر بالزبداني والغوطة الشرقية وغيرها من المدن السورية الثائرة، وعلى الرغم من أن هذا الدجل والمتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل هؤلاء الأفاكين كان مفضوحاً ومكشوفا منذ فترة طويلة، حيث لم تطلق رصاصة واحدة من النظام النصيري السوري ضد الاحتلال على جبهة الجولان السوري المحتل طوال أربعة عقود من حكم آل الأسد، إلا أن هذه الحقيقة ازدادت وضوحا مع انطلاق الثورة السورية، حيث لم يرد النظام النصيري على غارات الاحتلال الصهيوني المتكررة، ولن يرد كما أكدت مصادر استخباراتية صهيونية بينما كان رده على مطالب الشعب السوري المشروعة بالأسلحة التقليدية والكيماوية والغازات السامة التي لم تبق حجرا على حجر في كثير من المدن والقرى.
2- لا يمكن إغفال دور سلطة رام الله في هذه الجرأة الصهيونية غير المسبوقة على المسجد الأقصى، فهي لم تكتف بالاستمرار في التنسيق الأمني بينها وبين قوات الاحتلال الصهيوني واستخباراته، بل تجاوزت ذلك إلى ملاحقة المقاومين الفلسطينيين من حركة حماس والجهاد الإسلامي، واعتقال الكثير منهم في الضفة الغربية، ناهيك عن التحريض ضد المقاومة وكأنها هي العدو الحقيقي وليس الصهاينة المحتلين!
3- وإذا أضفنا إلى سبق ما حدث في مصر منذ 3 يوليو عام 2013م، وتطور العلاقات الصهيونية المصرية الذي توج منذ أيام بإعادة فتح السفارة الصهيونية في القاهرة بعد إغلاقها منذ عام 2011م، في مقابل توتر العلاقة بين حركات المقاومة في غزة وبين السلطات المصرية الجديدة؛ فإن لهذا الأمر بلا شك دور كبير في جرأة الصهاينة على المسجد الأقصى ومقدسات المسلمين.
4- أخيراً لا بد من التذكير بالتقصير الكبير من الدول والمنظمات الإسلامية السنية بحق المسجد الأقصى، فلا يكفي في مثل هذه المواقف التنديد والاستنكار -هذا إن حصل- فالموقف يحتاج إلى جعل القضية الفلسطينية وتحرير المسجد الأقصى من يد اليهود على رأس أولويات السياسة العربية الإسلامية، وريثما يحصل ذلك لا بد من دعم واضح وصريح للمقاومة الفلسطينية باعتبارها الوسيلة الأنجع لردع الصهاينة وليس مناصبتها العداء والتحريض عليها، ناهيك عن دعم المرابطين والمعتكفين في المسجد الأقصى الذين يثبتون في كل مرة أنهم حائط الصد الأخير أمام تقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا، بعد أن تجاوز الصهاينة على ما يبدو جميع الحواجز لتنفيذ هذا المخطط الخبيث.
زياد الشامي