كيف أربي طفلا يراقب الله في أفعاله؟

سارة بنت محمد حسن

الطفل المهذب ليس هو الطفل الذي يجلس في هدوء حين تكوني ماثلة أمامه خوفا من صيحة أو ضربة؛ والطفل النظيف ليس الذي ينظف أغراضه قبل ما تأتي مباشرة مخافة العصا والصرخة القوية؛ لكنه الطفل الذي يراقب الله وينتهي عما ينبغي الانتهاء عنه ويفعل ما ينبغي فعله لأن الله يراه ويسمعه؛ هو الطفل الذي يجتهد في فعل أكثر الصواب الذي يعرفه لأنه على قناعة تامة أنه الصواب، حتى لو تأخر في التنفيذ.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - تربية الأبناء في الإسلام -

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد

من ربى ولده وهو يرغب ويضع نصب عينيه الحصول على نتائج سريعة ...سيحصل على نتائج سريعة خصوصا لو استخدم وسائل الضغط من ضرب وصراخ ومراقبة صارمة مستمرة!
لكن صدقا إذا كان هذا هو السمت العام أو الغالب في التربية فما أن تغفلي عنه لحظة عنه فإنه سيحاول تجربة غير ما مارسه تحت الضغط!
قد يعود إلى الرشد وقد لا يعود.... الله أعلم وهو لطيف بعباد

فالطفل المهذب ليس هو الطفل الذي يجلس في هدوء حين تكوني ماثلة أمامه خوفا من صيحة أو ضربة؛ والطفل النظيف ليس الذي ينظف أغراضه قبل ما تأتي مباشرة مخافة العصا والصرخة القوية؛ لكنه الطفل الذي يراقب الله وينتهي عما ينبغي الانتهاء عنه ويفعل ما ينبغي فعله لأن الله يراه ويسمعه؛ هو الطفل الذي يجتهد في فعل أكثر الصواب الذي يعرفه لأنه على قناعة تامة أنه الصواب، حتى لو تأخر في التنفيذ؛ وليس هو الطفل المرتعش دائما من عقوبة عاجلة أو ضغوط عاطفية عابرة من الوالدين!

إذن نعود للسؤال: كيف أربي طفلي بحيث يكون الخير نابعا منه ويراقب الله في أفعاله؟

لابد من فهم أن المثالية بدون منطق مثالية مذمومة وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن لكن أيضا لابد ان نفهم أن دور المربي تربوي وليس الردع فقط؛ نعم هناك ردع وشدة أحيانا لكن الأصل أن الدور الذي ينبغي ان يقوم به هو غرس المراقبة والديانة في المتربي.

من أهم ما ينبغي معرفته أيضا؛ أن النتائج ليست بيدك؛ بل هي إلى الله؛ وأن عليك السعي لله طاعة له واستعانة به وعبادة له سبحانه.

قبل وأثناء وبعد الأخذ بالأسباب: استعيني بالله وتجردي من حولك وقوتك وتضرعي إلى الله وأنت على يقين أنك على طاعة ببذلك هذا؛ وأن النتائج بيد الرحمن وليس عليك إلا السعي حبا في الله رغبة فيما عنده وخشية له سبحانه.

  • أن تكوني انت قدوة؛ فالإنسان بطبيعته إذا رأى قدوة أعجبته يتأثر ويميل قلبه لتقليدها والمنافسة فيها حتى لو لم يتكلم القدوة
  • التكراروالغرس بدون كلل ولا ملل فالقاعدة تقول: "ما تكرر تقرر"؛ بــ قصص الأنبياء / الحوار/التوجيه/ الانتباه/ التغافل التام أحيانا / التنبيه انك تغافلتي بمزاجك أحيانا/ تكرار أن الله يراك / مش أنا اللي هحاسبك ربنا اللي هيحاسبك/

- مش عاوزاك تصلي عشاني ولا تذاكر عشاني انا عاوزاك تذاكر وتصلي لنفسك عشان تدخل أنت الجنة عشان تنجح أنت في الدنيا وتخدم أنت دينك
- أنا مش هنفعك ولا انت هتنفعني لمجرد أننا أقارب النبي قال: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا»(رواه البخاري ومسلم).
- سيدنا نوح قال لابنه يابني اركب معنا ومقدرش يعمل أكثر من كدة
- سيدنا إبراهيم دعا أباه وأبوه طرده مقدرش يعمي حاجة أكثر من كدة
- كل واحد لازم ينفع نفسه وينفع غيره ويبذل جهده
- يوم القيامة كل واحد هيقول نفسي نفسي
- نفسي كلنا ندخل الجنة سوا يارب ازقنا
- كرري العبارات دي كثير وغيرها وأشباهها وبيني دائما لأولادك أن هذا نابع منهم هم وأنك تفعلي كل هذا امتثالا لرغبتهم هم في التقرب إلى الله ..فلو قال لك أحدهم فإني لا أريد ...ففكري أولا قبل الحوار معه واقناعه ...هل وفرت له وقتا ممتعا أثناء التقرب إلى الله أم وقتا مضغوطا مكروها؟!

  • لا تتعجلي النتائج على المدى القريب ...فهذا يضغط أعصابك ويجعلك تلجأي كثيرا للردع بالسلطان (العقوبات)؛ وبالنأكيد هناك عقوبات ولابد منها؛ لكن نحتاج للتركيز على التربية والتوجيه ونحاول بيان معلومة مهمة جدا: أن هذه العقوبات ليست لمضايقتك يابني بل هي حبا وشفقة ورغبة في أن ترتقي.

كذلك اختيار العقوبة والردع ووقتها بعقلانية مهم جدا؛ لاحظي أنه عند محاولتك بيان أن هذه العقوبات حبا لطفلك سيحاول الطفل مجادلتك والتأثير عليك واستغلال عاطفتك.. من باب التأكد أحيانا ومن باب الضغط أحيانا
تجاهلي هذا وكرري تأكيدك على ان ذلك محبة... اضحكي أحيانا وقولي له: لما تكبر هتعرف أن ده عشان بحبك
احرصي على إغلاق باب الاستغلال العاطفي ...وبداية : انت بحاجة لعدم استغلال عاطفته مثلا: لو بتحبني افعل كذا (في مسائل يفترض أنها لا علاقة لها بالحب والكره!).

قد تستخدم هذه الكلمات من باب: لو بتحبني وعاوز ربنا يرفع درجتي كن ولدا صالحا! او صل لكي أحصل على حسنات لأني علمتك أو احفظ القرآن لأرتدي تاج الكرامة وملابس طيبة يوم القيامة؛ لكن لا تجعليها هي المعيار الأصلي والوحيد ولا تسمحي له أن يعاقبك "بحرمانك" من هذا الفضل.

بيني له أنك محاسبة على عملك وانه هو محاسب على عمله وأنك تعلميه ذلك لكي يأخذ هو حسنات..لأنه لو نوى بالطاعات مع كونها لله وحده أن يبر والديه فهو أجر على أجر ...فسيحرم هو من أجر البر وأجر الصلاة والقرآن إذا تركها لمعاقبتك!

إذن هذه الكلمات وتعلق فعله بحبك وكرهه لابد أن تكون في إطار أنه يبر والديه أي يطيع الله عز وجل...وليس في إطار الاستغلال العاطفي والضغط على ولدك ليفعل.

  • تجنبي الضغط على طفلك ليفعل الشيء بالإلحاح، نعم هناك مسائل هامة نحتاج فيها للضغط؛ لكن الضغط برفق وبطريقة غير منفرة ...ركزي على عدد محدد من السلوكيات التي ستمارسي فيها "الضغط الرفيق" مثلا سلوك او اثنين أو ثلاثة نطالب فيهم بنتائج سريعة.

لا يعقل أن نطالب بتعديل عشر سلوكيات في وقت واحد؛ سينسى طفلك؛ أو ستنسي أنت؛ ويبدأ الغضب والشد وفشل طريقة الضغط لأن نسيانك سيعطي له إشارة بالاستغلال لهذا النسيان.

كذلك لا تضغطي في أمر ليس عندك به قناعة؛ حاولي الاتفاق مع الزوج لاختيار السلوكيات التي ينبغي الضغط عليها.

كذلك ليس من العقل ان تطالبي بنتائج سريعة في خصلة تحتاج وقتا طويلا لتعديلها؛ فطفل يكره المذاكرة لن يحصل على درجات نهائية في مدة قصيرة إلا لو ضغطتيه بطريقة صارمة تبغض إليه المذاكرة على المدى البعيد!
فكوني واقعية وانظري ما هي السلوكيات التي يمكن تعديلها في وقت قصير؟؟ مثلا: إلقاء الورق على الأرض - ترتيب الحذاء والملابس بعد العودة من المدرسة - غسل القدمين بالصابون بعد العودة من الخارج..الخ

اربطي ذلك بالبر وبحب الله قدر استطاعتك. وتذكري! العالم الرباني هو الذي يربي الناس على صغار العلم قبل كباره؛  وأنت كذلك عليك أن تغرسي السلوكيات الصغيرة السهلة كوسيلة لغرس السلوكيات الصعبة؛ فابدأي بالأمور البسيطة حتى إذا وصلتي إلى المسائل الكبار؛ كان لدى الطفل أساس متين يمكنك أن تبني عليه بإذن الله

  • انتبهي للعقوبات الانفعالية اللتي فيها ضغط على الطفل أو التي تخرج منك تحت ضغط؛ كالتهديد والالحاح والتكرار الهستيري والضرب المبرح والرقابة الصارمة والصريخ والإهانة ومثل ذلك.

لاريب أنه قد يقع منك ذلك؛ لا تبتأسي..أنت أم وأنت بشر؛ المهم علاج ما وقعتي فيه ومحاولة تعديله؛ فلا تتركي شعورك بالذنب يسوقك فتتطرفي في التساهل بعد التشديد؛ فيستغلك عاطفيا بأن يستفزك ويستخرج غضبك لأنه يعلم أن بعد الغضب سيحصل على ما يريد بالابتزاز العاطفي وشعورك بالذنب!

اعلمي أن هذا يفقدك نقاطا في علاقتك بولدك؛ وفي نفس الوقت اعلمي أنه يمكن معالجته بإذن الله وبالاستعانة به أولا.
- انتظري حتى تهدأي وحاوري طفلك بهدوء؛ وإذا كان الأمر يحتاج لاعتذار فافعلي بلا حرج؛ وحاولي أن تتفقي معه على وسائل تمنع وقوع هذه العقوبات الانفعالية مثلا: إذا رأيتني غاضبة فلا تصر على محاورتي بل اتركني لأهدأ؛ فإذا لم يلتزم بالاتفاق فاختاري عقوبة ملائمة لك؛ وإذا فعل فحييه على فعله بقوة؛ هذا التفاهم الثنائي بينكم سيعينك على تخفيف الضعط كثيرا وتحسين علاقتك بأولادك.

  • حسني علاقتك بأولادك: الحوار والقبلة والحضن / والانبهار بحاجات بسيطة/ والمفاجآت البسيطة جدا/ الكارت المرسوم بيدك ومكتوب عليه كلمة تشجيع/ والمشاركة في اللعب / لما تعملي أكلة معينة قوليلهم عشان عارفة انكم بتحبوها / انا عملت دي عشانك / أنا عملت كدة عشان بحبك ...الخ

وكل ما يعلمه الناس بالفطرة من طرق إظهار الحب فيمكنك فعله؛ وما تحبي أن يفعله الآخرون لإظاهر محبتهم لك فافعليه.

  • ما لا يدرك كله لا يترك كله؛ إذا كان طموحك كبيرا ..فهذا جيد؛ لكن الإحباط بسبب الطموح مشكلة!

إذا كان البون شاسع بين ما تحققيه وبين طموحك ...أو إذا كان ما حققتيه اليوم = صفرا فاعلمي ان إنجازك للــ 1 هو إنجاز بالفعل. فحققي قدر استطاعتك ...ليس المهم الكم لكن الصورة الكاملة هي المهمة.

إذا كان طموحك تحفيظ أولادك القرآن...فإذا ضغطتهم لحفظ 10 صفحات؛ ستسوء العلاقة ويحصل شد وغضب وضغوط وتصلي لمرحلة تتيقني فيها أنك لو مت الآن لن يحفظ ولدك ولا آية؛ فاعلمي أن إنجازك صفحة واحدة بغير هذه السلبيات أفضل من إنجازك لل 10 مع السلبيات!
وإنجازك ل10 صفحات بغير حفظ متين مع علمك أن الحفظ تراكمي وبهذا تتمكني من قضاء وقت ممتع أثناء الحفظ أهم من إنجازك ل 10 مع حفظ متين وسلبيات!
ولابد عند وضع جدولك أن تتركي مساحات من الحلم لاستغلالها في استثارة نواياهم ورغباتهم ومساحات للحوار ومساحات للمفاجآت ...اهدأي فالضغط لا يساعد على الإنجاز في الغالب.
فرتبي أولوياتك وتنازلي عن الثانويات أحيانا كثيرة؛ وقرري مميزاتك ومعطيات ظروفك وأولادك وابني عليها خطتك واهم شيء حققي إنجاز واسعدي به.

  • المكافآت المادية وخصوصا المساومات تجنبيها قدر استطاعتك؛ إذا استخدمتيها فلتكن قليلة ويمكنك الاستغناء عنها بالمكافآت العفوية يعني بدون اتفاق مسبق.

صورة المكافآة ذات الاتفاق المسبق: إذا فعلت أعطيتك!
صورة المكافآت العفوية: فعل شيئا طيبا من نفسه - انبهرت - أعطيت من نفسك دون طلب ولا اتفاق!
والمكافآت المعنوية أحسن وأرسخ وأقرب للغرس على المدى البعيد

هذا ما تيسر كتابته وما تركته مخافة السآمة كثير، والله الهادي إلى سواء السبيل.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام