بيان بشأن التدخل الروسي في سوريا
فإن هذه الأمة أعظم وأقوى من أن يستأصلها عدو غاشم، والله أرحم بها من أن يجمع عليها عذاباً عاماً، وعذاباً من عدوها، وفي الحديث : «لَنْ يَجْمَعَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ سَيْفَيْنِ، سَيْفًا مِنْهَا، وَسَيْفًا مِنْ عَدُوِّهَا» (رواه أحمد وأبو دَاوُدَ وغيرهما).
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد،،
فلم تكن مفاجأة أن تدخل روسيا بنفسها الحرب العسكرية الظالمة على أهل سوريا الأبية، بعد أن دعمت نظامها الطائفي الإجرامي بكل خبراتها العسكرية وإمكانياتها الاقتصادية والسياسية؛ كما لم تكن مفاجأة أن يعلنوها حرباً مقدسة تذكر بحروبهم الصليبية القديمة، وصدق الله تعالى: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِير} [البقرة: 120]، ومالهم من غاية إلا ما ذكر الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
وإزاء هذه النازلة فإن رابطة علماء المسلمين تتوجه إلى الأمة بالبيان التالي:
أولا: لقد تواطأ الصليبيون والصهاينة والرافضة عالميا، على ألا يحكم المسلمون السنة أنفسهم بأرض الشام المباركة، والروس يقاتلون اليوم نيابة عن الأطراف الأخرى، لتحقيق هدف لم تنجح الصفوية الإيرانية و ربيبتها اللبنانية في تحقيقه! بعد فشل وتهاوي النظام السوري المدعوم من كل تلك القوى.
ثانيا: إن اجتماع الأحزاب على أهل الإسلام لا يضرهم إلا أذى ما داموا بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم معتصمين، وعلى الله تعالى متوكلين، بل إن تكالب هذه القوى مما يزيد أهل الإيمان ثباتاً على الحق وتسليماً، وانتظاراً لنصر الله وإنجازاً لوعده؛ قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 40].
ثالثاً: إن انتصار أهل الإسلام لا يكون بكثرة عدد ولا عدَّة وإنما بتحقيق الأسباب الشرعية للنصر، وعلى رأسها الاتحاد وجمع الكلمة وترك التنازع، الذي هو مفتاح الفشل، وإن الرابطة لتفتي أهل سوريا بوجوب الاجتماع والتنسيق لدحض هذه الحملة الصليبية، فإن أُتوا فإنما يُؤتون من قبل أنفسهم! قال تعالى للصحابة رضي الله عنهم: {أو لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165].
كما تدعو المجاهدين المخلصين لأن يهبوا لنصرة إخوانهم، وأن يوحدوا صفوفهم معتصمين بالله وحده وبكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن ينبذوا ما بينهم من خلافات وهمية، وصراعات حزبية ضيقة، مع تطهير صفوفهم من أهل الغلو وأربابه؛ وأن يعلقوا رجاءهم بالله وحده وأن يحسنوا التوكل عليه وأن يكثروا من ذكره سبحانه والاستغاثة به وحده، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال جل ثناؤه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45-46].
وتؤكد الرابطة على أهل الجهاد الصادقين المخلصين ما سبق أن حذرت منه ونبهت إليه مرارًا، من تجنب سبيل الغلاة وطرقهم والحذر من مسالكهم وشبههم والتحذير منها ومنهم؛ فهم مطية كل عدوان ومركب كل شيطان.
رابعاً: إذا كان الجهاد قد تعين على أهل الشام وجندها المرابط هناك فإن هذا لا يعفي الأمة من مسئولية نصرته وإقامته ودعمه بالمال وسائر سبل العون، كلٌ بحسب قدرته وطاقته، والجهاد للأعداء كما هو بالنفس هو بالمال والدعاء وغير ذلك وفي الحديث: « » (رواه أبو داود والنسائي).
خامساً: كما يُطالب أهل الشام بالمواجهة العسكرية لهذه الحملة الظالمة؛ فإنهم يُطالبون أيضاً بالمواجهة السياسية والإعلامية التي تبين حقهم وتفضح باطل خصومهم وتكشف كذب مزاعمهم في حرب الإرهاب الذي لا يعدو أن يكون هو الإسلام الذي جاء به سيد الأنام صلى الله عليه وسلم في أعرافهم الفاسدة؛ ثم الأمة من بعد ذلك مأمورة من خلال كل جهد سياسي وإعلامي أن تدفع عن أهل الجهاد الشامي؛ قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71] وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10].
سادسًا: وإذ تثمن رابطة علماء المسلمين ما قامت به حكومة البحرين من سحب سفيرها من إيران وطرد السفير الإيراني من أرضها، فإنها تدعو جميع الدول الإسلامية إلى حذو حذوها؛ كما تؤكد على أرباب الحكم في منطقتنا العربية أن يعلموا أنه قد استبان الصبح لذي عينين، وأن أولئك القوم ليسوا لنا بأولياء وقد حزموا أمرهم على تقويض دول وتقسيم أخرى، ولا يردعهم مثل التحام القيادة بالرعية والقضاء على الخصومة، وأزمة الثقة بين بعض الحكومات والدعاة والمصلحين من أهل السنة والجماعة، ولا يجمع الكلمة مثل العدل ونشر الخير وإعطاء الحق ورفع الظلم.
ثم ليكن معلوماً أن سقوط الشام بيد الروس أو الفرس ستمتد آثاره إلى كل قطر وكل مسلم!
سابعًا: نذكِّرُ أهلَ الإسلام عامة وأهل سوريا خاصة بأن ثباتهم على الحق هو ما استدعى تكالب أهل الشرق والغرب، وأن أفغانستان كانت المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفيتي، وكذا تكون سوريا وزيادة إن شاء الله تعالى؛ قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 173-175].
وختاماً: فإن هذه الأمة أعظم وأقوى من أن يستأصلها عدو غاشم، والله أرحم بها من أن يجمع عليها عذاباً عاماً، وعذاباً من عدوها، وفي الحديث : «» (رواه أحمد وأبو دَاوُدَ وغيرهما).
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف:21].