العقيدة أولًا .. ولماذا؟!
أبو فهر المسلم
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
** أولًا: لأنها أشرف العُلوم وأعظمها وأعلاها؛ لأن شرَفَ العلم وعظَمته بحسب المعلوم، ولا معلوم أكبر من ذات الله تعالى وصفاته، ومتى علِم العبدُ ربَّه وعرَفه؛ ازدادت خشيتُه وخوفُه منه، وزاد طمعُه في رحمته، ورجاؤه وإقباله عليه، فيَستكثر من الحسنات، ويجتنب المعاصي والسيئات، ويَنجو من فِتن الشَّهوات والشُّبهات، وهاهنا حياة قلبه وسعادته، في الدنيا والآخرة. وهذا كلُّه لا يَحصل إلا مع العلم بالله، لا بالجهل به وما يَليق بصفاته.
** ثانيًا: لأنها أساس الدِّين والمِلَّة، وأصل الإسلام العام، الذي اشترك فيه الأنبياء والمرسَلون، من لدُن آدم وحتى محمد - عليهم صلوات ربّنا وسلامه -. فحَولها دَندنوا، ولأجل تصحيحها أُرسِلوا. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، فوجب الاقتداء بالرسل في مثل ذلك؛ امتثالًا لأمره تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]ّ.
** ثالثًا: لأنها بداية دعوة الناس، ومحور ارتكاز بناء الشخصية المسلمة، وعلى صلاحها يُبنَى تَكوينُ المسلم، وترسخ مُقوّماته، وتَسمو غاياتُه .. فتستقيم له عبادتُه، وتَنبُل أخلاقُه، وتصحّ مُعاملاتُه، ومن هاهنا كان تصحيح العقيدة، هو بداية انطلاقة الدعوة، كما عند البخاريّ، أن النبيَّ عليه السلام، أمَر معاذًا حين بَعثَه إلى أهل اليمَن، فقال: « » (متفق عليه). فقدَّم التوحيد وتصحيح العقيدة، على الصلاة وسائر العبادة، فلا يُطالَب الإنسان بالأعمال، إلا بعد تصحيح العقيدة.
** رابعًا: لأنه إذا صلحت العقيدة؛ صلح كلُّ ما صدر عنها، من أقوالٍ وأعمال، ومتَى فسدَت؛ بطَل كلّ ما يتفرَّع عنها من أعمالٍ وأقوال؛ كما ثبت عند مسلم، من حديث عائشة قالت: "قلت يا رسول الله: ابن جُدعان، كان فى الجاهلية يَصل الرَّحم، ويُطعم المسكين، فهل ذاك نافعُه؟!" قال: « » (رواه مسلم). يعني: لم يكن مؤمنًا باليوم الآخر.
فلا يَقبل الله عمل عامل، إلا عن إيمانٍ صحيح، وإلا وقع في الشّرك وحبَط عملُه، كما قال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. وهذا كلُّه جزاء الدنيا، وأما في الآخرة، فكما قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار} [المائدة:72] فوجب تصفية العقيدة من شوائب الشّرك والبدع، وما يَنقض الإيمان، ويُخرج من الإسلام، ويُخلِّد في النيران، ويَحرِم من سُكنَى الجِنان.
** خامسًا: لأن تَخلخُل البدايات، وعدم ثباتها واستقرارها – خاصةً العقيدة -؛ يُورِث الشكوك والرِّيبة، ويَبعَث على الأرَق والقَلق، وضَنك المَعيشة، وهذه من أهمّ أسباب مُشكلات الشباب وانحرافهم، وتَشرّبهم المناهج المُنحرفة، والأفكار الضالَّة، ومِن ثَمّ تقهقُر حال الأمّة وتردِّيها، وانحطاطها وتَكالُب أعاديها، ولا سبيل إلى التخلُّص من كلّ ذلك، إلا بتصحيح العقائد، وتصفية المناهج، وترسيخ الثوابت.