[16] أعياد الكفار
في كل نهايةَ عام ميلادي ودخول عام جديد يحتفل النصارى بعدد من الأعياد؛ كما هو مقرر في دينهم المحرف الباطل، أبرزها الاحتفال بميلاد المسيح عيسى عليه السلام. ويقومون بشعائر وعبادات وبذل هدايا وإيقاد شموع وغير ذلك احتفالًا بهذه المناسبات، سواء كان في دولهم وبلادهم أو في المجتمعات والأوساط التي يعيشون ويتجمعون فيها خارج بلادهم.
- التصنيفات: خطب الجمعة -
الخطبة الأولى
أما بعد: ففي كل نهايةَ عام ميلادي ودخول عام جديد يحتفل النصارى بعدد من الأعياد؛ كما هو مقرر في دينهم المحرف الباطل، أبرزها الاحتفال بميلاد المسيح عيسى عليه السلام. ويقومون بشعائر وعبادات وبذل هدايا وإيقاد شموع وغير ذلك احتفالًا بهذه المناسبات، سواء كان في دولهم وبلادهم أو في المجتمعات والأوساط التي يعيشون ويتجمعون فيها خارج بلادهم.
عباد الله، لقد احتار النصارى في أمر المسيحِ عيسى ابن مريمَ عليه السلام؛ فمنهم من قال: إنه هو الله، ومنهم من قال: إنه ابن الله، ومنهم من قال: إنه ثالث ثلاثة، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ . مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المائدة:73-75].
وسوف يكذبهم عيسى عليه السلام ويفضحهم على ملأ من الأشهاد يوم القيامة، حيث يقول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ . مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:116، 117].
عباد الله، إن حرص النصارى على إقامة هذه الأعياد في نهاية السنة الميلادية يعتبر جزءٌ من عقيدتهم، لذا فإنه لا يستغرب حرصُهم على إقامتها، وبذلُ كلِّ ما في وسعهم لإزالة العقبات التي قد تحول بينهم وبين إقامتها، لا يستغرب منهم لأن هذا دينهم الذي يدينون به؛ وليس بعد الكفر ذنب، لكنْ مصيبتُنا في بعض المسلمين هدانا الله وإياهم للحق والذين يشاركون هؤلاء النصارى في هذه الأعياد الكفرية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "إن الأعياد من جملة الشرائع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه وتعالى فيها: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67]، كالقبلةِ والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج .. إلى أن قال: رحمه الله: "فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره".
عباد الله، هذه المشاركة من بعض المسلمين أخذت صورًا عديدة في زماننا هذا، فمن المسلمين من يشاركهم في حضورها ويحتفل معهم وكأنه -والعياذ بالله- واحد منهم، كيف يرضى مسلم لنفسه أن يلوث عقيدتَه الصافية النقية -عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله- ـ بعقيدة النصارى الذين يدّعون بأن الله ثالث ثلاثة تعالى الله عن قولهم علوًا كبيرا؟!
صورة أخرى من صور هذه المشاركة: ألا وهي التهنئة لهؤلاء الكفار بأعيادهم؛ وذلك بدون أن يحتفل معهم؛ وربما أن هذا يقع مِن بعض مَن يختلط معهم بحكم العمل الوظيفي وغيره؛ فيبادلونهم التهاني بهذه الأعياد، وربما يرسلون لهم بطاقات التهنئة بهذه المناسبات.
وهذا -يا عباد الله- منكر عظيم وإثم كبير، قال الإمام العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه الفذ: أحكام أهل الذمة، قال: "أما تهنئتهم بشعائر الكفر المختصة بهم فحرام بالاتفاق، وذلك مِثلُ أن يهنئَهم بأعيادهم، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بـمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، فمن هنأ عبدًا بمعصيةٍ أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه" انتهى كلامه رحمه الله. ومن صور المشاركة مساعدتهم على إقامة هذه الأعياد بأي معونة كانت، ولو كانت ببيعِ أو تأجير ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم وأعيادهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ولا يجوز بيعُ كل ما يستعينون به على إقامة شعائر دينهم".
فاتقوا الله عباد الله، كيف نرفعهم وقد أذلهم الله؟! كيف نكرمهم وقد أهانهم الله؟! كيف نهنئهم وقد توعدهم الله؟! اللهم ارزقنا محبة المؤمنين وبغض الكافرين. اللهم ارزقنا وشبابنا الاعتزاز بديننا والتمسك به. أقول ما سمعتم؛ وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية
أما بعد: فلنحذر يا عباد الله من أي مظهر من مظاهر موالاة الكفار؛ ومن ذلك ما مر معنا من تهنئتهم بأعيادهم، فقد حذر الله من ذلك فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ} [الممتحنة:1]. ومن مظاهر موالاة الكفار التشبه بهم فيما هو من خصائصهم قال صلى الله عليه وسلم: « » [صحيح الجامع:2831].
أيها الإخوة الكرام؛ ومما ينبه عليه أيضًا في هذا المقام؛ أن بعض المسلمين، شابهوا النصارى في احتفالهم بميلاد المسيح عيسى عليه السلام بطريقة يرون أن فيها تقربًا إلى الله؛ فقاموا بابتداع الاحتفال بمولد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد حذر سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الغلو فيه؛ ومن التشبه باليهود والنصارى والمشركين.
ومن الأمور التي ينبَّه عليها أيضًا أن من مظاهر التشبه بالكفار الاحتفال برأس السنة الهجرية؛ ومن جهة أخرى فإن البعض يعتقد أن نهاية السنة الهجرية فيها رفع لأعمال هذا العام؛ والصواب أن ذلك يحتاج إلى دليل يُثبت ذلك من الكتاب والسنة؛ وهذا غير موجود، وكما هو معلوم أن الاتفاق على بدء السنة الهجرية بشهر محرم إنما كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك بعد اتفاق عمر والصحابة رضوان الله عليهم، على بدء تاريخنا أهل الإسلام بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
والعاقل -عباد الله- دائم المحاسبة لنفسه؛ في أي وقت من السنة؛ فهو يرى أنه إذا مضى يومه فإنه لا يعود، وأن ذلك يقربه من أجله الذي كتبه الله له، فهو يعمل الصالحات ويبتعد عن المحرمات؛ لإيمانه بأن حياته التي يعيشها في هذه الدنيا هي فرصته الوحيدة ليعمل للحياته الأبدية حياة الآخرة؛ والتي تبدأ بالنسبة لكل واحد منا بموته، والمؤمن يحاسب نفسه دائمًا لأنه يؤمن بميزان الأعمال يوم القيامة؛ ويؤمن بصحائف الأعمال، فالمؤمن يحاسب نفسه؛ ويستعد لفجأة الموت؛ ولما بعد الموت.
اللهم أيقضنا من غفلتنا؛ لتدارك ما بقي من أعمارنا. اللهم ارزقنا حسن الخاتمة. اللهم أعز الإسلام والمسلمين؛ وأذل الكفر والكافرين.