[06] الخوف - الأسباب الجالبة للخوف
خالد أبو شادي
عشرون سببًا لجلب الخوف من الله.
- التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -
الخوف ليس مقصودًا لذاته بل لما بعده من فعل الواجبات وعدم تركها والبعد عن المحرمات وعدم ارتكابها وإذا زاد يمكن أن يكون فعل مستحبات وترك مشتبهات وإذا زاد أكثر يصبح مذمومًا وإذا نقص عن هذا يكون أيضاً ناقصاً لا يؤدي إلى النتيجة المطلوبة، فمن الأسباب الجالبة للخوف:
1- سابق الذَّنب الذي وقع فيه.
2- حذر التقصير في الواجبات.
3- الخوف من المصير أن يكون على ما يكره.
4- إجلال الله و تعظيمه {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} [النحل:50] والملائكة خوفهم من الله شديد جدًا {حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ} [سبأ من الآية:23] فالله إذا تكلم بالكلمة في السماء من أوامره ضربت الملائكة بأجنحتها خضوعًا لقوله، فأصدرت صوتًا عظيمًا كجرّ السلسلة العظيمة على الصخرة ثم يغشاهم من الفزع ما يغشاهم ورجعوا إلى حالة يستطيعون فيها الكلام قالوا ماذا قال ربكم تناقلت الأوامر قالوا الحق، فإذاً إجلال الله يقتضي الخوف والهيبة منه جل وعلا وهذه أهمية معرفة أسماء الله وصفاته.
5- الخوف من الله يتعلق بقضيتين:
أ – الخوف من عذابه.
ب – الخوف من الله.
الناس العامة ينزعون إلى الخوف من النار أكثر، وأهل الفقه والعلم خوفهم من الله قبل خوفهم من ناره لأن العامة قد يكون فهمهم وعلمهم قليل وبساطة فأحياناً لا يتذكر من كل القضية إلا النار، وقد لا يستوعب أن الخوف من الله قبل الخوف من ناره أول وأكبر وأعظم.
قال ابن قدامة: في مقامي الخوف "المقام الأول الخوف من عذاب الله وهذا خوف عامة الناس وهذا النوع من الخوف يحصل بالإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، المقام الثاني: الخوف من الله نفسه عزوجل وهو خوف العلماء والعارفين لأنه يكفيهم فقط ثلاث كلمات {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30]، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أعرفهم بالله وأشدهم له خشية، وقال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] .لأنه لما كملت معرفتهم بربهم وأسمائه وصفاته أثرت الخوف ففاض الأثر على القلب ثم ظهر على الجوارح بهذه الأعمال".
6- تتأمل النجاة لمن، وتقارن نفسك بصفاتهم {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ} [طه:82] و كما في سورة العصر حيث أقسم الله أن الناس في خسران واستثنى {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وكما في قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13]. هذه الآية تورث الخوف حيث أقسم الله أنه ليملأ جهنم فينخلع القلب والله تعالى يقول: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا} [مريم:71] وقيل لفلان لم تبكي؟ قال لأني أعلم يقيناً أنني سآتي على جهنم ولكن ليس لدي يقين أنني سأنجو منها!، وفي مسألة قبول العمل أيضاً والله تعالى يقول : {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّـهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]. فإذا حصل الخوف حصلت أسباب النجاة.
7- تدبر كلام الله ورسوله والنظر في سيرته، قال ابن القيم : "لأنه سيد الخائفين وإمام المتقين وأخشاهم لله فإذا تدبر المسلم كلام الله وسنة نبيه شهد قلبه أموراً من صفات الله وعقوباته وانتقامه و كيف خاف الأنبياء والملائكة والصالحون، وليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع الفكر على معاني آيات الكتاب العزيز فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل وتحثه على التضمرّ والتخفف للقاء اليوم الثقيل". يقول ابن الجوزي: "والله لو أن مؤمناً عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الكرسي وسورة الإخلاص بتفكر وتدبر لتصدّع قلبه من خشية الله وتحيّر من عظمة الله ربّه".
8- التفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى، فإنه من تفكر في ذلك خاف الله لا محالة لأن التفكر يوقعه على صفات الله جل جلاله وكبريائه ومن شهد قلبه عظمة الله وكبرياءه علم شأن تحذيره عندما قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:30] أي خافوه واخشوه بما أبدى لكم من صفاته وأسمائه وعدله عز وجل، قال تعالى : {وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] يمجد الرب نفسه، أنا الجبار الملك، أنا المتكبر العزيز الكريم، قالها صلى الله عليه وسلم فرجف به المنبر حتى قال الصحابة ليخرنّ به، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول « » (صحيح ابن ماجه [165]). ما السموات السبع في الكرسي إلا كلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة فإذا عرف الإنسان عظمة الرب جلب له ذلك الخوف منه.
9- التفكر في الموت وشدته وأنه لا مفر منه {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة:8] ، فهذا يوجب الخوف من الله « » (صحيح الترغيب [3334 ]).
قال أبو العتاهية:
ألا رب ذي أجل قد حضر *** كثير التمني قليل الحذر
إذا هزّ في المشي أعطافه *** تعرفت من منكبيه البطر
يؤمِّل أكثر من عمره ***ويزداد يوماً بيومٍ أشر
10 – التفكر فيما بعد الموت، في القبر وأهواله، قال صلى الله عليه وسلم: « ». عن البراء يقول كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى بلّ الثرى وقال: « ».
11- إذا قدم إلى القيامة وأهوالها وحديث البعث والنشور إلى ذبح الموت، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ۚ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ} [ لقمان:33] . لفت النظر يقوي مراقبة العبد ربه.
12- إذا دخل أهل النار النار، ماذا يوجد فيها من الأهوال في شدة عذابها؟! {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر:35] قال الحسن: "كبرت منذرة داهية عظيمة أعظم الدواهي ما أنذرت الخلائق بشيء قط أفظع منها".
وكيف قرت لأهل العلم أعينهم *** أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا
والموت ينذرهم جهراً علانية *** لو كان للقوم أسماع لقد سمعوا
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له *** أم الجحيم فلا تبقي ولا تدع
لينفع العلم قبل الموت عالمه *** قد سأل قوم بها الرجعى فما رجعوا
13- تفكر العبد في ذنوبه وأنه نسيه والله تعالى أحصاها ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاه، وأن الله يمكن أن يعطيه النعم استدراجاً {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:36] في قصة صاحب الجنتين.
14- التفكر في عاقبة محقرات الذنوب التي يحقرها الناس، وقد مثلها النبي صلى الله عليه وسلم بقوم نزلوا بطن واد فجاء هذا بعود وهذا بعود حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وهناك ارتباط بين الأعواد وإيقاد النار وبين الذنوب وما تسبب من نضج جلود العصاة {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم} [النساء من الآية:56].
15- أن يعلم العبد أنه قد يحال بينه وبين التوبة بموت مفاجيء، تسويف، شبهات، إصرار على المعصية والشهوات، فتنة مضلّة، والحسرة حينها لا تنفع {حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99-100] {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39].
16- التفكر في سوء الخاتمة حينئذ {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الأنفال:50] وملك الموت كيف يسحب روح الفاجر فيتقطع فيها كل عرق وعصب وكيف يجعل في كفه من النار وحنوط له من جهنم.
17- تجالس ناس يكسبونك خشية وخوف من الله من الصالحين والعلماء المتقين {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28] صاحب أصحاب الخشية، رقة قلب إذا سمعوا الذكر وتلين قلوبهم {اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ} [الزمر:23]. واقرأ سيرهم فاصحب أنفاسهم.
أهل الحديث هم أهل الرسـول *** وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا
اصحب سير الخائفين من الله:
- الإمام أحمد و خشيته.
- ابن عباس رضي الله عنه كان تحت عينيه خطّان كالشراكان الباليان أخاديد من الدموع.
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ آيات فمرض مرض عاده الناس من بعده.
- عائشة تقرأ قوله تعالى: {فَمَنَّ اللَّـهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] في صلاتها فتبكي. وتبكي. {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [المائدة:118].
- أبو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ويقول "هذا الذي أوردني المهالك"، "يا ليتني كنت شجرة تؤكل".
- عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "ياليتني كنت هذه التبنة"، "يا ليتني لم أكن شيئاً مذكوراً"، "ياليت أمي لم تلدني"، "لو مات جمل ضياعاً على جانب الفرات لخشيت أن يسألني عنه الله يوم القيامة".
- ويقول: "لو نادى منادٍ من السماء يا أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا واحداً لخفت أن أكون أنا هو"!
- عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: "وددت لو أنني لو مت لم أبعث" وهو الذي كان يقطع الليل تسبيحاً وقرآناً ويتخرق مصحفه من كثر ما قرأ به ، ومات ودمه على المصحف شهيداً..
- أبو عبيدة رضي الله عنه يقول: "وددت لو كنت كبشاً فذبحني أهلي وأكلوا لحمي وحسوا مرقي".
- عمران بن حصين رضي الله عنه يقول: "يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح".
- حذيفة رضي الله عنه يقول: "وددت أن لي إنسان يكون في مالي ذم أغلق علي بابي فلا يدخل علي أحد حتى ألحق بالله".
- عائشة رضي الله عنها تقول: "يا ليتني كنت نسياً منسياً".
- أبو هريرة رضي الله عنه يغشى عليه ثلاث مرات وهو يحدث بحديث أول ثلاث تسعّر بهم النار ..
- علي رضي الله عنه يقول: "لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئاً يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً -أثر في الجلد فخشنه مثل ركب المعزى- يتلون كتاب ربهم يراوحون بين جباههم وجنوبهم فإذا أصبحوا ذكروا الله عزوجل مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين".
- عمر بن عبد العزيز يبكي ويبكي حتى تغلبه عيناه ثم ينام ..تسأله زوجته فيقول {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15] فتبكي فاطمة وتقول: "اللهم أعذه من النار".
- حديث حسن: « ».
18- سماع المواعظ وبعض الخطب.
19- العلم بالله وأسمائه وصفاته وكلامه وكلام رسوله.
20- الدعاء.
« » (سنن الترمذي [3551]). ويدعو بقوله: « » (سنن الترمذي [3502]). وبقوله: « » (صحيح ابن حبان [1971]).