[11]النار دار الأشقياء
خالد أبو شادي
عمل أهل النار الكفر والفسوق والعصيان.
- التصنيفات: الدار الآخرة - أعمال القلوب -
الحمد لله رب العالمين أمر بتقواه وأخبر أن من اتقاه وقاه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله أكرم الخلق على الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسلَّم تسليمًا كثيرًا أما بعد :
فيقول سبحانه وتعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:131-132].ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
اتقوا النار يا عباد الله وامتثلوا لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ففيهما النجاة منها فهي دار البوار والبؤس والشقاء، والعذاب الشديد، مصير من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. سُكَّانها شرار الخلق من الشياطين واتباعهم من الإنس والجن قال تعالى مخاطبًا إبليس: {فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:84-85].
النار دار رؤوس الكفر والنفاق، دار فرعون وهامان، وقارون، وأبي جهل وأُبي بن خلف، وغيرهم كثير من الطغاة والفجَّار. مكانها بعيدٌ في أسفل السافلين لها دركات أسفلها دار المنافقين فيها السعير ولظى والحطمة والهاوية وغيرها طعامها الزقوم وأشجارها كأنها رؤوس الشياطين مُرة الطعم والذوق كريهة المنظر قال تعالى: {لا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} {الغاشية:7}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ا » (سنن الترمذي [2585]).
هذا طعامهم إذا جاعوا وإذا أكلوا ازدادوا عطشًا وبحثوا عن الماء قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29]. وإذا أراد أن يشرب من هذا الماء سقطت فروة شعره ولحمة وجهه، وإذا شرب أهل النار من هذا الماء قُطِّعت أمعاؤهم ومُزِّقت جلودهم وانسلَ ما في بطونهم، ويخرج من أدبارهم وهو مضطرٌ على فعل ذلك قال تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17].وأما لباسهم يشتد عليهم الحرارة والعذاب قال الله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50]، قال تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ . يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ . وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ . كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ} [الحج: 19-22].
النار حرها شديد وقعرها بعيد، نارها تفوق نار الدنيا بتسعة وستين جزءا لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى سوداء مظلمة عذابها شديد يتمنى أهلها الخلاص والراحة من العذاب ولو لحظة فينادون خزنة جهنم: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ العَذَابِ} [غافر:49] فترد عليهم الملائكة: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} [غافر:50] فلا يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله فكان الجزاء من جنس العمل فيقول أهل النار لله عز وجل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ. رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106-107] فيقول الله جل وعلا لهم: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] وعلى هذا يزدادون بؤسًا وحسرةً وندامة قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] وعلى هذا فإن أشد العذاب لهم بأنهم لا يرون الله جل وعلا: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجَحِيمِ. ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُون} [المطففين:15-17] إذا رأت أهلها: {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12]. أهل النار تتقطع قلوبهم وهم فيها: {إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ. تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ. قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ} [الملك:7-9].
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما عمل أهل النار؟
"الحمد لله رب العالمين عمل أهل الجنة الإيمان والتقوى وعمل أهل النار الكفر والفسوق والعصيان؛ فأعمال أهل النار الإشراك بالله والتكذيب بالرسل والكفر والحسد والكذب والخيانة والظلم والفواحش والغدر وقطيعة الرحم والجبن عن الجهاد، والبخل واختلاف السرِّ والعلانية واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله والجزع عند المصائب والفخر والبطر عند النعم وترك الفرائض واعتداء حدوده وانتهاك حرماته وخوف المخلوق دون الخالق، والعمل رياء وسمعة، ومخالفة الكتاب والسُّنة وطاعة المخلوق في معصية الخالق والتعصب الباطل والاستهزاء بآيات الله وجحد الحق، وكتم الحق لما يجب إظهاره من علم وشهادة، ومن عمل أهل النار السِّحر وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم والربا والفرار من الزحف وقذف المحصنات الغافلات" انتهى كلامه رحمه الله.