قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ

أبو الهيثم محمد درويش

  • التصنيفات: التفسير -

كم من قصة و كم من عبرة و عظة 
أمم آمنت ففازت و حسنت سيرتها و انتشر شذا ذكراها إلى يوم الناس هذا 
وأمم  كفرت و ظلمت و طغت ففاحت رائحتها العفنة في صفحات التاريخ و انتشر نتنها حتى يوم الناس هذا 
كم من ملك طغى 
كم من شعب ضعف و اتبع هوى الظالمين 
و كم من رجل باع دينه بدنياه أو اغتر بماله و جاهه و حارب مولاه
و كم من امرأة فسدت فأسدت و اشتهرت بسوء العاقبة 
وكم من نبي قاتل معه ربيون
وكم من عالم صالح أنقذ الأمة من فتن
و كم من مجاهد دافع عن مبادئه عبر التاريخ 
كلتا الصورتين مرصودة 
و الواعظ يذكر
و اللبيب ينتفع
و المفتون يزداد فتنة 

إنها سنن الله
فاللهم لا تفتنا في ديننا و توفنا على الإسلام و الصلاح و احشرنا مع الصالحين و أخلف لنا ذكرا من لدنك حسناً.
ها هو القرآن يعظ و يهدي و يبين هذه المسألة بالغة الأهمية فيقول :

{ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ } [آل عمران  137 - 138] .
وهذه الآيات الكريمات، وما بعدها في قصة "أحد" يعزي تعالى عباده المؤمنين ويسليهم، ويخبرهم أنه مضى قبلهم أجيال وأمم كثيرة، امتحنوا، وابتلي المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فلم يزالوا في مداولة ومجاولة، حتى جعل الله العاقبة للمتقين، والنصر لعباده المؤمنين، وآخر الأمر حصلت الدولة على المكذبين، وخذلهم الله بنصر رسله وأتباعهم.
{ فسيروا في الأرض } بأبدانكم وقلوبكم { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } فإنكم لا تجدونهم إلا معذبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خوت ديارهم، وتبين لكل أحد خسارهم، وذهب عزهم وملكهم، وزال بذخهم وفخرهم، أفليس في هذا أعظم دليل، وأكبر شاهد على صدق ما جاءت به الرسل؟"
وحكمة الله التي يمتحن بها عباده، ليبلوهم ويتبين صادقهم من كاذبهم، ولهذا قال تعالى: { هذا بيان للناس } أي: دلالة ظاهرة، تبين للناس الحق من الباطل، وأهل السعادة من أهل الشقاوة، وهو الإشارة إلى ما أوقع الله بالمكذبين.
{ وهدى وموعظة للمتقين } لأنهم هم المنتفعون بالآيات فتهديهم إلى سبيل الرشاد، وتعظهم وتزجرهم عن طريق الغي، وأما باقي الناس فهي بيان لهم، تقوم به عليهم الحجة من الله، ليهلك من هلك عن بينة.
ويحتمل أن الإشارة في قوله: { هذا بيان للناس } للقرآن العظيم، والذكر الحكيم، وأنه بيان للناس عموما، وهدى وموعظة للمتقين خصوصا، وكلا المعنيين حق.
أبو الهيثم