تفتقر إليه الخلائق
أبو الهيثم محمد درويش
- التصنيفات: التفسير -
تفتقر إليه الخلائق و هو الغني لا يفتقر إلى غير
يقوم كل شيء به و يخضع كل شيء لقوته و عظمته وجبروته
لا قوة و لا جبروت و لا تحكم في هذا الكون إلا بإذنه و إلا بقوته و جبروته و حكمه وحده سبحانه.
لا نبي مرسل و لا ملك مقرب و لا ولي صالح ينفع أو يشفع إلا بإذنه سبحانه و تعالى فلا يملك النفع و الضر إلا الملك جل جلاله .
و من قيوميته و حكمته و حكمه و كمال ملكه أرسل على خلقه رسلاً و أنزل إليهم رسالات فيها الصلة المستمرة به سبحانه و تحوي بيان مراده من خلقه و توضح لهم كل مصلحة وتدلهم عليها و تمنع عنهم كل مفسدة و تبعدهم عنها .
و كل رسالة أنزلت في عصر من العصور نزلت بما يتناسب وفهم أهل هذا العصر مناسبة لقدراتهم ومقدراتهم .
ثم أتى القرآن مهيمنا خاتماً إلى قيام الساعة يناسب فهوم أهل آخر الزمان منذ بعثة محمد صلى الله عليه و سلم و حتى قيام الساعة .
قال تعالى :
{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ . نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ . مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} . [آل عمران 2-4] .
قال السعدي رحمه الله :
هو الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد إلا لوجهه، فكل معبود سواه فهو باطل، والله هو الإله الحق المتصف بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية، فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا يرام { القيوم } الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد، فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح.
ومن قيامه تعالى بعباده ورحمته بهم أن نزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب، الذي هو أجل الكتب وأعظمها المشتمل على الحق في إخباره وأوامره ونواهيه، فما أخبر به صدق، وما حكم به فهو العدل، وأنزله بالحق ليقوم الخلق بعبادة ربهم ويتعلموا كتابه { مصدقا لما بين يديه } من الكتب السابقة، فهو المزكي لها، فما شهد له فهو المقبول، وما رده فهو المردود، وهو المطابق لها في جميع المطالب التي اتفق عليها المرسلون، وهي شاهدة له بالصدق، فأهل الكتاب لا يمكنهم التصديق بكتبهم إن لم يؤمنوا به، فإن كفرهم به ينقض إيمانهم بكتبهم، ثم قال تعالى { وأنزل التوراة } أي: على موسى { والإنجيل } على عيسى.
{ من قبل } إنزال القرآن { هدى للناس } الظاهر أن هذا راجع لكل ما تقدم، أي: أنزل الله القرآن والتوراة والإنجيل هدى للناس من الضلال، فمن قبل هدى الله فهو المهتدي، ومن لم يقبل ذلك بقي على ضلاله { وأنزل الفرقان } أي: الحجج والبينات والبراهين القاطعات الدالة على جميع المقاصد والمطالب، وكذلك فصل وفسر ما يحتاج إليه الخلق حتى بقيت الأحكام جلية ظاهرة، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة لمن لم يؤمن به وبآياته، فلهذا قال { إن الذين كفروا بآيات الله } أي: بعد ما بينها ووضحها وأزاح العلل { لهم عذاب شديد } لا يقدر قدره ولا يدرك وصفه { والله عزيز } أي: قوي لا يعجزه شيء { ذو انتقام } ممن عصاه.