إسراطين والنتن ياهو، ومشاريع تضييع فلسطين
ممدوح إسماعيل
فلن تقبل المقاومة مهما تباعدت السنون، إلا بدولة فلسطين حق راسخ
وأصيل على كل تراب فلسطين، وليخسأ أصحاب وَهْمِ السلام مع عدو السلام.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
منذ أن بدأ العرب الوقوع في فخ السلام الوهمي مع اليهود أعداء السلام المحتلين لفلسطين، من يومها والعرب يتخبطون في السعي وراء سراب ما يُسمى بالسلام، ولا يخفى أن اتفاقية "كامب ديفيد" كانت إعلان هزيمة العرب في صراعهم مع العدو اليهودي، واتفاقية "أوسلو" كانت إعلان هزيمة الفلسطينيين في مشروعهم المقاوم أمام العدو الصهيوني؛ لذلك توالت مشاريع تضييع فلسطين بطرق مختلفة.
ومنذ سنوات فوجئ العرب والفلسطينيين بمشروع "إسراطين"، الذي طرحه الرئيس الليبي، كحلٍ في رأيه يجمع الفلسطينيين واليهود في دولة واحدة.
وتُنسب تلك الفكرة الخطيرة إلى الرئيس الليبي، ولكن الحقيقة التاريخية تقول إن أول من أعلنها هو فلسطيني نصراني يُدعى "أنطون يعقوب إبراهيم الأعمى" قدمها كاقتراح في عام 1937م، بإعلان دولة عربية يهودية واحدة في فلسطين باسم "إسراطين"، وقد ذكر ذلك المؤرخ الفلسطيني "عدنان مسلم" الذي تحدث عن اقتراح الأعمى في كتابه: (صفحات مطويات من تاريخ فلسطين في القرن العشرين).
وقد عاد إلى السطح مرة أخرى مشروع "إسراطين"، وذلك عقب تولي "نتانياهو" الحكم ومعه "ليبرمان" في الخارجية، ورفضهم مشروع الدولتين الفلسطينية والعبرية.
وفي أوائل شهر مايو 2009م، وهو شهر يتذكر فيه الفلسطينيون والعرب ما سُمي بالنكبة، في 15 مايو من كل عام، تناقلت وسائل الإعلام خبرًا مثيرًا عن السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية، وذلك عقب لقاء جمعه مع مبعوث للكونجرس الأمريكي "بريان بيرد"، الذي طالب العالم العربي بـ"ممارسة ضغوط" لوقف نمو ما سماها "الحركات الإرهابية"؛ مثل: حركة حماس وحزب الله، حسب قوله.
إلا أن عمرو موسى كان له رأي وتصريح خطير؛ حيث قال: "أنه يعتقد بأنه إن لم تصل المفاوضات مع الضغوط إلى حل الدولتين؛ فإن الخيارين الآخرين هما: إما المقاومة، وإما حل الدولة الواحدة، وقد اعتبر الكثيرون التصريح بحل الدولة الواحدة ترويج لفكرة "إسراطين".
وزاد البعض واعتبروا أن تصريح عمرو موسى نكبة جديدة، خاصة أنه لم ينف التصريح أو يكذبه أو يعدِّله أو حتى يبرره.
لكن الحقيقة أن تصريح عمرو موسى، ومن قبله إعلان القذافي عن دولة "إسراطين"، التي تبناها وأسس لها موقع الكتروني وكتَّاب يدعمون الفكرة، كل ذلك ليس بجديد في خط التنازل والانهزام العربي منذ أن ظهرت وساوس الشيطنة الصهيونية في أذن الاستعمار البريطاني، في أوائل القرن العشرين، وتواصلت ضغوط الصهاينة حتى تعاون المستعمر البريطاني مع الشيطان الصهيوني، وأعطاه وعدًا لا يستحقه في أرض لا يملكها.
وكانت البداية من الفلسطينيين والعرب رفض تام للوجود اليهودي الصهيوني ومقاومة وتضحيات بإجماع عربي، وذهب العرب جميعًا إلى معركة 1948م، ولكن المعركة أسفرت عن وجه الخيانة داخل العرب، التي أعطت الفرصة لهزيمتهم وإعلان دولة اليهود على جزء غالٍ من أرض فلسطين.
ثم كانت الهزيمة الثانية في عام 1967م؛ فتغير المشروع العربي من المقاومة والرفض التام للشيطان الصهيوني، بالقبول به ومطالبته بالانسحاب لحدود 1967م، وتنفيذ قرار الأمم المتحدة 242.
وحتى مع نصر أكتوبر 1973م تراجع العرب، وبدلًا من الضغط على المحتل ظهرت مفاوضات السلام المصرية مع دولة "إسرائيل"، والتطبيع والاعتراف التام بدولة الصهاينة، وتنوعت مواقف العرب ما بين التأييد والرفض والسكوت.
ثم ما لبث العرب في بداية الألفية الثانية إلا أن وافقوا بالإجماع على مشروع الدولتين؛ فلسطينية و"إسرائيلية"، والعيش في سلام ووئام مع الشيطان الصهيوني السابق، ولكن مرت السنوات والصهاينة لم يعلنوا موقفًا واضحًا وعمليًّا من قبول مشروع الدولتين، بل ازداد ظلمهم وعدوانهم على الفلسطينيين حتى وصلنا إلى العدوان على غزة واستشهاد ما يقرب من 1500 فلسطيني في مذبحة علنية أمام العالم، وتوسع تام وكامل في المستوطنات، حتى يكاد يصبح الفلسطينيون غرباء في وطنهم.
ومحاولات هدم للمسجد الأقصى، وتغيير تام للهوية العربية للأراضي الفلسطينية، خاصة القدس، ورغم كل ذلك لم يستطع العرب اتخاذ موقف قوي واحد أمام العدوان البشع على الفلسطينيين وأرض فلسطين والأقصى.
لذلك؛ لا تعبر تصريحات عمرو موسى إلا عن حقيقة الموقف العربي الذي يعاني من حالة انهزام وسقوط مريع، في ظل حالة فرقة وخلاف وتضارب للمصالح والأجندات، ولكن المصيبة التي كشفت عن نفسها في تصريحات عمرو موسى، بصفته ممثل العرب، تكمن في أنها تعبير عن أن الكثير من العرب يريدون أي حل بأية طريقة، ومهما كان الثمن، حتى تنتهي مشكلة فلسطين.
ونتيجة لذلك السقوط العربي؛ خرج "النتن ياهو"، رئيس وزراء العدو الصهيوني على العالم في 14 يونيو بتصريحات خطيرة ومهمة، وذلك في خطاب يهودي صهيوني شيطاني ألقاه في جامعة "بار إيلان"، لتحديد سياساته الخاصة بما يدَّعونه زورًا السلام، من ضمن ما جاء فيه أنه قال: "نحن نطلب اليوم من أصدقائنا في المجتمع الدولي، ولاسيما الولايات المتحدة، ما هو أمر حاسم بالنسبة لأمن دولة "إسرائيل"، تعهد صريح بأن تكون الأراضي التي في أيدي الفلسطينيين بموجب أي اتفاق دائم للسلام منزوعة السلاح، أي ينبغي أن تكون بلا جيش، وبلا سيطرة على المجال الجوي، مع رقابة فعالة تمنع دخول الأسلحة إلى أراضيهم، وغني عن القول أن الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على الدخول في اتفاقات عسكرية.
من بين الشروط الأساسية لوضع نهاية للصراع؛ اعتراف علني مُلزم وصادق من جانب الفلسطينيين بدولة "إسرائيل" على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي.
إذا تلقينا هذا التعهد بخصوص نزع السلاح والترتيبات الأمنية التي تطلبها "إسرائيل"، وإذا اعترف الفلسطينيون بـ"إسرائيل" على أنها الدولة القومية للشعب اليهودي؛ فسنكون مُستعدين في إطار اتفاق سلام مستقبلي للتوصل إلى حل يتضمن قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جوار الدولة اليهودية".
واعتبر أن هناك وفاقًا وطنيًّا داخل "إسرائيل" حول الموضوع، مشددًا على أن: "القدس عاصمة "إسرائيل" وستظل موحدة"، ورفض "النتن ياهو" عودة اللاجئين الفلسطينيين، وقال: "إن حل قضيتهم ينبغي أن يتم خارج "إسرائيل"".
ودعا في هذا الإطار السلطة الفلسطينية إلى بدء مفاوضات سلام بدون شروط مسبقة، قائلًا: "نريد أن نعيش بسلام مع الفلسطينيين! عليهم أن يختاروا ما بين طريق السلام وطريق حماس"، في إشارة إلى حركة المقاومة الإسلامية.
وأضاف: أن على "السلطة الفلسطينية أن تفرض القانون والنظام وأن تتغلب على حماس"، مؤكدًا أن "إسرائيل" (لن تتفاوض مع إرهابيين يحاولون تدميرها).
من الواضح من خطاب "النتن ياهو"، أنه يرفض كل ما قدمه العرب والفلسطينيين من تنازلات، ويريد تركيعهم بدون أي مكياج تجميل، والخطاب واضح لا جديد فيه مطلقًا، فهو يحتوي الآتي:
1- سراب وعد بمشروع دولة وهمية لا قوة لها، ولا قيمة لها، ولا استقلال لها، والاسم المعلن أنها دولة.
2- القدس عاصمة لليهود، ولا حق للعرب مطلقًا فيها.
3- شرط الدخول في أية مفاوضات، أن يقتل الفلسطينيون المنتسبون للسلطة، والمنتسبون زورًا للاعتدال، إخوانهم الفلسطنيين في حركة حماس، حتى لا يبقى معارض لدولة اليهود.
4- لا عودة للاجئين، يعني لا شعب فلسطيني أمام شعب ودولة يهودية.
الحقيقة أن خطاب "النتن ياهو" يتضمن بوضوح مشروعًا أسوأ من المشروع الشيطاني دولة "إسراطين" التي تلتزم فيها الحكومة أيًّا كانت برعاياها كلهم، باختلاف عرقياتهم وديانتهم، فمشروع "النتن ياهو" هو إلقاء الفلسطينيين بعيدًا عن أي التزام وإدخالهم في نفق مظلم لا مخرج له، من الخلافات والاقتتال ووهم السلام، مع تركيعهم بالاعتراف بدولة اليهود، والقدس عاصمة لدولة اليهود.
ولكن الولايات المتحدة رحَّبت بالخطاب، والعرب أعلنوا رفضهم، ولكن كم من مرة أعلن العرب رفضهم ثم عادوا صاغرين لقبول ما رفضوه علنًا وفي ظل الضعف والانقسام العربي واختلاف أجندات المصالح لكل نظام عربي.
هل يقبل العرب بمشروع "النتن ياهو" الأخير؟، ويكون الثمن ضياع فلسطين وبيعها للشيطان والتفريط في الأقصى والقدس ودماء الشهداء وأرض فلسطين.
وهل يكون ثمن الانهزام العربي إعلان دولة اليهود القومية وضياع فلسطين؟
وحتى هذا لن يقبله الشيطان الصهيوني أبدًا؛ فحلمه دولة "إسرائيل" من النيل إلى الفرات، وهو حلم موجود في كتبه وتراثه وعقيدته ومشاريعه، وفي سياسته ومؤسساته وعلى عَلَمه رمز دولته ولكنه مهما كان يبقى المشروع الصهيوني مجرد حلم.
وأخيراً
نعم لقد انهزم العرب يوم أن ضيعوا شريعة الرحمن ولم يحكموا بها...
نعم لقد انهزم العرب يوم أن فرطوا فى فريضة الجهاد فى سبيل الله...
ولكن طالما بقى رجال وشباب مؤمنون بربهم مؤمنون بشريعة ربهم وأن جهاد المحتلين اليهود حق فلن تضيع فلسطين ولن يضيع الأقصى...
بإذن الله ستبقى المقاومة المجاهدة تضحي وتقاوم فى سبيل الله من أجل حقها المشروع حقها الشرعي والقانوني والإنساني والعقلي الذي لا يستطيع أن ينكره أحد، حتى الشيطان الصهيوني، وحتى ولو قبل المنهزمون العرب؛ فلن تقبل المقاومة مهما تباعدت السنون، إلا بدولة فلسطين حق راسخ وأصيل على كل تراب فلسطين، وليخسأ أصحاب وَهْمِ السلام مع عدو السلام.
المصدر: طريق الإسلام