ما هو أخطر من الاختلاط!!

حامد بن عبد الله العلي

مؤسسات تعليمية، وجامعات، ومدارس أجنبيـَّة، تكون مثل (القواعد
العسكرية الفكرية)، نسرق أرضهـا من بلادكم على حسابكـم، ونبنيها من
أموالكم، وتسلمونَّنا أولادكم من النخب التي سيقوم عليها مستقبل
شعبكم، لكي نصوغُ نحـن عقولهم، وأخلاقهـم.

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

"لن تتوقف جهودنا ، وسعينا في تنصير المسلمين، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة، ويقام قدّاس الأحد في المدينة" المنصّر الأمريكي روبرت ماكس.

يوصف الإستعمار الجديد بأنـَّه هيمنة الأقوى على الأضعف، سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، في إطار الإعتراف (الكاذب) بإستقلال الأضعف ـ وبهذا لاحاجة إلى إجتياح ونصب حاكم عسكري ـ وتلك الهيمنـة تكون بهذه الخطوات شديدة السريّة ـ مع أنها أضحت علنا نراها في (you tube)!!:

أولا: منح الأقوى للأضعف دميـة (لطيفة)، و(جميلة)، معها علم، وكرسيّ في الأمم المتحدة ـ تلك الكراسي التي أطلق عليه القذافي ديكورات وهو أحدها!! ـ وتُسمى (دولة مستقلة ذات سيادة)، وهي في الحقيقة ليست دولة حتى بالمعنى العصري، بل دوائر تخـدم مصالح الدائرة الضيقة على رأس هرم السلطة.

ثم إنَّ هذا الأقوى هو الذي يحدّد حدود هذا (الكرسيّ)، ونفوذه، وقدراته الداخلية، وقراراته الإستراتيجية، ويدع للأضعف بعض القرارات الداخلية ليتسلّى بها على شعبه، في ممارسة غريزتيْ الاستبداد المطلق، والغطرسة على الشعب، الذيْن هما ميزة (الجين العربي)!!

وهنا ثمـّة توصية من الأقوى لرأس الهرم في (الأضعف) أن يختار ـ ليمارس دوره على وجه مريح ـ بين خيارين، وذلك حسب البيئة:

أحدهما: يعطي هذا الأخير لشعبه دمية مصغرة اسمها (ديمظراطية)، يلهـون بها في ملعب صغير يناسبهم، حتى لا يحُدثوا أيَّ تعكير على أهداف الأقوى، مع ضمان له بأنَّه: عندما تموت وتهلك بإذن الله سيُورَّث الحكمُ والشعبُ، ذكوراً وإناثا، لولدك ثم ولده، ثم ولد ولده، ما بقي فيهم نسل ملعون، وأمّا الشعب فسيبقون يلعبون في دميتهم (الديمظراطية)، وهم يمارسون حرية الرأي!!

الثاني: يستعمـل دمية أخـرى (إسلاعلمانية!) وهي ـ بقدرة قادر ـ استطاعت بإسم الشرع، أن تفصل الفتوى الشرعية عن كلِّ شيء له علاقة بالقصر، من الأطفال الرضّع، إلى الشيوخ الغير ركَّع، وعن سياسته الداخلية والخارجيـة!!، وتُسمى هذه الدمية بعدة أسماء: (ولـيُّ الأمر أدرى بالمصلحة)، (ولعلّه لا يدري عن التفاصيل)، (وعلينا أن نصبـر ولو جلد ظهورنا، وأخذ أموالنا، وخرب ديننا، ونزع ثيابنا، وعوراتنا، وعورات بناتنـا، وهتك عرضنا.. إلخ)!!

وقد جرى هذا الفصـل العجيـب ـ بين الدين والقصر وسياسته ـ في أهدأ وأسلس ثورة صامـتة في التاريخ، حقّقت ما يشبه (الثورة الفرنسية التي فصلت الكنيسة عن الدولة )، والغريب أنها جمعت بين صرامة التشدّد الديني في الفتاوى للشعب، والفصل الكنسي التام بالنسبة للقصـر، والسياسة!!

لكنَّهـا تميزت عن الكنيسة أنها جعلت هذا الفصل باسم الدين أيضا، فهذه براعة اختراع مدهشة، وإبداع غير مسـبوق!!

ثـم بعدما يختار الأضعف أحد الخيارين السابقين، يستكمل الخطوات السرية:

ثانيا: عقد اتفاقيات عسكرية ثنائية يقـول فيها الأقوى للأضعف، ما معنـاه الحقيقي: "إننا نريد أن نهيمن على بلادكم، ونقيم فيها قواعد عسكرية، نستخدمها لأغراض عسكرية، واستخباراتية لأطماعنا الإقليمية، والعالمية، ولو أضـرَّ ذلك بمصالح شعوبكـم، وحضارتكم، ولكن هذا لا يمكننا إلاَّ بالتوقيع على أنموذج يسمى اتفاقية ثنائية، وحقيقته استعـلاء (السيد) علـى (المسود)، فوقِّع قبل أن نهرس رأسك!!".

ثالثا: فتح البلاد للغزو الثقافي، والفكري، والأخلاقي على شكل:

ـ منابر إعلامية: صحافة، قنوات فضائية، حثالة كتَّاب مأجورين.. إلخ.

ـ مؤسسات تعليمية، وجامعات، ومدارس أجنبيـَّة، تكون مثل (القواعد العسكرية الفكرية)، نسرق أرضهـا من بلادكم على حسابكـم، ونبنيها من أموالكم، وتسلمونَّنا أولادكم من النخب التي سيقوم عليها مستقبل شعبكم، لكي نصوغُ نحـن عقولهم، وأخلاقهـم.

ونستفيد من هذه الجامعـات بجلب أساتذتنا، ومفكرينا، ودكاترتنا، برواتب عالية، وننشر فيها ثقافتنا، ونبرز من أبناءكم من يحقق أهدافنا، ونعزل الآخرين الذين يريدون الاستفادة من هذه الصروح العلميّة لصالح أمّتكم!!

وبعبارة أخرى نجعلها أنموذجا لثقافتنا على أرضكم، وعلى حسابكم، من غير أن ننفق فيها درهماً واحـداً.

وبذلك نسخـِّر أموالكم، ومقدراتكم، وأبناءكم، ليخدموا أنموذجنا الثقافي، وليحقّقوا اختراقنا لهويتكم، وليستعملوا العلوم الحديثة لإثبات تفوّقنا الحضاري عليكم.

ولكن نقول لكم: هذا يدل على أنكم وصلتم إلى الرقيّ، والتقدّم، لأنّ هذا الاختراق حدث على أرضـكم، وبأموالكـم.

وأنتم كالمهابيل تصفقـون لإنجازنا هذا العظيم، على أنّه إنجازكـم!!

وذلك أننـَّا ما دام قراركم السياسي مرهون عندنا، واقتصادكم ملحق بنا، وثرواتـكم مسخَّرة لأهدافنا، واتفاقيتنا العسكرية معكم هـي أغلال بأيدينا، فكلُّ إنجازاتكم الكبرى، نحن نتحكَّـم فيها، وفي حجرنا تسقط ثمارها، وإلينا تصير عواقبها.

فأنتم لستم كالصين التي ترجع فوائد هذه الصروح العلميّـة إليها، ولا مثـل روسيا التي نحن معها في عنـاء، وتنافسنا على العالم، ولا حتى كفنزويلا التي كلَّما زادت في التطور العلمي استفاد شعبها قبل غيره، فزاد تمرّدها علينا.

رابعا: يُضيَّق على كلِّ المنابر التي تحاول التشويش على أهداف الاستعمار الجديد بخطواتـه السرية الآنفة الذكر، وتُعزل، وتُلاحق.

وتُبرز صورتها على أنها ضدّ تقدّم الأمة، وأنهم أعداء التكنلوجيا، وأنهم لايدافعون عن الهويّة، والفضيلة، واستقلال إرادة الأمّة السياسيّة، والاقتصاديّـة، وليس هدفهـم أنَّ كلَّ ما على أرض الأمّة من إنجازات، يجب أن يُسخَّـر لها لا لغيـرها.

بل هم أناس متخلّفون، رجعيّون، لا يعرفون شيئا عن تقدُّم العصـر الحديث!!

انتهى تعريف الاستعمار الجديد....

وبعد:

فقد أضحى الخليج العربي مكبّا لنفايات الغرب الفكرية ورذائله الأخلاقية، ومرتعا لعهره السياسي، ومسرحا لصراعاته التوسعيّة، وتحول إلى مستودعات تخزين السلاح الخطر، ومدافن للوقود النووي، حتى استشرت فيه السرطانات البدنية، والسرطانات العقدية، والسرطانات الأخلاقية.

وكلُّ ذلك محاربةً لعقيدته الإسلامية، وطمساً لهويته الدينية، وتدميراً لثقافة الفضيلة والطُّهـر فيه، وتخريباً لانتماءه الحضاري الإسلامي، بل حتَّى اللغة العربية أُلغيت من مدارس بعض دول الخليج فضلا عن التعليم الإسلامي، وسلَّمت دولةٌ أخرى مناهجها التعليمية لتشرف عليها شركات أمريكية!!

في مشروع خطيـر يهدف إلى تحويل الخليـج إلى مثل الفلبين، وتايلند، وغيرها من البلاد التي عاثوا فيها فساداً، وملئوها عُهراً، وخبالا.

فالقضية أيها الأخـوَّة ليست مشكلة اختلاط فحسب، ولا يصح أن تُختصر إلى هذا العنوان فقط، مع ما في الاختلاط في التعليم في مراحل الشباب من خطورةٍ على الفضيلة، غير أنها على خطورتها إنما هي فرع على: الخضوع للاستعمار الجديد، والاستسلام للاختراق الثقافي، وسلب الإرادة السياسية، واستلاب الاستقلال الاقتصادي، وأخطر من ذلك كلِّه، إلباس هذا الخضوع لباس الشريعة، وتغطيته بخطاب الدين، وتسكينه في ضمير الأمّة بلسان الفتوى الشرعية!!

فهذا الذي تراكـم وتكرَّس عبر عقود في صمت مطبق عن خطورته، ومناقضته لأصول الإسلام، وأهداف الأمـّة، هو الذي أثمر هذا الشلل التام أمام إفشال مشاريع التغريب المتكاثرة، والمتلاحقة، التي تتسارع في هدمها للإسلام في مهده، والتي تهدف إلى التخريب الأخلاقي، والإفساد الثقافي، ونشر الفساد في الأرض، والصدّ عن سبيل الله، حتى أصبـح مُنْكرُهـا، بل مُنكرُ بعض آثارها، أو وسائلها ـ مثل الإختلاط ـ مجرماً، مطروداً، مسخوطا عليه، وأين ذلك؟!... في وسط يعُجُّ بالجامعات الشرعية الشمَّاء، وبالكتب والمؤلفات الإسلامية الغـرَّاء، ويضـجُّ بالخطب العصماء، ويثـجُّ بفتاوى العلمـاء، فلا يجـد المنكـر منهـم وليـَّا، ولا نصيـراً!!

ولسان حاله يقول:

ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ** والمنكرون لكلّ أمرٍ منكرِ
وبقيت في خلف يزيّن بعضهم ** بعضا ليستر مُعورٌ عن مُعورِ
سلكوا بنيات الطريق فأصبحوا ** متنكبين عن الطريق الأكبرِ


ولا خلاص اليوم من هذا السيل الهادر من التخريب المحمي رسميا في دول الخليج إلاَّ بتكاتف الجهود المخلصة، وتضامن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر في مؤسسات كبيرة، تستمد قوتها من بيئتنا الإسلامية، وشعوبنا المحبة للخير والفضيلة، لتكثيف مؤسسات الدفاع عن حياض الدين، ولتكثير حصون الصد عن عقيدة المسلمين.

ومعلوم أنَّ تحقيق هذا الهدف لايحصل إلاَّ بالتضحيات، ولا يتحقق إلاَّ ببذل الغاليات، وقد قال تعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور} [سورة لقمان: 17].

ولهذا نقول للدعاة، والمصلحين، والأمرين بالمعروف، والناهين عن النكر، سيروا على بركة الله، وجاهدوا أذناب المستعمر بكلمة الله، واصبروا، وصابروا، ورابطوا، واتقوا الله فإنَّ العاقبة للمتقين.

واستنفــروا للدين:

تحفزَّ الليثُ ليثُ الدّين منْتصراً **فالغرب يبكي ،وبالصلبان أحزانُ
ضراغمٌ هـزّت الدّنيا بوثْبتهـا ** لهم من الوحي تأييدٌ ،وسلطانُ


أما كلابُ المستعمر، النابحون إثر نباحه، المتوَّلدون من سفاحه، فئران الإمبرالية، المدَّعون الليبرالية، وهم شرُّ البرية، فسيولُّون كما ولـَّى من قبلهم، ومن سيأتي من بعدهم من موكب وليّهم إبليس، وسيرتدّ كيدهم عليهم، ويرجع مكرهم إليهم.

وإلى حثالة مزبلة التاريخ.

والله حسبنا عليه توكلنا، فنعم المولى ونعم النصيـر.