(3) قاعدة 80 /20

لدينا مهام يوميَّة مهمَّة، وفي تركيزنا عليها سنحصل على الكثير من النتائج؛ أي: إنَّ لدينا 20 % من مهامنا اليوميَّة مهمَّة، وفي حالة التركيز عليها سنحصل على 80 % من النتائج والحوافز.

  • التصنيفات: قضايا الشباب -

الحمدُ لله ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياء والمرسَلين، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.

أمَّا بعدُ:
إطلالة دائمة:
لَمَّا كانت الدعوةُ إلى الله أغْلى وأثمن وظيفة، كان لزامًا أوَّلاً أن أهتفَ بكَلمات لِمَن جنَّدوا أنفسهم لخِدْمة هذا الدِّين في أيَّة مؤسَّسة دَعَوِيَّة؛ لأنَّهم هم الأَوْلى بمثْل هذه الكلمات، ومِن ثَمَّ ثانيًا فهي كلمات لكلِّ مسلم ومسلمة يستشعران قيمةَ التنظيم وأثرَه في حياتهما؛ عسى أن تُعينَنا على الإتقان المرجوِّ، والإبداع المنتظَر، فلا خيرَ في عملٍ -أيًّا كان- يَمضي صاحبُه مُتخبِّطًا لا يَدري كيف يُنظِّم نفسَه ووقْتَه وعملَه، ويعيش في دَوَّامة الضغوط والتوتُّرات الناشِئة من فُقدان مبدأ النظام.

المبدأ الثالث: قاعدة 80 /20:
إن كنتَ عزيزي القارئ قد سبَق واطَّلعت على هذه القاعدة، فإني أدعوك لأن تستذكرَها معي، أمَّا إن كنتَ ممن لَم يعلم شيئًا عنها، فتعالَ واطَّلِع على هذه القاعدة الذهبيَّة في إدارة وتنظيم الأعمال!

ظهَرَت هذه القاعدة حينما لاحَظَ أحدُ علماء الاقتصاد الإيطاليين ويُسَمَّى (باريتو) قبل قرنين أن 80 % من ناتج بلاده يذهب لـ 20 % للسكان فقط، بينما لاحَظَ أنَّ 80 % من ثروة سويسرا يتملكها 20 % من السويسريين، فجاء أحد علماء الجودة ووضَع مبدأ أسماه (باريتو)، وهي خلاصة ما أظهَره باريتو من نتائج، والذي توصَّل بناءً على هذا المبدأ إلى نتائج مُفادها: (أن 80 % من النتائج سببها 20 % من الأسباب).

وحتى نُمَهِّد لفَهْم هذه القاعدة وتسهيل تطبيقها في حياتنا اليومية، إليكم هذه الأمثلة التي استخرَجها (باريتو):
• المبيعات: 80 % من أرباحك تأتي من 20 % من زبائنك.
• الإدارة: 20 % من الموظفين يقومون بـ 80 % من أعمال الشركة أو المؤسَّسة.
• في الوقت وتنظيمه: 80 % من الوقت تُصْرَف على 20 % من المهام والأشياء.

أي: كما ذكرنا سابقًاـ النتائج تَعتمد على الأسباب.

ولعلَّنا نتساءل: كيف يمكن أن تَخدمنا مثل هذه القاعدة في ترتيب وتنظيم حياتنا اليوميَّة؟

هو أننا لدينا مهام يوميَّة مهمَّة، وفي تركيزنا عليها سنحصل على الكثير من النتائج؛ أي: إنَّ لدينا 20 % من مهامنا اليوميَّة مهمَّة، وفي حالة التركيز عليها سنحصل على 80 % من النتائج والحوافز.

فالمطلوب تحديد هذه المهام التي تُشَكِّل 20 % من قائمة أعمالك ومهامك، والتركيز عليها دون غيرها!

وستجد في المقابل قائمة مهامك اليوميَّة مهامًّا ليست ذات جدوًى، وتمثِّل 80%، فعليك أن تضعَها في بند (عديمة الجدوى).

ولكي يتم تطبيق عملي لهذه القاعدة، نذهب بكم لمثالين يتَّضِحان بهما هذا المقال:
• المثال الأول: المرأة في بيتها لَدَيها مهام منذ استيقاظها من الصباح وحتى قُرب نومها في المساء، لو أردنا مثلاً حَصْر بعض هذه المهام، ومِن ثَمَّ تطبيق هذه القاعدة:
إيقاظ الأولاد لصلاة الفجر - تجهيز الإفطار - تجهيز الأولاد للمدرسة - تجهيز ملابس الزوج للعمل - إعداد مائدة الإفطار - ترتيب المطبخ - تنظيف وترتيب البيت - تجهيز وجبة الغداء - قراءة في كتاب لمدة ساعة - جلسة مع الزوج - جلسة حاسب - زيارة صديقة - مشاهدة تلفاز....إلخ من مهامها اليومية، والتي لا يُشترط أن تكون مسجلة هنا، فكل امرأة لها برنامجها الخاص الذي تَسير عليه.

لكن عند مَجيئنا لتطبيق هذه القاعدة وهذا المبدأ الذهبي (20 /80)، نقول: إنَّ أهمَّ الأعمال في البرنامج السابق فرضًا التالي:

"إيقاظ الأولاد - تجهيز الإفطار - ترتيب وتنظيم البيت - قراءة كتاب - جلسة مع الزوج"، وغيرها من المهام لا يمثِّل لها أيَّ أهميَّة مقابل هذه المهام، عندئذ نطلب من هذه الزوجة التركيز والاهتمام بهذه الأعمال دون سواها؛ لأنها وبشكل تلقائي ستجد أنها شكَّلت لها حافزًا وإنجازًا، ولم تُهمل من هذه الأعمال شيئًا، بينما كانت سابقًا تسمع تَضَجُّرَ زوجها من إهماله، أو تسمع تأنيبَ أولادها الصغار على تأخيرها لهم؛ لأنها كانت منشغلة في مهام ليست ذات أهميَّة، كانت تَصْرِف الساعات أمام الشاشة لغير حاجة، أو أنها كثيرة الزيارات لجارتها، وغير ذلك من انشغالها بغير المهم عن الأهمِّ.

إذًا نَطلب من كلِّ زوجة أن تقومَ ومن الآن، وتُسَجِّل مهامها اليوميَّة التي تعملها غالبًا، وتضع أمام كلِّ عملٍ (مهم) أو (غير مهم)، مع مراعاة تقدير المصلحة الأعم على الأخص، وستجد بأنَّ هناك عددًا قليلاً من المهام اليومية المهمة، عليها أن تركِّز عليها تركيزًا دون غيرها، وستجد بإذن الله علامات الرضا بعد مدة وجيزة على مُحَيَّاها، وعلى مُحَيَّا مَن حولها، ولن تجد تلك الفوضى التي كانت غارقة فيها!

• المثال الثاني: الزوج الذي يرى نفسه محمَّلاً بكثير من الأعمال والمسؤوليَّات، عليه أن يطبِّق ما ذكَرناه في المثال السابق، فمثلاً لو كان يعمل في قطاع ما، وعنده كثير من المهام اليوميَّة، في مقابل مهام أُسرية يوميَّة، ومسؤوليَّات اجتماعية كذلك، نقول له: ركِّز على المهم دائمًا:

في العمل: ركِّز على المهام الأساسية، وأنْجِزها قبل غيرها، لا تَدَع غير المهم أوَّل ما تقوم به؛ لأنك ستَغرق فيه، ويضيع وقتك وجُهدك، ستتعلَّم قاعدة المهام اليومية في عملك في مقال قادم إن شاء الله، ضَعْ قائمة الأعمال المهمة أمامك، وابْدَأ بها قبل غيرها، وما زاد من وقتٍ، فاجْعَله لغير المهم.

في البيت: ضَعْ أهمَّ أعمالك نُصب عينيك، لا تَنشغل عن أولادك -وهم أهمُّ- عند قدومك بمشاهدة برنامج أو متابعة حَدَثٍ، لا تجعل زوجتك أسيرة صَمْتها وأنت تملأ هاتفك ضجيجًا وضحكًا مع أصدقائك، اجْلِس مع نفسك جلسة مصارحة، وانظُر أين أنا من واجباتي الأسرية؟ هل أنا فعلاً منشغلٌ بالمهم، أو أني لستُ سوى مُرسَلٍ لإيصال الطلبات، ومُنهمك في ما لا ينفعني؟

عليك أن تسجِّل كلَّ مهمة يومية تقوم بها في منزلك؛ من توصيل ومتابعة، وجلسة مع الأبناء، حتى جلوسك على الشاشة سجِّله، لا تَدَع أيَّ مهمة تكاد تفعلها إلاَّ وسَجَّلتها في مدوَّنة، ومن ثَمَّ ضَعْ أمام كلِّ عملٍ كما ذكرنا سابقًا (مهم) أو (غير مهم)، ورَكِّز على ما يَهمك، وَدَعْ عنك ما أشْغَلك وأصاب حياتك بالفوضى!

ختامًا:
لعلك عزيزي القارئ قد عرَفت الآن ما هو مبدأ 20 / 80، والأمل أن نَجعله في حياتنا اليومية أينما كانت: (المنزل - العمل - السيارة.... إلخ)، فهو كفيلٌ -بإذن الله- على إعطائنا نتائجَ أكبر، وتوفير جهدٍ أقل مما كان سابقًا، وطريق سَهل لوداع عالَمِ الفوضى!

ولعل المبدأ الذي سنتكلم عنه في المقال القادم هو أهم المبادئ وأكثرها تداوُلاً وتطبيقًا في حياة المنظِّمين؛ حيث سنتكلم عن قاعدة (قَسِّم الكبير إلى صغير)، حتى نلقاكم -إن تيسَّر ذلك- أستودعكم الله الذي لا تَضيع ودائعه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

بندر بن عبدالله الثبيتي