طفولة النبي صلى الله عليه وسلم
شيماء علي جمال الدين
فترة الرضاعة التي مكثها النبي صلى الله عليه و سلم عند بني سعد حدثت الكثير من الحوادث التي كان من شأنها الإشارة إلى علو شأنه صلى الله عليه و سلم منذ صغره وبركته على من حوله، ومعجزات بشرت بنبوته مثل حادثة شق الصدر.
- التصنيفات: السيرة النبوية -
طفولة النبي صلى الله عليه و سلم مرحلة من أهم المراحل في حياة النبي صلى الله عليه و سلم فيها كثير من بشارات النبوة، وفيها كثير من المواقف التي صقلت شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وكانت المهد الأول لخير خلق الله وخاتم الأنبياء والمرسلين صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين.
في رحاب سيرة النبي صلى الله عليه و سلم منذ مولده وفي فترة طفولته:
- محمد بن عبد الله بن عبد المطلب سيـد المرسلـين صلى الله عليه وسلم؛ وُلِد بشعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م.
- ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد ـوهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب- وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.
- وأول من أرضعته من المراضع وذلك بعد أمه صلى الله عليه وسلم بأسبوع، ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب (من كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري).
- ثم التمس عبد المطلب جد النبي لرسول الله صلى الله عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة السعدية.
- في فترة الرضاعة التي مكثها النبي صلى الله عليه و سلم عند بني سعد حدثت الكثير من الحوادث التي كان من شأنها الإشارة إلى علو شأنه صلى الله عليه و سلم منذ صغره وبركته على من حوله، ومعجزات بشرت بنبوته مثل حادثة شق الصدر.
-عاد النبي صلى الله عليه و سلم إلى أمه بعد حادثة شق الصدر ومكث معها حتى بلغ عامه السادس ثم ماتت أمه ليصبح النبي صلى الله عليه و سلم يتيم الأب والأم.
- مكث النبي صلى الله عليه و سلم مع جده بعد وفاة أمه، وكان النبي لا يفارقه ولا سيما في مجالسه مع كبار قومه حتى توفي الجد والنبي في الثامنة من عمره.
- ثم انتقلت كفالة النبي –صلى الله عليه و سلم- إلى عمه أبو طالب، فمكث عنده النبي وتربى مع أولاده وظل عمه يدافع عنه حتى بعد النبوة رغم أن العم قد مات على الكفر.
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم مُنذ مولده وفي طفولته:
عن البخاري: حدثنا عبد الله ين يوسف: حدثنا الليث: حدثنا سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن ، باب: كيف نزول الوحي، وأول ما نزل).
1. روى ابن سعد أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور الشام" (وروى أحمد والدارمى وغيرهما قريبًا من ذلك).
2. آيات البركة والخير التي عمت بني سعد عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم عندهم؛ كثيرة حيث رأت حليمة مرضعته من البركة التي حلّت عليها بوجوده صلى الله عليه وسلم، حيث امتلأ صدرها بالحليب بعد جفافه، حتى هدأ صغارها وكفّوا عن البكاء جوعاً، وكانت ماشيتها في السابق لا تكاد تجد ما يكفيها من الطعام، فإذا بالحال ينقلب عند مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى زاد وزنها وامتلأت ضروعها باللبن.
3. حادثة شق الصدر: روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: "هذا حظ الشيطان منك"، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه -أي جمعه وضم بعضه إلى بعض- ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه -يعنى ظئره- فقالوا: "إن محمدًا قد قتل"، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون -أي متغير اللون- قال أنس: "وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره" (من كتاب الرحيق المختوم للمباركفوري).
4. عن جَلْهُمَة بن عُرْفُطَة قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: "يا أبا طالب، أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهَلُمَّ فاستسق"، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس دُجُنَّة، تجلت عنه سحابة قَتْمَاء، حوله أُغَيْلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بأضبعه الغلام، وما في السماء قَزَعَة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغْدَوْدَق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي (أخرجه ابن عساكر)، وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال:
وأبيضَ يُستسقى الغَمَام بوجهه ثِمالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأرامل
العِبَر و الفوائد المُستخلصة من طفولة النبي صلى الله عليه و سلم:
1. ولادة النبي صلى الله عليه و سلم يتيماً بلا أب؛ كان من شأنها أن نشأ رجلاً منذ صغره يتحمل الكثير من الآلام والصعوبات والمشاق تمهيداً لحمل الهم الأعظم وهو هم تبليغ رسالة الله عز وجل للبشرية.
2. فِراق النبي صلى الله عليه و سلم صدر أمه إلى مرضعته كما كان الحال عند العرب في ذلك الوقت؛ أكسبه القوة والفصاحة والمَنَعة، فنشأ قوي البنية، سليم الجسم، فصيح اللسان، معتمداً على نفسه.
3. مكث محمد صلى الله عليه و سلم أربع سنين أو يزيد في كنف حليمة السعدية وزوجها الحارث بن عبد العزى سنوات نالتهم فيها بركته؛ وصقلت تلك السنوات شخصيه محمد النبي وظهرت فيها الكثير من علامات النبوة منها حادثه شق صدره الشريف وتطهيره من حظ الشيطان منه.
4. بحادثة شق الصدر نال النبي صلى الله عليه وسلم شرف التطهير من حظ الشيطان ووساوسه، ومن مزالق الشرك وضلالات الجاهليّة، فكان في ذلك دلالة على الإعداد الإلهيّ للنبوّة والوحي منذ الصغر.
5. تأتي وفاة أم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ليشتد زمام الصقل لشخصيته النبوية، فقد أرادت حكمه الله أن ينشأ رسوله يتيماً، تتولاه عناية الله وحدها، بعيداً عن الذراع التي تُدلِله والمال الذي يُنعمه؛ فلا تميل بذلك نفسه إلى مجد المال والجاه، وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة والزعامة.
6. مكوث النبي صلى الله عليه وسلم فترة من الزمن مع جده وحضوره مجالس كبار القوم جعلته ذو عقل كبير راجح واعٍ لحال مجتمعه ومشاكله.
7. كانت المصائب التي أصابت النبي محمد منذ طفولته كموت أمه ثم جده بعد حرمانه من عطف الأب؛ كانت هي كأس الحزن والحرمان الذي ذاقه مره تلو الأخرى، فجعلته تلك المحن رقيق القلب مرهف الشعور راقي الأحاسيس.
8. تربية النبي صلى الله عليه و سلم في بيت عمه وآلامه ورجولته المبكرة؛ علمته أن لا وقت للعب واللهو كالأطفال، وكأنه كان يستعد لتحمل أثقال الرسالة النبوية الشريفة والتي لا يستطيع تحملها إلا من اعتاد تحمل المسؤولية مُنذ نعومة أظفاره.
9. رعي النبي صلى الله عليه و سلم للغنم في طفولته ومطلع شبابه علمه أن يكون خير راعِ، رعى الغنم فنمت بداخله روح الحلم والصبر، فكان يجمعها عند التفرق مثلما جمع أمة بأسرها، وحافظ عليها من أعدائها كما حافظ على دين الله.
10. المعجزات التي كانت عند مولد النبي وفي طفولته؛ من أهم المبشرات بنبوته عليه الصلاة و أزكى السلام.
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53].