تنبيـــــــه لا بـــد منــه؟!
مهدي بن علي قاضي
لا شك أن أمتنا ابتعدت عن التطبيق الكامل للدين في أمور كثيرة, ووقعت
في محظورات عديدة, بعضها في العقيدة وبعضها من الكبائر وبعضها من
الصغائر, والانحرافات في العقيدة وتحكيم غير شرع الله والكبائر لاشك
أنها الأهم لكن موضوع الصغائر يحتاج إلى تنبيه خاص....
- التصنيفات: الدعوة إلى الله -
لا تحقرن صغــيرة ---- إن الجبال من الحصى
لا شك أن أمتنا ابتعدت عن التطبيق الكامل للدين في أمور كثيرة, ووقعت في محظورات عديدة, بعضها في العقيدة وبعضها من الكبائر وبعضها من الصغائر, والانحرافات في العقيدة وتحكيم غير شرع الله والكبائر لاشك أنها الأهم لكن موضوع الصغائر يحتاج إلى تنبيه خاص.
أولاً: لأنه قليلاً ما يذكر وينبه على خطره.
وثانياً: لكثرة انتشار الصغائر وتساهل الكثير من المسلمين في شأنها.
وثالثاً: لأن الكثير من المسلمين ممن نحسبهم من أهل الخير والفضل سلموا من الوقوع في الكبائر إلا أنهم مصابون بداء الإصرار على الصغائر، وهذا خطير من جوانب عديدة, فعلماء الأمة أوضحوا قاعدة مهمة يجب الانتباه لها وهي أن الصغائر تصبح مع الإصرار كبائر [1], كما قال ابن عباس رضي الله عنه: "لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار "[2], بل إن بعضهم ذكر أن كبيرة يعملها الإنسان ولكنه في نفسه نادم على عملها أرجى في المغفرة من صغيرة يصر عليها غير مبالٍ بنظر الله إليه وهو يعملها, فاستصغار الذنب يجعله عظيماً عند الله.
يقول ابن القيم: "هاهنا أمر ينبغي التفطن له, وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر, وقد يقترن بالصغيرة من قلة الحياء, وعدم المبالاة, وترك الخوف ما يلحقها بالكبائر, بل يجعلها في أعلى رتبها) [3].
قال صلى الله عليه وسلم: «إياكم ومحقرات الذنوب, كقوم نزلوا في بطن واد, فجاء ذا بعود, وجاء ذا بعود, حتى أنضجوا خبزتهم, وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه» [4].
ويقول ابن القيم: "فالإصرار على المعصية معصية أخرى, والقعود عن تدارك الفارط من المعصية إصرار ورضى بها, وطمأنينة إليها, وذلك علامة الهلاك, وأشد من هذا كله المجاهرة بالذنب, مع تيقن نظر الرب جل جلاله من فوق عرشه" [5].
وقال أيضاً: "إن استقلال المعصية ذنب, كما أن استكثار الطاعة ذنب, والعارف من صغرت حسناته في عينه, وعظمت ذنوبه عنده, وكلما صغرت الحسنات في عينك كبرت عند الله, وكلما كبرت وعظمت في قلبك قلت وصغرت عند الله, وسيئاتك بالعكس" [6].
وقال أيضاً متحدثاً عن العقبات التي يضعها الشيطان ليضل الإنسان: "العقبة الرابعة؛ وهي عقبة الصغائر فيقول له: ما عليك إذا اجتنبت الكبائر ما غشيت من اللمم, أوما علمت بأنها تُكفَّر باجتناب الكبائر وبالحسنات, ولا يزال يُهوِّن عليه أمرها حتى يصر عليها, فيكون مرتكب الكبيرة الخائف الوجل النادم أحسن حالاً منه, فالإصرار على الذنب أقبح منه, ولا كبيرة مع التوبة والاستغفار, ولا صغيرة مع الإصرار" [7].
والتساهل في الصغائر يؤدي إلى التساهل في أمور أكبر, فالواقع أن تهاون الأفراد والمجتمعات في الكبائر كان غالباً ما يسبقه تهاون وتساهل في فعل الصغائر, ولو تركنا الإصرار على الصغائر لخجل الكثير من المصرين على الكبائر من ذنوبهم, ولكن تهاوناً فشجعناهم !.
ولعله من المناسب أن يُذكَّر هنا أيضاً بأن العديد من الكبائر أصبح الكثير من المسلمين يتساهلون بها اعتقاداً منهم أنها من الصغائر [8].
ومن جانب آخر فإن الذنوب عموماً في عصرنا هذا تعظم ويشتد خطرها وأثرها نظراً لحساسية الظروف التي تعيشها أمتنا حالياً, والتي تزيد وجوب الإنابة والتوبة سواء كانت ذنوباً كبيرة أو صغيرة, وقد يدخل هذا تحت القاعدة الشرعية المتعلقة باختلاف إثم الذنب حسب الزمان والمكان الذي يعمل فيه.
وظروف أمتنا حالياً لا تحتاج ترك الذنوب فقط, بل تحتاج إلى أن نتقرب إلى الله أكثر وأكثر ليَقْرُبَ منا بإذن الله النصر والتمكين, فليتنا لا نخدع أنفسنا وأمتنا بأن نقول هذا الأمر أو ذاك بسيط وصغير!, وحتى لا يصل الأمر إلى حد أن نَمُنَّ على الله! الغني عنا بأننا نفعل كذا وكذا ولم نقع في كذا وكذا.
نقطة أخرى هامة نُنَبَّه عليها إخوتنا الذين يتساهلون في الصغائر وغيرها مـن أصحاب الفضل في أعمال برٍّ مختلفة من نوافل وصدقات وغيرها بأن عليهم ألا يجعلهم الشيطان يركنون إلى أعمالهم الصالحة, فالمسلم لا يضمن قبول عمله خاصة أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه يتقبل من المتقين, ولا شك أن استخفاف المرء بالصغائر قد يكون أحد علامات ضعف التقوى, وسلفنا الصالح كانوا يخافون من عدم القبول مع أنهم كانوا على درجة كبيرة من الصلاح في كل جوانب حياتهم, ورسولنا صلى الله عليه وسلم أخبرنا بأن أعبد الناس هو الذي يبتعد عن المحرمات, وأحب الأعمال التي يتقرب بها الإنسان إلى الله هي أداء ما افترضه الله.
قال عليه الصلاة والسلام: «اتق المحارم تكن أعبد الناس» الحديث [9],
وقال أيضاً فيما يرويه عن ربه في الحديث القدسي: «ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه» [10].
فعمل الواجبات وترك المحرمات أهم وأحب إلى الله وأرفع لدرجات العبد من شتى النوافل والصدقات, وللسلف أقوال مأثورة عن ذلك [11].
فالله سبحانه غني عن العباد وليس بحاجة لهم وأحب شيء عنده كما بُيِّن سابقا الالتزام بأمره في الصغيرة والكبيرة.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) مثل ما ذكره إبن القيم في أكثر من موضع من كتاب "مدارج السالكبين.
(2) رواه البيهقي في شعب الإيمان بنحوه.
(3) مدارج السالكين:إبن القيم,طبعة دار إحياء التراث العربي, الجزء الأول,ص 252.
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة:الألباني,ج1,ص673
(5) مدارج السالكين لابن القيم:طبعة دار إحياء التراث العربي, الجزء الأول,ص 144.
(6) المرجع السابق ص 205.
(7) المرجع السابق ص 176.
(8) حبذا الرجوع إلى بعض الكتيبات أو الكتب التي ذكرت الكبائر ومنها رسالة صغيره قيمة للشيخ عبد الله الجار الله رحمه الله .
(9) حسنه الألباني في صحيح الترمذي.حديث رقم 1876,ج2 ص 266.
(10) صحيح البخاري.حديث رقم 6137.
(11) منها قول ابن عمر رضي الله عنه : "لََــرَدُّ دَانِـقٍ من حرام أحب إلى الله من إنفاق مائة ألفٍ في سبيل الله".
المصدر: طريق الإسلام