هل يستهدف المجتمع الدولي المسلمين السنَّة

حروبهم هي بالدرجة الأولى ضد الإسلام؛ لأنها تعلم أن الإسلام لا يمكن أن يتصالح مع الاحتلال والهيمنة الكافرة على بلاد الإسلام وعلى المسلمين، وبالتالي فالإسلام هو حجر العثرة الوحيد في طريق هيمنتهم والسيطرة على ثرواتنا وفتح أسواقنا لمنتجاتهم.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

لماذا لم يلاحق المجتمع الدولي حسن نصر الله كما لاحق أسامة بن لادن، أو كما يلاحق أيمن الظواهري؟
لماذا لا توجه إسرائيل صواريخها إلى حسن نصر الله حين يخطب في جماهير حزب الله، بالطريقة التي وجهت فيها صواريخها ضد الشهيدين أحمد ياسين والرنتيسي ورفاقهم؟ لماذا يلاحق المجتمع الدولي المقاتلين السنَّة وأغلبهم سوريون وعراقيون، بدعوى تدخلهم في "بلدانهم" العراق وسوريا، ويغض بصره عن ميليشيات حزب الله والحرس الثوري والميليشيات العراقية والأفغانية، بل والتدخل الروسي؟

لماذا يبارك المجتمع الدولي عمليات الإساءة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، رغم ما تنطوي عليه هذه الإساءات من مخالفة صريحة لمبادئ وبنود حقوق الإنسان وضرورة تجريم ما يسيء ويؤذي الغير، كما حكمت بذلك محكمة حقوق الإنسان الأوربية مثلاً، بينما يُجرِّم مجرد التشكيك بالهولوكست؟ لماذا يستضيف الغرب كل ساقط يهاجم نبي الإسلام أو دين الإسلام، فيبجله ويكرمه ويدعم نشر فكره ومؤلفاته، بل ويغدق عليه من الأوسمة والنياشين؟

لماذا يصمت المجتمع الدولي عن أي جريمة يكون الضحية فيها مسلمين سنَّة ولو كانوا بمئات الألوف، كما يجري في سوريا والعراق وبورما والهند وإفريقيا الوسطى، بينما ينتفض هذا المجتمع الدولي حين يكون الضحايا عشرات من المسيحيين أو الأكراد أو الشيعة؟ لماذا يتحالف المجتمع الدولي مع الحكومات الديكتاتورية العربية، فيبارك انقلاباتها، وجرائمها، ويدعم تصفيتها لمعارضيها من جماعات الإسلام السياسي السني؟.. لماذا يصمت الغرب عن مذبحتي رابعة والنهضة، ويقبل التطبيع مع نظام السيسي رغم الانقلاب والمذابح؟ لماذا يتواطأ المجتمع الدولي لمنع حكم السنَّة في سوريا، رغم أنَّ هذا المجتمع الدولي اعتاد على الهجوم على بشار الأسد وإيران وحزب الله بدعوى أنَّهم محور شر يريد تدمير إسرائيل؟

الجواب باختصار شديد:
المجتمع الدولي يستهدف المسلمين السنَّة. رغم أن مصطلح "مجتمع دولي" هو مصطلح مخادع؛ فلا وجود لمجتمع دولي حقيقي، بل هناك مجموعة قليلة لها حق نقض أي قرار دولي، حتى وإن حصل على غالبية ساحقة من أصوات دول هذا "المجتمع الدولي".

إنَّ هذا العالم الذي نعيش فيه هو عالم محكوم بتوازن قوى خمس دول قوية تمارس البلطجة: أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا. أعطيت هذه الدول حق فعل ما يحلو لها لمجرد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، وليس بسبب نصاعة سجلها في حقوق الإنسان أو في الإغاثة أو الحرص على السلام العالمي. 

ولأربع من هذه الدول الخمس ارتكبت في القرن الماضي مجازر مروعة في بلادنا العربية والإسلامية، راح ضحيتها ملايين المسلمين السنَّة. هذا لا يعني أنَّها لم تتسبب في مصرع ملايين المسيحيين في الصراعات البينية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن حروبها تلك كانت حروب مصالح ومناطق نفوذ، ولم يكن لها جذرٌ ديني في الأصل.

بعكس حروبها في بلداننا في الماضي والحاضر، فحروبها هي بالدرجة الأولى ضد الإسلام؛ لأنها تعلم أن الإسلام لا يمكن أن يتصالح مع الاحتلال والهيمنة الكافرة على بلاد الإسلام وعلى المسلمين، وبالتالي فالإسلام هو حجر العثرة الوحيد في طريق هيمنتهم والسيطرة على ثرواتنا وفتح أسواقنا لمنتجاتهم.

قد تكون الحكومات الغربية حكومات غير دينية، لكن حربها ضدنا هي دينية من جهة أنَّها تحارب "دين" الإسلام بوصفه يقوِّض مصالحها الاستعمارية التوسعية.ولهذا حرص الغرب بعد أن أيقن باستحالة بقائه في بلاد العرب والمسلمين، أن يضع حكومات عميلة من بني الإسلام تنفذ أجندته، لكن دون أن تستثير الحمية الإسلامية "الجهادية". وبهذا ضمن الغرب بقاء مصالحه دون أن يدفع ثمناً باهظاً كما في السابق. فظلم ذوي القربى مقبول في الثقافة العربية والإسلامية، حتى وإن كان أشد وأسوأ وأكثر وحشية من ظلم "الكفَّار" المستعمرين، وهو ما أدركه الغرب من دراساته الاستشراقية الإمبريالية.

لذا لم يعد غريباً أن تجد حكماً عربياً ينفذ أجندة الغرب في ملاحقة الإسلام والإسلاميين والمقاومين، ولم يعد غريباً أن تجد هذا الحكم العربي يبني جهازاً إعلامياً ضخماً يبرر ركوعه وخضوعه وعمالته للغرب، تحت زعم الأمن والوحدة والسلام. مما أدركه الغرب أيضاً أن الشيعة في غالبيتهم الساحقة يرون أنفسهم خارج الأمة الإسلامية "السنية"، التي يعتبرها الشيعة أمة مرتدة عن الإسلام، مغتصبة للحق الإلهي لآل البيت، بحسب السردية الشيعية الجديدة التي أتى بها نظام الولي الفقيه!

ولهذا يعلم الغرب جيداً أن الشيعة مستعدون للعب دور الطابور الخامس في الجسم الإسلامي، وهو الأمر الذي تشهد له حوادث التاريخ. وأنهم، أي الشيعة، على استعداد للتحالف مع النصارى والملاحدة، بل واليهود، إذا كان العدو هو الأمة المسلمة السنيَّة.

فالغرب يعرف جيداً أن الشيعة يُكفِّرون ويشتمون رموز الإسلام من الصحابة وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم، ويدَّعون تحريف القرآن الكريم، ويعتقدون أن السنَّة نواصب مرتدين. يعرف الغرب كل هذا بشكل جيد، ويعرف أن مصلحته ليست في دعم الأغلبية السنيَّة، لأن ذلك الدعم كفيل بسحق الأقلية الشيعية وبالتالي سقوط سياسة "فرِق تسد". بل مصلحته هي في دعم الأقلية الشيعية ومدها بكل ما تحتاجه من قوانين دولية ومبررات حقوقية وحماية أممية للسيطرة وضبط الأغلبية السنيَّة!، بدا هذا واضحاً في الحاضر القريب مع التنسيق الأمريكي الإيراني في احتلال العراق وأفغانستان، وهو الأمر الذي افتخر به محمد أبطحي مدير مكتب خاتمي الرئيس الإيراني "المعتدل" الأسبق.

نعم قد تتنافر المصلحة الشيعية مثلاً مع المصلحة الغربية تكتيكياً في هذا المكان أو ذاك، وقد تحدث حرب صغيرة هنا وهناك بين شيعة حزب الله وإسرائيل، لكنها تظل حروب وفق قواعد الاشتباك المعتادة، التي لا يتم فيها سحق حزب الله بالكامل، ولا قتل أحد من قادته الكبار المرضي عنهم إيرانياً كحسن نصر الله أو نعيم قاسم مثلاً، ومن يتم قتلهم يكونون في العادة قد تجاوزوا الخطوط الحمراء الغربية والصهيونية.

كل ما يجري في الغرب من حملات عدائية إعلامية وسياسية واجتماعية ودينية يأتي في هذا الإطار، تصوير الإسلام "السني" المقاوم الحقيقي لقوى الاستكبار العالمي كدين متوحش يأبى التحضر والمدنية، وبالتالي يبرر لحكوماتهم الاستعمارية الإمبريالية "المجرمة" غزو بلاد المسلمين وتطهيرها من "الجهاديين" و"المقاومين" المتوحشين، والإبقاء فقط على السذَّج والحمقى والجبناء والعملاء والمنبهرين "المعتدلين" الذين يقبلون "الآخر"، مهما كان هذا الآخر مجرماً وقاتلاً ولصاً.

إنَّ الغرب الغازي يريد مسلمين يقدمون السلام على الحرب، والحضارة على المقاومة، والأمن على الفوضى، ولا يهم إن كان بلدهم محتلاً ومنهوباً ومستباحاً. يجب أن يبدأ المسلمون والعرب بالتعامل مع هذا العالم وفق حقيقته، وحقيقته هي أنه غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وحقيقته أنه لا وجود لحقوق ومبادئ إنسانية عامة، بل هناك حقوق للرجل الأبيض فقط، يتم تطبيقها داخل حدوده الوطنية. وأن القانون الدولي موجود فقط لاستدامة سيطرة هذه القوى الخمس على العالم.

على المسلمين والعرب أن يبدأو بالتعامل مع حقيقة أنَّهم محتلون، احتلالاً غربيًا، كالذي حدث في القرن الماضي، لكن وفق نسخة مترجمة عن ذلك الاحتلال. وحتى يدرك المسلمون والعرب حقيقتهم وحقيقة هذا المجتمع الدولي والعالم كما هو، سيستمرون ينظرون لكل ما كتبته في الأعلى بوصفه كلامًا طائفيًا وحشيًا همجياً مليئاً بالكراهية والصدام، لكنهم لن يستطيعوا تفنيد كلمة واحدة، هم فقط اعتادوا على ترداد أكاذيب الغرب المواربة في تسمية الأشياء بغير أسمائها.

إننا في عصر احتلال وحرب ضد الإسلام والمسلمين من قوى الكفر والاستعمار، وهي حرب– ويا للسخرية- يعلم بحقيقتها القاصي والداني، باستثناء المسلمين.
----------------------
عبد الله المفلح.

المصدر: موقع المختصر