القدوة
محمد علي يوسف
حقيقة كون مقام الرجل الصالح في نفس الإنسان البسيط -حتى ولو كان هذا الإنسان عاصيا- هو مقام كبير ومهم ينبغي أن يصان وأنه إن سقط في نفس الإنسان كانت النتيجة لا تحمد عقباها.
- التصنيفات: دعوة المسلمين - أخلاق إسلامية -
وكثير ممن هم في مقام القدوة يهونون على أنفسهم خطورة قيمة الاقتداء بترديد تلك القاعدة العظيمة المنسوبة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه : "لا يعرف الحق بالرجال"
والقاعدة نظريا وتأصيليا ومنطقيا لا غبار عليها؛ لكن كم من الناس يدركها ويطبقها؟! كم من الخلق يتعامل على أساسها ولا يفتن بضدها؟!
الحقيقة الواقعية والمشاهدة أن أكثر الناس يتأثرون وربما يفتنون بأفعال المتدينين وأخلاقهم وينظرون دوما إلى صنيعهم؛ لذلك راعى النبي صلى الله عليه وسلّم هذا الأمر واعتبره فقال: « » (رواه البخاري ومسلم).
ولو كانت القاعدة مطردة تسري على كل الخلائق فلماذا أقر النبي صلى الله عليه وسلّم أن هناك من ينفر عن الدين بسبب بعض أهل الدين المنفرين؛ نعم هي ليست حجة مبررة لأفعال وتفريط النافر لكنها حجة على المُنَفِّر المستهين بتلك القيمة والمتغافل عن تلك الحقيقة.
حقيقة كون مقام الرجل الصالح في نفس الإنسان البسيط -حتى ولو كان هذا الإنسان عاصيا- هو مقام كبير ومهم ينبغي أن يصان وأنه إن سقط في نفس الإنسان كانت النتيجة لا تحمد عقباها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه أحمد)؛ تأمل حرص النبي على رعاية تلك القيمة في نفوس الناس وإقرار أن هناك حياءً من الرجل الصالح ثم تخيل لو انهار ذلك الصالح وسقط في أعينهم سواءً بكسب منه أو بتشويه ممنهج ما أكثره اليوم.النتيجة الحتمية عندئذ أن يهون كل شىء وأي شىء؛ إذا كان هذا الرجل الصالح المتدين فيه كذا وكذا من سىء النعوت وقبيح الخصال فماذا يفعل الضعيف المسكين الذي لم يدع يوما أنه متدين أو شيخ؟! والمفرط غير القادر على إصلاح حاله أو الإقلاع عن معصيته البديل لديه أحيانا أن يكون الناس كلهم مثله؛ بل حبذا لو كانوا أسوأ
لذلك يريد الذين يتبعون الشهوات أن يميل الصالحون ميلا عظيما؛ لكي تكتمل الحجة و تهون المعصية بحجة (ما هي بايظة بايظة والناس كلها وحشة جت علينا يعني).
وللأسف يساعدهم بعض من يفترض بهم الصلاح على ذلك بعدم تحملهم للمسؤولية وعدم الانتباه لتلك القيمة؛ قيمة القدوة وأن صلاح الصالحين حجة في الأرض على الفاسدين؛ يقولها رب العالمين حين يصرخ أصحاب الحجيم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون:106]؛ فيجيبهم ويقيم عليهم الحجة بفعل الصالحين: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ؛ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ؛ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ}[المؤمنون:109-111]