بيان وتنبيه بشأن ما أثير حول مسألة الاختلاط بين الجنسين
حمود بن عبد الله التويجري
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال
من النساء».
- التصنيفات: قضايا الشباب -
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:-
فقد تابعنا باستياءٍ بالغٍ وأسى شديدٍ، الحملة الظالمة الآثمة التي
تولى كبرها مجموعة من الصحفيين؛ ضد معالي الشيخ الدكتور/ سعد بن ناصر
الشثري - عضو هيئة كبار العلماء سابقاً -، والتي قاموا من خلالها
بتوظيف منابرهم الصحفية بطريقة منظمة يظهر فيها جلياً تبادل الأدوار
وتوزيع المهام؛ لمحاولة صناعة رأيٍ عامٍ موهوم؛ ليقوموا من خلال ذلك
بتمرير مشروعهم التغريبي - الذي لم يعد خافياً على أحد - بطريقة فجَّة
تتعارض مع أبسط القواعد الأخلاقية وأعراف المهنة الصحفية، فضلاً عن
أحكام الشريعة الغراء، ممارسين بذلك أبشع أنواع الإرهاب الفكري، عن
طريق قلب الحقائق وتحريف الكلم عن مواضعه، والاستعداء والتأليب، بشكل
سافرٍ وقبيح؛ يُظهِرُ بِجَلاءٍ زيف ما ينادون به من شعارات: التعايش،
وقبول الرأي الآخر، متذرعين في ذلك كله بالحرص على المصلحة الوطنية،
وحفظ المكتسبات التنموية، ودرء الفتنة والسعي إلى الرقي والازدهار،
وهم على التحقيق أشد أعداء الوطن، وهم البلاء الماحق، والذل الحاضر،
والهلاك المحقق، والقيد الربوض الذي يسعى إلى النـزول بهذه البلاد
المباركة إلى الحضيض الأوهد من الذل والتبعية لأعداء الإسلام، عن طريق
مسخ الهوية الإسلامية لهذه البلاد، وتغريب نسائها وإفسادهن بترويج
الاختلاط المشين، والزج بالمرأة بما لا يتلاءم مع فطرتها لتكون سلعةً
رخيصةً لأرباب الشهوات، ولتصبح معول هدمٍ وتدميرٍ لهذه البلاد،
متجاهلين بذلك ما حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال:
« »، وقوله صلى الله عليه وسلم : « »، بل ومتناسين ما قامت عليه هذه
البلاد من تحكيم للكتاب والسنة، كما جاء صريحاً في المادة (السابعة)
من النظام الأساسي للحكم، ونصها: (يستمد الحكم في المملكة العربية
السعودية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما الحاكمان
على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة).
وانطلاقاً مما أوجبه الله على أهل العلم من بيان الحق وعدم كتمانه
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه
ولأئمة المسلمين وعامتهم، واستجابة لما وجه به خادم الحرمين الشريفين
- وفقه الله لمرضاته - أبناءَ شعبه في خطاب البيعة طالباً منهم إعانته
على حمل الأمانة، وألا يبخلوا عليه بالنصح والدعاء، وما أوصى به
العلماءَ من خدمة العقيدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا
تأخذهم في الله لومة لائم (صحيفة الجزيرة: 7/3/1430هـ، عدد: 13306)،
انطلاقاً من كل ما سبق فإن الموقعين على هذا البيان يودون توضيح
التالي:-
- أولاً: أننا نؤيد بجلاءٍ كل مشروع علميٍ أو خِدمِي
منضبطٍ بالضوابط الشرعية، ويحقق مصلحة راجحةً للمسلمين، كالجامعات
والمعاهد العلمية ومراكز الأبحاث ونحوها، ومن ذلك جامعة الملك عبد
الله للعلوم والتقنية التي تُعدُّ صرحاً علمياً يتمتع بإمكانيات ضخمة،
إلا أننا نناشد خادم الحرمين الشريفين ـ وفقه الله لمرضاته - أن
يُخضِع هذه الجامعة للضوابط الشرعية والنظامية، إذ إن تأييدنا لهذا
الصرح العلمي المتميز يدفعنا لاستكمال ما فيه من نقص أو خلل، ومن ذلك
ما يقوم عليه نظام الجامعة من اختلاط بين الجنسين.
- ثانيا: أن ما شغَّب به هؤلاء الصحفيون من كون
الاختلاط لا يُعدُّ أمراً محرما، هو من الجهل العظيم، ومن القول على
الله بغير علمٍ الذي هو من أعظم الموبقات، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة
والإجماع على تحريم اختلاط الرجال بالنساء على الوجه الذي يثير
الفتنة، وكل ما حاولوا أن يوهموا به الناس من شواهد تدل على إباحة
الاختلاط بين الجنسين ؛هو استشهاد بما هو خارج عن محل النـزاع؛ ذلك أن
الشريعة لم تحرم من الاختلاط ما كان عارضاً أو لضرورة أو لحاجة ملحة،
كمشاركة المرأة في تمريض المقاتلين للضرورة، وحضورها للمساجد ونحوه؛
ذلك أن المحرم في الشرع هو الاختلاط الدائم الذي يؤدي لرفع الكلفة بين
الجنسين، وإليه الإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عقبة بن
عامر: « » متفق
عليه.
ومن صور الاختلاط المحرم الذي لا يشك عاقل في تحريمه الاختلاط في
أماكن العمل والدراسة، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله: (لا ريب أن
تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب
نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة،
واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت
العام والطواعين المتصلة ...
ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية قبل الدين
لكانوا أشد شيء منعًا لذلك)،[ الطرق الحكمية (1/407-408).]
ونصوص أهل العلم من فقهاء المذاهب الأربعة وغيرهم من الفقهاء
المعاصرين في هذا الشأن كثيرةٌ جداً، وقد جاء على لسان المؤسس الملك
عبد العزيز- رحمه الله - ما نصه: (أقبح ما هناك في الأخلاق، ما حصل من
الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن وفتح المجال لهن في أعمال
لم يخلقن لها...)، كما جاء في الأمر الملكي ذي الرقم: (11651 في:
16/5/1403هـ) ما نصه: (إن السماح للمرأة بالعمل الذي يؤدي إلى
اختلاطها بالرجال أمرٌ غير ممكن، سواءً كانت سعودية أو غير سعودية،
لأن ذلك محرمٌ شرعاً؛ لما يفضي إليه من شرٍّ وفتنة وفوضى
أخلاقية).
ومن العجيب أنه في الوقت الذي يستميت فيه دعاة الاختلاط إلى تطبيعه في
بلاد الحرمين، بدأت تتعالى أصوات العقلاء في المجتمعات غير الإسلامية
داعية إلى الفصل بين الجنسين، ومن ذلك ما قامت به مؤسسة (Single
sex education) التي سعت مع غيرها من مؤسسات المجتمع المدني في
الولايات المتحدة الأمريكية إلى توعية المجتمع الأمريكي بخطر
الاختلاط، حتى نجحت، وبعد سجال دام عشر سنوات في إقناع الحكومة بذلك،
فكان أن صدر قانون في عام (2006م) يسمح بفتح مدارس حكومية غير مختلطة،
كما تقول الكاتبة الشهيرة (اللادي كوك) بجريدة (الإيكوما): (إن
الاختلاط يألفه الرجال، وقد طمعت المرأة فيه بما يخالف فطرتها، وعلى
قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا .. علموهن الابتعاد عن
الرجال، أخبروهن بالكيد الكامن لهن بالمرصاد) [المرأة بين الفقه
والقانون،لمصطفى السباعي]
- ثالثاً: أننا نطالب جهات الاختصاص بإحالة من تورط
من هؤلاء الصحفيين في تجريح العلماء ولمزهم والانتقاص من قدرهم ونعتهم
بما لا يليق من الأوصاف، إلى التحقيق، ومن ثَم إلى القضاء الشرعي،
وذلك نظراً لخطورة ما اقترفوه من جرم.
يقول العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - إن: (جرح
العالم ليس جرحاً شخصيا، بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم، فإن
العلماء ورثة الأنبياء، فإذا جرح العلماء وقدح فيهم، لم يثق الناس
بالعلم الذي عندهم، وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وحينئذٍ لا يثقون بشيءٍ من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي
جُرح) [العلم والدعوة] 5/159].
- رابعاً: أننا نناشد جميع العلماء والدعاة وطلاب
العلم في هذه البلاد المباركة أن يقوموا بدورهم في بيان الحق والنصح
للخلق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والالتفاف والتواصل مع ولاة
الأمر- وفقهم الله لمرضاته- بما يحقق وحدة واستقرار هذه البلاد، فإن
الواجب عظيم، والتبعة جسيمة، والأخطار محدقة، يقول الإمام أحمد - رحمه
الله -: (إذا أجاب العالم تقيةً، والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق)
[الآداب الشرعية 1/183].
- خامساً: أننا ندعو عموم المسلمين إلى تقوى الله
تعالى في السر والعلن، والتمسك بهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم
،والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، والأخذ عن أهل العلم المشهود لهم
بالصلاح والتقوى، والالتفاف حولهم، والسمع والطاعة لولاة الأمر في
المعروف، وبذل الجهد في كل ما من شأنه الرقي بالمجتمع وتحقيق الصالح
العام، وحفظ الأمن، والحرص على مكتسبات هذه البلاد المباركة.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لمرضاته وأن يدفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الموقعون:
1 د. سليمان بن وايل التويجري - عميد كلية الشريعة بمكة
سابقاً
2 الشيخ/ داود بن أحمد العلواني - رئيس كتابة عدل الأولى بجدة
سابقاً
3 الشيخ/ خضران بن مساعد بن عبد الله - قاضي تمييز بمكة المكرمة
4 د/ محمد بن صامل السلمي - عميد كلية الشريعة بمكة سابقاً
5 أ.د/ أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي - أستاذ الدراسات العليا بجامعة
أم القرى
6 الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الرحمن العجلان - مدير المعهد العلمي بمكة
سابقاً
7 الشيخ/ بدر بن إبراهيم الراجحي - قاضي بالمحكمة العامة بمكة
8 الشيخ/ نزار بن صالح الشعيبي - قاضي بالمحكمة العامة بمكة
9 د/ عبد الله بن عبد الكريم الحنايا - عضو هيئة التدريس بجامعة أم
القرى
10 د. خالد بن عبد الله الشمراني - أستاذ الفقه المشارك بجامعة أم
القرى
11 د. إبراهيم بن علي الحذيفي - عضو هيئة التدريس بجامعة أم
القرى
12 الشيخ/ إبراهيم بن خضران الزهراني - كاتب عدل بمكة المكرمة
13 الشيخ/ حمود بن عبد العزيز التويجري - مكة المكرمة