أتقاكم لله وأخشاكم له

معاد كوزرو

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسد تماما الخشية الحقيقية من الله. كلماته ذاتها أعلنت عن ذلك: «إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»(صحيح البخاري).

  • التصنيفات: دعوة المسلمين -

إن الخشية شعور مؤلم يتخلل حياتنا عندما نتوقع تهديدا، شرا، خطرا، وما إلى ذلك، وفي الحالات القصوى يمكن أن يتحول إلى شعور سلبي قد يؤدي إلى ضرر مادي أو خطر معنوي. ورغم ذلك كله، فإن الخشية من الله شعور إيجابي يشكل أثرا طيبا في القلوب السليمة، يغير حياة الإنسان بشكل كبير ليجعله وفق اللأوامر الربانية. لذلك كان يقول أحد السلف الصالح في وقت مبكر، إذا خفت من الآخر، فاهرب منه، ولكن إذا خفت من الله، فاهرب إليه.

عمليا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجسد تماما الخشية الحقيقية من الله. كلماته ذاتها أعلنت عن ذلك: «إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية»(صحيح البخاري).

إن كنت تعرف عن الله وصفاته وسننه الكونية الحكيمة بشكل سليم، وفيك الكثير من التبجيل والرهبة لأجله، وكلما كنت تعرف عن نفسك المتواضعة الخاطئة، فأنت تقوي خشيتك منه. ولذلك، فإن القرآن ينص صراحة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28].

كانت خشية رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه واضحة جدا في أسلوب حياته. هو الذي كان دائما واعيا من التقرب إلى الله وكان قلبه يقظا باستمرار ليكون في الخضوع التام له. خشيته من الله وحبه له يهيمنان على كل جوارحه، وبالتالي كان قدوة مثالية للبشرية في كل جانب من مناحي الحياة كما هو مسجل بدقة من قبل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. كان قلبه لينا بحيث انه يبكي في تلاوة القرآن الكريم، لما يسمع كلام الله.

عندما سئل عن الشيب في رأسه، أجاب أن سورة هود وأمثالها، التي تصور أحداث وأهوال يوم القيامة، قد تسببت في تحول شعره كذلك. يغادر المكان في خشية من الله لا مجال للتباهي في قلبه ويرجع وهو متواضع جدا أمام ربه. وبالتالي، كان ينهى أتباعه عن المبالغة في الثناء عليه أو الغلو في تقديره قائلا لهم : " «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله»(صحيح البخاري).

حتى مع أبسط الناس كان يتصرف بشكل متواضع ويقول : "آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد، فإنما أنا عبد". وقيل انه يساعد أهله في الأعمال المنزلية الخاصة بهم، وهو قدوتنا في أفعاله كرجل جاد ومفيد في منزله. علاوة على ذلك، كان في السيطرة الكاملة على أقواله وأفعاله، يتحدث بالحقيقة فقط، وكان دائما رجلا يلتزم بكلمته، وما ظلم شخصا ولا ضرب امرأة، ولا خادمة ولا أي شخص آخر إلا في سبيل الله، وما أخذ الثأر لنفسه ولكن فقط عندما يتم التعدي على الحدود التي وضعها الله.

إن الخشية قد تجلت بشكل واضح وملاحظ على وجهه في الحوادث التي تبدو طبيعية إذا هبت العاصفة، وتلبدت السماء بالغيوم، أو كسف الشمس، وانه كان عندئذ يرد مبادرا إلى الدعاء، تعبيرا عن الخشية والرعب والتعظيم لرب الكون؛ لأن هذه الظواهر تذكر بتدمير الدول الكافرة القديمة التي دمرتها الكوارث الطبيعية. إن الخشية النبوية المثالية تجاه الله لم تتسبب له أن يعيش حياة الرهبانية بدقة كما يفعل البعض، بل نهى أتباعه عن ذلك.

إن الخشية من الله ترمي في القلب صبرا ومثابرة؛ وهي من العوامل الضرورية والهامة في نجاح الدعوة، أخذا بعين الاعتبار كل المشاكل التي نمر بها وكل المعاناة الجسدية والنفسية التي نعيشها منذ نزول الوحي. كانت خشية رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه علامة على وجود قلب منكسر وخاشع جعل منه أعظم شخص بين أصحابه إلى درجة أنه أصبح أقرب واحد إلى صفوف الأعداء في القتال.

كان لديه عدد من الزوجات والأطفال، ويحب العطور وله وجبات مفضلة، وإن كان روي عنه أنه توفي ولم يشبع من خبز الشعير، وأن كثير من الشهور مرت عليه دون أن يوقد نارا للأغذية في منزله. في هذا السياق، قد نذكر قصة الرجال الثلاثة الذين جاءوا إلى البيت النبوي للاستفسار عن الاجتهاد في العبادة. وبعد أن أبلغوا عن نهجهم الغالي وظنوا أنه ينبغي أن يكونوا أكثر تقشفا لأنهم لم يكن لديهم شرف ما كان عليه صلى الله عليه وسلم.

كذلك، واحد منهم أعلن أنه يبقي يقظا في الليل للصلاة ولا ينام؛ وواحد آخر يمنع نفسه من الزواج؛ وأعلن الثالث أنه يبقى صائما ولا يفطر. ولما سمع ذلك، أدان رسول الله عليه الصلاة والسلام فعلهم هذا وطريقتهم في التفكير، مؤكدا أنه الأكثر خشية لله، وعلى الرغم من ذلك، قال انه يصوم ويفطر، ويقوم الليل وينام، ويتزوج النساء. في الواقع، إن أفضل طريق للهدي هو هديه عليه الصلاة والسلام؛ لمحات من حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرهن على وجود التوازن الرائع الذي تتميز به شخصيته العظيمة والمثال الواجب اتباعه إلى نهاية الزمان.