الحسنات الجارية: الطريق الممهد للجنة

حسين أحمد عبد القادر

الحسنات الجارِية بيَّنها الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشريفة لتكون نبراسًا لمن يَسعى لها، وسراجًا لمن يَهتدي بها

  • التصنيفات: الحث على الطاعات -

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين. يوم القيامة يومٌ عظيم، وعلينا أن نعدَّ العدَّة لهذا اليوم العظيم، وعلينا أن نسارِع لنكتسب فضائل الأعمال الصَّالحة، ونَسعى لنَيل مغانم الأفعال والأقوال الطيِّبة، ومن أعظم السُّبل لنيل الخيرات الحسناتُ الجارية؛ وهي الحسنات التي يستمر نَيل ثوابها بعد الموت، في وقتٍ يكون المسلم في أشد الحاجة للحسنات، وهي التجارة الرَّابحة التي بها يَسعد المسلِم في حياته وفي مماته، وتجد البعض يَسعى لتعمير دار الفناء بالأثاث وغيره ولا يهتم لتَعمير دار البقاء ودار الخلود، وفي قول الله سبحانه أعظمُ وصفٍ وأبلغ كلام في وصف الآخرة؛ قال الله تعالى: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:17]، فعلى المسلِم أن يجهِّز الدارَ الأفضل والأجمل والأبقى بما يَليق بهذا الفضل الكبير.

الحسنات الجارِية بيَّنها الرسولُ صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الشريفة لتكون نبراسًا لمن يَسعى لها، وسراجًا لمن يَهتدي بها؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يَجري للعبد أجرُهنَّ وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته» (حسَّنه الألباني في صحيح الترغيب‌)، وهذا الحديث العظيم يبيِّن موارد الخير لاكتساب الحسَنات الجارية، وهي وسائل ميسَّرة بفضل الله تعالى لمن أراد الآخرةَ وسعى لها سعيَها، وفي استطاعة المسلم نَيل هذه الأجور العظيمة.

صور من الحسنات الجارية:
- قم بإهداء مصحف أو العديد من المصاحف للمسلمين، أو قم بإهدائه للمساجد؛ فقراءة القرآن الكريم لها أجرٌ عظيم.

- قم بنَشر المعلومات الشرعيَّة على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكل من يتعلَّم هذه المعلومات الشرعية يدخل في باب عِلمٍ يُنتفع به.

- قم برَفع المواد الشرعية صوتية ومرئية ومكتوبة على مواقع رَفع الملفات، وقم بنقلها للغير على أجهزة الحاسب الشخصي.

- قم بنَشر المواقع الدعويَّة، والصروح الإسلامية، وكل ما يترتَّب على نشرك لهذه المواقع من خير يكون في ميزان الحسنات الجارية بفضل الله تعالى.

- قم بتعليم الأطفال سورةَ الفاتحة؛ من أبنائك وإخوتك وأبناء إخوتك وأبناء جيرانك وغير ذلك، فسيصلُّون بسورة الفاتحة طوال حياتهم، في ركنٍ من أركان الصلاة، وبفضل الله تعالى سيعلِّمونها لغيرهم فيما بعد، وسارِع بتعليمهم آيةَ الكرسي وخواتيم سورة البقرة وسور الكافرون والإخلاص والمسد والناس، وهي سور وآيات عظيمة لها فَضل عظيم.

- قم بإهداء سجادة صلاة لوالدتك وأخواتك، وخالاتك وعماتك؛ ففي كلِّ مرَّة تنال أجرَ الصلاة، وبفضل الله تعالى سيتم توارُث هذا الخير لوقت طويل[1].

- قم بتعليم الغير فضائلَ بعض الأذكار؛ مثل فضائل قول: "سُبحان الله العظيم وبحمده"؛ فتنال نخلةً في الجنَّة في كل مرة؛ كما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- قم بتربية ابنك تربيةً سليمة على أسس شرعيَّة؛ فتنال أجر استغفاره لك حيًّا وبعد الممات.

- قم بالمشارَكة في بناء مسجد قدر استطاعتك.

- قم بشراء مبرِّد مياه ووضعِه في مكانٍ عام ليَشرب منه المارَّة في الطريق أو في المسجد، أو قم باقتراح الفِكرة وبيان فضلها على أهل الخير؛ فالدالُّ على الخير كفاعله؛ كما بيَّن لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

- ساهِم في نَشر الأحاديث الدالَّة على فضل الحسنات الجارية؛ ومن يعلم فضلها ويعمل لها يكتسب أجرها بفضل الله تعالى.

- حتى وإن عجز المرء عن المشاركة في بِناء مسجد، أو شراء مبرِّد مياه، فليصحِّح نيَّتَه وليَصدق مع الله تعالى، فيَنَلْ أجرَ من أنفق في سبيل الله تعالى؛ فقد روى الترمذيُّ وأحمد عن أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنه أنَّه سمع رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلم يقول: «إنَّما الدُّنيا لأربعة نفرٍ: عبدٍ رزقه الله مالاً وعلمًا، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويصلُ فيه رَحِمه، ويَعلمُ لله فيه حقًّا؛ فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علمًا ولم يَرزقه مالاً فهو صادِق النيَّة يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ بعمل فُلانٍ، فهو بنيَّته، فأجرُهما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً ولم يَرزقه علمًا، فهو يَخبطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربَّه، ولا يصلُ فيه رَحِمَه، ولا يَعلم لله فيه حقًّا؛ فهذا بأخبث المنازل، وعبدٍ لم يَرزقه الله مالاً ولا علمًا فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً لعملتُ فيه بعمل فُلانٍ، فهو بنيَّته، فوِزرُهما سواءٌ»؛ قال الترمذي عَقبه: "هذا حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي).

أخي المسلم، الحسنات الجارية فَضل كبيرٌ من الله تعالى، فلنحرص كلَّ الحرص على نيل هذا الفضل، ولنبلغ المسلمين عن هذا الأجر، ونسأل اللهَ تعالى من فضله وكرَمه، وأن يرزقنا كلَّ أبواب الخير، وأن يجنِّبنا كلَّ أبواب الشر، وأن يَرزقنا الجنةَ وأهلَنا بغير حساب، وأن يجنِّبنا والمسلمين سوءَ الخاتمة والعذاب، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------
[1]فكرة من مقال للشيخ عبد الرحمن بن جمال العوسي بعنوان (أفكار للصدقات الجارية)؛ على موقع طريق الإسلام.

 

حسين أحمد عبد القادر