الآمال الواقعية
راغب السرجاني
استقبل كثير من المسلمين خبر فوز أوباما برئاسة أمريكا بارتياح شديد،
بل قُلْ: بسعادة كبيرة، على أمل أن يكون أخف وطأة على المسلمين من
سلفه جورج باراك أوباما بوش، ومنافسه ماكين،
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
استقبل كثير من المسلمين خبر فوز أوباما برئاسة أمريكا بارتياح شديد، بل قُلْ: بسعادة كبيرة، على أمل أن يكون أخف وطأة على المسلمين من سلفه جورج باراك أوباما بوش، ومنافسه ماكين، وخاصةً أنه يسير في اتجاه سحب الجيوش الأمريكية من العراق وأفغانستان، وهذا لاشك يهدِّئ الأوضاع نسبيًّا في هاتين البلدتين المنكوبتين..
فهل حقًّا ينبغي لنا أن نسعد بفوزه؟!
واقع الأمر أن القرآن يعلمنا أن غير المسلمين ليسوا جميعًا على درجة واحدة من الإعراض والصد عن سبيل الله، وليسوا على درجة واحدة من العداء والكراهية للمؤمنين، بل إن منهم من يقف أحيانًا إلى جوار المسلمين في قضاياهم، وأكد في القرآن قوله الله عز وجل عند حديثه عن أهل الكتاب: {لَيْسُوا سَوَاءً} [آل عمران: 113]. وقوله أيضًا في موضع آخر: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} [آل عمران: 75].
فبعضهم أمين على قنطار كامل من الأموال والممتلكات، وبعضهم على النقيض لا يُؤتمن على دينار واحد!!
فأين أوباما من هذه الرؤية؟!
إن أوباما يعلن في مؤتمراته أنه يتجه إلى سحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، لكنه يعلن عن استمراره في حرب الجماعات التي يسميها إرهابية، وكلها إسلامية، وليس فيها جماعات المافيا الأوربية، ولا عصابات المخدرات في أمريكا اللاتينية، ولا الحكومات المتمردة في كوريا الشمالية وكوبا وغيرها، فأين ستكون حروبه هذه؟! إنها لا شك ستكون في بلاد المسلمين.
كما أنه أعلن بوضوح أنه سيسحب القوات الأمريكية؛ لأن وجودها في العراق وأفغانستان يكلف أمريكا عشرة مليارات دولار شهريًّا، وهذا يرهق دافع الضرائب الأمريكي. ولن يكون هذا السحب للقوات لإحساسه بشيء من الظلم وقع على هذه الشعوب، ولا لكون قرار الحرب كان مخطئًا في بدايته، ومن هنا فهو يبحث عن المصلحة الأمريكية فقط، وهذا في حدِّ ذاته قد لا يعيبه، ولكن العيب هو عدم احترام مصالح الآخرين، وخاصةً إن كان الأمر يتعلق بقضايا العدل وحقوق الإنسان.
وفي الملف الفلسطيني أعلن أوباما بوضوح أنه مع إسرائيل إلى النهاية، بل وزار الكيان الصهيوني في فلسطين، ولبس الطاقية اليهودية المشهورة، وصلى معهم ودعا لهم، وطلب عونهم وتأييدهم، ووعد بردِّ الجميل عند بلوغه إلى كرسيّ الرئاسة! بيل كلينتون
وانقسم اليهود إلى حزبين في هذه الانتخابات؛ فاليمين المتطرف يؤيد ماكين لوضوح عنفه وعدوانيته، وما يطلق عليهم بالحمائم وقفوا مع أوباما الذي سيحقق لهم الآمال على طريقة كلينتون دون حرب ولا إراقة دماء!
إن الفريقين مجرمون! ولكن كل فريق له طريقته الخاصة في القتل؛ فالصقور اليهودية تؤيد السفّاح ماكين، حيث سيمارس القتل بطريقة النهش أو تكسير العظام، والحمائم اليهودية تؤيد أوباما الذي سيلف حبلاً ناعمًا من الحرير حول عنق الفلسطينيين، ويجذب برفق شديد وتدرج؛ حتى تصعد روح الشعب إلى بارئها دون ضجيج إعلامي كبير!!
ومع ذلك فماكين يختلف عن أوباما في جزئية مهمة..
فماكين مثل بوش ورفيقه يكرهون المسلمين كراهية شديدة، ومن ثَمَّ فالغل والحقد الذي في قلوبهم يدفع إلى انتهاز الفرص للتعرض لهم بالإيذاء والقهر، كما أنهم قد يقبلون بتضحية في سبيل الكيد للمسلمين. إضافةً إلى أنهم ينتمون إلى اليمين المسيحي المتطرف والمعروف بالمسيحية الصهيونية، والتي ترى عداءها للمسلمين أمرًا أصيلاً، كما ترى أن إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واجب ديني لا بد أن يقوم به المسيحيون؛ تمهيدًا لعودة المسيح عليه السلام كما يعتقدون.
أما أوباما فمن حزب الديمقراطيين، وهو حزب علماني إلى حد كبير، ومنفتح على المدارس الأخرى بشكل واضح، ومن ثَمَّ فهو لا يُكِنُّ كراهية خاصة للمسلمين، إنما يبحث عن مصالحه فقط، وللأسف فإن المصالح كلها الآن تدفعهم إلى أن يدوسوا المسلمين بأقدامهم، فلا مانع حينئذٍ!!
إنني أريد للمسلمين أن يكونوا واقعيين في آمالهم وأحلامهم..
إن صعود أوباما إلى كرسي الحكم في أمريكا سيخفف الوطأة نسبيًّا على المسلمين، ولكن لن يرفعها، ولا يشك مراقب للأحداث أن أوباما سيسعى للإستمرار في الجلوس على الكرسي الوثير لمدة 4 سنوات أخرى بعد انتهاء هذه المدة، وهذا يتطلب إرضاءً للأمريكيين، وكذلك إرضاءً لليهود، ولكن لن يتطلب حتى هذه اللحظة إرضاءً للمسلمين! جون ماكين.
ولا يعتقد أحد أن الجذور الإسلامية الكينية لأوباما ستؤثر في قراراته! فالرجل اعتبر إثارة هذه النقطة هي محاولة خبيثة من الحزب الجمهوري للطعن في مصداقيته، أما هو فقد أعلن بوضوح أنه مسيحي تمامًا، وأنه أمريكي في المقام الأول، وقصة الإسلام أو إفريقيا هي قضايا تاريخية لا وجود لها في عالمنا المعاصر!
إن المسلمين أصبحوا مثل الغريق الذي يتعلق بقشة! ويبحثون عن أمل النجاة في أي منقذ ولو كان عدوًّا، ولم يدرك الكثير من المسلمين بعدُ أن عليهم أن يتقنوا السباحة بدلاً من استجداء الرحمة من أوباما أو من غيره.
ولعل كثيرًا من المسلمين يتساءلون ماذا نفعل؟! وقد رضخت حكوماتنا رضوخًا مذلاًّ لكل الأطراف، فهم يسمعون ويطيعون للديمقراطيين والجمهوريين، ويسمعون ويطيعون كذلك للصقور والحمائم، فأين السبيل؟ وكيف الخروج من الأزمة؟!
وإن الحل يكمن في نقاط ثلاث:
- رغبة صادقة في عزة هذه الأمة..
- وفَهْم دقيق لطبيعة الدين الإسلامي وشموليته ووسائل التغيير والإصلاح فيه..
- ثم أخيرًا عمل دءوب مستمر من كل المخلصين على ضوء ما فهموه من دينهم، وكلٌّ في مجاله وتخصصه.
إن بناء الأمم ليس قضية سهلة، ولكنه في ذات الوقت ليس مستحيلاً، ولا بد لتحقيقه من الاعتماد بعد الله عز وجل على سواعد المسلمين والمسلمات، وقد يتعاون المسلمون مع غيرهم من غير المسلمين، لكن لا ينبغي أن يُوكِلوا إليهم بناء أمة الإسلام، فهذا ما يرفضه العقل والشرع، ولا يؤيده التاريخ ولا الواقع!
ونسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين.
المصدر: قصة الإسلام