رحلة البحث عن السعادة (2)
محمد علي يوسف
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
لازلنا مع تلك الرحلة التي يرتحلها كل منا في تلك الحياة
رحلة يريد أن يصل في نهايتها لتحقيق ذلك الشعور الرائع سواء حققه عاجلا أو آجلا وسواء دام واستقر أو كان مؤقتا عابرا
المهم أن يشعر بالسعادة ويحقق تلك الغاية
البعض أدرك تلك الحقيقة التي تقطع بأن السعادة الحقيقية لا تتحقق ولا تكتمل ولا تدوم إلا في دار أخرى خير وأبقى..
{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [سورة هود]
أدركوا ذلك وعملوا لأجله وهذا بلا شك هو أعظم إدراك وخير عمل
المشكلة أنهم في خضم الانشغال بذلك العمل الجليل والمقصد النبيل غفلوا أو لم يعلموا تلك الحقيقة الأخرى التي تحدثنا عنها في الجزء الأول من هذا المقال (ورابطه في أول تعليق)
حقيقة أن شيئا من تلك السعادة يذاق في الدنيا وأنه ثمة جنة تستطيع أن تدخلها في تلك الدار العاجلة
جنة الدنيا
قلنا أن الأمر ممكن والبعض بالفعل أدركه وعاينه وتقلب في حدائق بهجته وبساتين لذته فالدنيا الدنيا إذا ليست شقاءً خالصا للمؤمنين
يقول الله في سورة طه: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"
ويقول أيضا في نفس السورة: "فمن اتبع هداى فلا يضل ولا يشقى"
وثالثة يقول فيها عن الشيطان: "إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى"
الملاحظ هنا أن الشقاء نفى في موضعين بالسورة وأثبت فى موضع
نفي حال ملازمة القرآن واتباع منهج الله وهداه وذلك أصل الجنة الأرضية
وأثبت الشقاء حال الخروج من جنة السماء حال الاستجابة لنزغات الشيطان
المعنى الذى يتجلى بجمع هذه الآيات أن الشقاء إنما يكون خارج الجنة والنعيم يكون فقط داخلها
وذلك فى الدنيا قبل الآخرة
فيقل الشقاء حال المكث فى جنة الدنيا التى حدثنا عنها العباد والصالحون وكرروا ذكرها والتى هى في الحقيقة الطريق لجنة الآخرة حيث لا شقاء ولا نصب ولا وصب ولا جوع ولا ظمأ
لكن كيف يعيش المرء في تلك الجنة وكيف يتذوق شيئا من نعيمها وهو بين ظهراني الدنيا؟!
سؤال كان دائما يثير في عقلي مكامن التفكير ويحرك في قلبي حنين واشتياق لتلك اللذة
ولقد نظرت في نعيم أهل الجنة الذي كلمنا ربنا عن شىء منه في كتابه الكريم فوجدت كثيرا مما فيه يمكن تذوقه في الدنيا
فمن نعيم أهل الجنة مثلا أنهم "لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا" (النبأ)
وكذلك "لا يسمعون فيها لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا" (الواقعة)
يُفهم من ذلك إذا أن سماع اللغو والكذب والإثم يعد من منغصات الدنيا وضيق عيشها
ولكم أعجب ممن بإمكانه أن يتذوق بعض ذلك النعيم بالإعراض عن سماع اللغو كما أمره الله ومع ذلك يدمن تنغيص حياته ويزكم أنفه برائحة اللغو والكذب الخانقة
{ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْو أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} هذا توجيه قرآني جليل يتذوق من استجاب له بعضا من نعيم "لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا"
فقط عليه أن يكون من عباد الرحمن الذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما..
وتلك والله نعمة وفضل لا يشعر به إلا من تمكن من الاستعلاء على آثام الدنيا ولغوها وكذبها والتفت إلى ما ينفعه وحرص عليه!
أما من أدمنوا مجالس اللغو وتحروا فاحش القول وساقط الكلام فما أبعدهم عن تلك اللذة وما أشد حرمانهم من هذه النعمة التي هُدي إليها أهل الجنة في الدنيا والآخرة
{وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}
تستطيع إذا بالإعراض عن اللغو والكذب وتحري الطيب من القول في الدنيا أن تتذوق شيئا مما يتذوقه أهل جنة الآخرة
ليس هذا فحسب بل هناك المزيد لكن نكمله في مقال قادم إن شاء الله