فضل الحسنة بعد السيئة وتقوى الله
خالد بن عبد الرحمن الشايع
المؤمن في هذه الدنيا يتقلب بين الحسنة والسيئة، فالدنيا مليئة بالفتن والشهوات، كما هي مليئة بالأعمال الصالحات، والعبد من خروجه من منزله ورجوعه إليه، تمر به مناظر وفتن يبتلى بها، فناجٍ برحمة الله، ومفتون بخذلان الله له، فما موقف المسلم مع تلك السيئات التي كُتبت على ابن آدم كل يوم؟
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
الخطبة الأولى:
الحمد لله.
أما بعد فيا أيها الناس:
المؤمن في هذه الدنيا يتقلب بين الحسنة والسيئة، فالدنيا مليئة بالفتن والشهوات، كما هي مليئة بالأعمال الصالحات، والعبد من خروجه من منزله ورجوعه إليه، تمر به مناظر وفتن يبتلى بها، فناجٍ برحمة الله، ومفتون بخذلان الله له، فما موقف المسلم مع تلك السيئات التي كُتبت على ابن آدم كل يوم؟
معاشر المؤمنين:
إنه الحبيب صلى الله عليه وسلم، لم يدع شيئًا من الخير إلا ودل الأمة عليه، ولم يدع شيئًا من الشر إلا وحذرهم منه.
فقد أخرج الترمذي في سننه وحسَّنه من حديث أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» (الأمالي المطلقة [131]).عباد الله:
نجد الجواب واضحًا في هذا الحديث، فعلى العبد أن يتقي الله ما استطاع لذلك سبيلاً، ثم متى ما تعثر في معصية فليتبع السيئة الحسنة؛ فإنها من رحمة الله تمحها، فكلما أخطأ المؤمن فليحدث عملاً صالحًا، فالمؤمن واقع في الذنب لا محالة، كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح مسلم [2749]).
وليس المعنى من الحديث إباحة الذنوب للناس، ولكنه رفع للقنوط عنهم، وبيان أن الذنوب قد قُدّرت على الناس، وأن عليهم أن يتوبوا إلى الله مباشرة، وأن يلتزموا التقوى، فالتقوى هي وصية الله لجميع خلقه، ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، و"كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا".
ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم النحر وصى الناس بتقوى الله وبالسمع والطاعة لأئمتهم.
ولما وعظ الناس، قالوا له: "كأنها موعظة مودع فأوصنا"، قال: «
» (شرح السنة [181/1]).وقال الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود: 114].
وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود أن رجلاً أصاب من امرأة قُبْلَة، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية، فدعاه فقرأها عليه، فقال رجل: "هذا له خاصة؟" قال: «
».وفي "الصحيح" من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «
» (صحيح مسلم [2758]).والمعنى فليعمل ما شاء ما دام على هذه الحال كلما أذنب ذنبًا استغفر منه.
وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن عليّ قال: "خياركم كل مُفتن توَّاب"، قيل: "فإذا عاد؟" قال: "يستغفر الله ويتوب"، قيل: "فإن عاد؟" قال: "يستغفر الله ويتوب"، قيل: "فإن عاد؟" قال: "يستغفر الله ويتوب"، قيل: "حتى متى؟" قال: "حتى يكون الشيطان هو المحسور".
وقيل للحسن: "ألا يستحيي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه، ثم يعود، ثم يستغفر، ثم يعود"، فقال: "ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملوا الاستغفار".
وروي عنه أنه قال: "ما أرى هذا إلا من أخلاق المؤمنين"، يعني: أن المؤمن كلما أذنب تاب.
وفي (الصحيحين) عن أنس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل، فقال: "يا رسول الله إني أصبت حدًّا، فأقمه عليَّ"، قال: ولم يسأله عنه، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة قام إليه الرجل فقال: "يا رسول الله إني أصبت حدًّا، فأقم فيّ كتاب الله"، قال: «
» )) قال: "نعم"، قال: « ».وخرجه ابن جرير الطبري من وجه آخر عن أبي أمامة، وفي حديثه قال: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114].
» فأنزل الله: {عباد الله: أتبعوا السيئات بالحسنات، فإنها تمحها، ولا يقنطكم الشيطان من رحمة الله فيجري بكم في أودية الضلال، والله غفور رحيم.
اللهم اغفر لنا زللنا وخطئنا، أقول قولي هذا.
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: إن العبد لا يدري متى تخرج روحه من جسده، ولكنه إذا كان كثير التوبة، متبعًا للسيئة الأعمال الحسنة، أوشك أن يختم له بتوبة، فعلى العبد أن يعوّد نفسه كلما أذنب ذنبًا أحدث بعده توبة، وكلما أحدث توبة، أحدث بعدها حسنة، فالحسنات يذهبن السيئات، كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
ففي (الصحيحين) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» قالوا: "لا يبقى من درنه شيء"، قال: « ».وفي (صحيح مسلم) عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».وفيه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» قالوا: "بلى يا رسول الله"، قال: « ».وفي (الصحيحين) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».وفي (صحيح مسلم) عن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».وخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».ومما يكفّر الخطايا ذكر الله عز وجل، ففي (الصحيحين) عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ».
وفيهما عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».وفي "المسند" وسنن ابن ماجه بسند ضعيف والمعنى صحيح عن أم هانئ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
».وخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «
» والأحاديث في هذا كثيرة جدًّا.وسئل الحسن عن رجل لا يتحاشى من معصية إلا أن لسانه لا يفتر من ذكر الله، فقال: "إن ذلك لعونًا حسنًا"، يعني: أنه يعينه على التوبة والإقلاع عن المعصية.
وسئل الإمام أحمد عن رجل اكتسب مالاً من شبهة: هل صلاته وتسبيحه يحط عنه شيئًا من ذلك؟ فقال: «خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ».
{وقال مالك بن دينار: "البكاء على الخطيئة يحطّ الخطايا كما يحط الريح الورق اليابس".
وقال عطاء: "من جلس مجلساً من مجالس الذكر، كفّر به عشرة مجالس من مجالس الباطل".
عباد الله: إننا نتعامل مع رب كريم رحيم، يقبل القليل ويجزي عليه الكثير، ويقبل توبة التائبين، فعلينا أن نُقبل على ربنا بقلوب تائبة، وأن نعوّد أنفسنا كلما أذنبنا أن نبادر بعده بعمل صالح يمحه.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا.